استأنفت استهداف القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة التحالف الدولي المجاورة لمطار أربيل عاصمة إقليم كردستان، وهذا هو التصعيد الثاني بعد جولة أولى في أيلول/ سبتمبر الماضي طالت القاعدة ذاتها. غير أنّ ثلاثة صواريخ فقط، من أصل 14 صاروخاً، أصابت أهدافها الأمريكية فقتلت متقاعداً من غير الجنسية الأمريكية، وأما بقية الصواريخ فقد سقطت في محيط المطار القديم وأحياء سكنية داخل المدينة.
هنا مكمن الخطورة والفارق النوعي عن الضربة الصاروخية السابقة، إذْ أن صواريخ الميليشيات تستهدف هذه المرة إقليم كردستان وبعض سكانه ممن لا حول لهم ولا طول في بقاء القوات الأمريكية أو في جلائها الذي تزعم الميليشيات أنه الهدف الأول من وراء أعمال القصف. وإذا كان التنسيق ضعيفاً أو حتى شبه مفقود بين الإدارة المركزية العراقية وسلطات الإقليم المختلفة، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، فإن استئناف الضربات الصاروخية لا يعمق الهوة بين بغداد وأربيل على مستويات حكومية وإدارية فحسب، بل يخلق المزيد من التوتر والاحتقان على صعيد العلاقات الشعبية بين الفئات الشيعية والكرد على وجه الخصوص.
توجّهت أصابع الاتّهام نحو إيران والميليشيات التابعة لها في العراق، في تنفيذ الهجوم الصاروخي غير المسبوق على مطار أربيل بإقليم كردستان العراق، باعتبار طهران هي صاحبة المصلحة الأولى في منع تمركز المزيد من القوات الأميركية في الإقليم وتحويل أراضيه إلى مركز أساسي للوجود العسكري الأميركي، بعد تقليص عدد تلك القوات في مناطق عراقية أخرى.
وتبنّت مجموعة تطلق على نفسها اسم “سرايا أولياء الدم”، الثلاثاء، الهجوم الذي خلّف وفق بيانات للتحالف الدولي ضدّ داعش بقيادة الولايات المتّحدة، قتيلا وتسعة جرحى أحدهم جندي أمريكي.
وجاءت نسبة الإعتداء إلى مجموعة غير معروفة تطبيقا لأسلوب تمّ اتّباعه خلال الأشهر السابقة في تبنّي الكثير من عمليات التعرّض لقوافل إمداد التحالف التي تمّت نسبتها لجماعات من قبيل “عصبة الثائرين” و”أصحاب الكهف” و”قبضة المهدي”، وهي بحسب مصادر عراقية متعدّدة مجرّد أسماء وهمية تتخفّى وراءها ميليشيات شديدة الارتباط بالحرس الثوري الإيراني وفي مقدّمتها كتائب حزب اللّه وعصائب أهل الحقّ.
واتّهم الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني فصيلا يتبع الحشد الشعبي بالوقوف وراء قصف أربيل بالصواريخ. وقال المتحدث باسم الحزب محمود محمد في بيان “إنّ مواصلة هذا النوع من التعامل مع إقليم كردستان عموما والعاصمة أربيل خاصة، ستتمخض عنه نتائج لا تحمد عقباها”.
ويرى مراقبون للشأن الإقليمي إنّ إيران تستخدم الميليشيات التابعة لها في إقلاق راحة القوات الأميركية في كردستان العراق، في محاولة لمنع إنشاء وجود عسكري أميركي متواصل مع القوات الأميركية الموجودة في المناطق الكردية بسوريا المجاورة الأمر الذي سيتيح للولايات المتّحدة مراقبة تحرّكات الميليشيات التابعة لإيران بين البلدين وتقييدها.
وقال مايكل نايتس المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن حجم ونطاق الهجوم الصاروخي على أربيل كان كبيرا بشكل غير عادي، وأنه على الأرجح كان يهدف إلى تشويه أو قتل المتعاقدين أو أفراد الخدمة الأميركيين أو الحلفاء الأكراد، مضيفا “هذا اختبار لإدارة بايدن الجديدة”.
ولا يخفى أن استهداف إقليم كردستان في هذا التوقيت بالذات مرتبط بوقائع محلية مثل العملية العسكرية التركية في الإقليم ولجوء حزب العمال الكردستاني إلى تصفية 13 أسيراً تركيا في أحد الكهوف العراقية، وهو كذلك ليس منفصلاً عن سياقات إقليمية تتواصل خلالها أجواء الشد والجذب بين إيران والولايات المتحدة وغالبية رعاة الاتفاق الدولي حول برنامج طهران النووي.
وكان لافتاً تبرّأ إيران من الإعتداء الذي وصفته بـ”المشبوه”، معتبرة أنّ ربط اسمها به “محاولة مدانة”. وقال سعيد خطيب زاده المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إنّ بلاده تعتبر “أمن العراق واستقراره بمثابة قضية رئيسية للمنطقة.. وأنّها ضد أي خطوة من شأنها زعزعة النظام والاستقرار في العراق”، مضيفا “ندين المساعي المشبوهة لربط الهجوم بإيران ونرفض هذه الادعاءات”. الأمر الذي يمكن قراءته أيضاً طبقاً للقاعدة الشهيرة: إنْ كنتَ لا تدري فتلك مصيبة/ أو كنت تدري فالمصيبة أعظم.
فمن الثابت والمعروف أن الغالبية الساحقة من الميليشيات الشيعية في العراق تناصر طهران وتتبع أوامر الحرس الثوري الإيراني، مباشرة عبر قيادات المليشيات الولائية أو في حالات أخرى نادرة عبر مبادرات فردية تتماهى على نحو وثيق مع خدمة المصالح الإيرانية. وبالتالي فإن معرفة طهران المسبقة بعملية قصف أهداف في كردستان وعدم التدخل للحيلولة دون تنفيذها هو مصيبة أولى، لا تقلّ عنها دلالة أن تكون ميليشيا حديثة النشأة قد قامت بالتنفيذ دون علم طهران وإعلام رجالها في العراق.
واعتبر الكاظمي أنّ الإعتداء الذي استهدف إقليم كردستان “يهدف إلى خلق الفوضى وخلط الأوراق”. وأضاف خلال جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية أنّ “هذا العمل الإرهابي يأتي مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة لتهدئة الأوضاع في المنطقة وإبعاد البلد عن الصراعات وأن لا يكون العراق حديقة خلفية لها”.
ومن الواضح أن تغريدة الرئيس العراقي برهم صالح حول الواقعة، وحديثه عن معركة الدولة والسيادة ضد الإرهاب والخارجين عن القانون، هي إشارة قوية يُراد منها عبور الحدود وإبلاغ أهل الحل والربط في الإقليم.
وحدة الدراسات العراقية