لا يبدو أن حزب الله سيجد مخرجا من الورطة السورية قريبا خاصة أن تدخله في سوريا قد طال لأكثر من ثلاث سنوات دون نتائج. وبدلا من ذلك فإن هذه الحرب توسعت وصارت أكثر تعقيدا بتحول سوريا إلى مجال منافسة عسكرية بين دول كبرى لا تبحث سوى عن مصالحها.
ورغم ترحيب أمين عام حزب الله حسن نصرالله بالتدخل الروسي في سوريا، على أمل أن ينجح في ما فشل فيه الحزب وحلفاؤه في التخلص من المعارضة السورية المسلحة التي نجحت في إرباك النظام السوري، فإن دوائر مقربة من الحزب لم تخف قلقها من وضع مقاتليه في سوريا، وخاصة مصير الحزب في ضوء المعادلة الجديدة، أي بعد أن صارت سوريا محل تنافس عسكري بين روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
وستتركز مهمة عناصر حزب الله في تقسيم الأدوار الجديد بحماية دمشق وربطها بمنطقة الزبداني وبالطريق الواصل إلى لبنان، وترك مهمة حماية مناطق العلويين في الساحل إلى القوات الروسية.
ويواجه عناصر حزب الله صعوبات لوجستية في القتال والحركة في جبهة بعيدة داخل سوريا.
وتبخرت حسابات الحزب، ومن ورائه إيران، في ما يتعلق بإقامة دولة طائفية تعود بالولاء الكامل للمرجعية في إيران.
وكان الحزب يمني النفس بتحقيق نصر سريع على المعارضة السورية يمكنه من التحول إلى رقم إقليمي مهم، فضلا عن استمرار إحكام سيطرته على لبنان.
ويبشر إعلام الحزب بالنصر في سوريا بعد تدخل القوات الروسية التي توفر الغطاء الجوي لمعارك الميليشيات الداعمة للرئيس السوري بشار الأسد ضد التنظيمات المعارضة، لكن النصر سيحسب لموسكو، وهي من ستأخذ الجزء الأكبر من الكعكة السورية.
وقال قائد ميداني رفيع في حزب الله لصحيفة “بزنس انسايدر” الأميركية “اليوم استطيع ان أخبرك ان الحل في سوريا أصبح في متناول الأيدي. سيصبح هذا الحل بين روسيا وسوريا وإيران وحزب الله، وسيكون عسكريا وليس سياسيا، لأننا سنكسب المعركة العسكرية ويكون كل شيء بعد ذلك على ما يرام”.
وأضاف أن التقدم العسكري للقوات السورية وحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى المدعومة من قبل إيران “اصبح ممكنا فقط بعد التدخل الروسي”.
وأكد “انها إستراتيجية بسيطة للغاية: روسيا تقصف من الجو والمشاة يتقدمون على الأرض”.
لكن ما يثير مخاوف الحزب أن روسيا ربما تقبل بحل سياسي يقوم في أول شروطه على إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا، ثم المرور إلى تهيئة أجواء مصالحة وطنية بين مختلف فرقاء الأزمة السورية.
وتنبع هذه المخاوف من تصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال فيه “روسيا لا تفرق ما بين جماعات شيعية وسنية”، ما يعني أن موسكو لم تتحرك لدعم أجندة حزب الله وإيران في تمكين الطائفة من حكم سوريا، كما أنها لا تخوض الحرب ضد السنة خاصة أنها فتحت أبواب علاقات اقتصادية وعسكرية نوعية مع دول سنية في المنطقة.
ومع التدخل الروسي العسكري في سوريا، أبدت إيران إشارات متضاربة بين الترحيب بهذا التدخل الذي تعتقد أن من شأنه أن ينقذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد من السقوط، وبين عدم القدرة على إخفاء قلقها من توسع الدور الروسي في سوريا على حساب نفوذ لطالما سعت إلى توسيعه خلال العقود الماضية.
وظهر الارتباك والتناقض الإيراني بشكل واضح على الميليشيات التي تدعمها سواء حزب الله او تلك التي حشدت مقاتليها من العراق وباكستان وافغانستان.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن غالبية الميليشيات غير السورية بدأت تتمركز في العاصمة دمشق ومحيطها وبعدما أخذت تدريجيا في الانسحاب من منطقة الساحل السوري حيث ألقت موسكو بثقلها، وأنشأت غرفة العمليات الرئيسية التي تتحرك من خلالها القوات الروسية.
وأكدت المصادر أن التخوف من إمكانية إقدام روسيا على عقد اتفاق دولي مع دول غربية وعربية للتوصل إلى حل سياسي لا يشمل المحافظة على نفوذ إيران في سوريا بات مستشريا بين صفوف الحزب اللبناني الذي فقد المئات من مقاتليه في سوريا منذ اندلاع شرارة الحرب الأهلية قبل أربعة أعوام.
وفضلا عن الخسائر السياسية والإيديولوجية، فإن حزب الله يتلقى يوما عن آخر هزائم عسكرية مؤلمة. وشيع الحزب أمس أحد كبار قادته العسكريين سقط خلال القتال إلى جانب قوات الجيش السوري في محافظة إدلب يوم السبت في موكب جنائزي نقلت وقائعه قناة المنار على الهواء مباشرة.
وحمل مقاتلون من حزب الله يرتدون زيا عسكريا مموها نعش حسن الحاج القائد المخضرم في صفوف ميليشيا حزب الله الملفوف بعلم حزب الله وساروا به ببطء على وقع عزف أبواق الموسيقى.
وسار النعش في قرى جنوبية حيث معقل حزب الله في قافلة من السيارات السوداء وسيارات الإسعاف.
ووفق تقارير متعددة، فإن الحزب فقد أكثر من ألف قتيل من ميليشياته في سوريا، وكان أكثر قتلاه في معارك القصير (2014) والزبداني (2015)، لكن أمينه العام حسن نصرالله ما فتئ يتمسك بمواصلة الحرب رغم حالة تململ كبرى يعيشها الحزب والعائلات الداعمة له بسبب الفاتورة الباهظة للحرب.
صحيفة العرب اللندنية