بغداد – يعطي التجديد للرئيس العراقي برهم صالح لدورة رئاسية جديدة الفرصة لاستمرار شخصية عراقية جامعة في المهمة التي عمل عليها خلال السنوات الماضية من أجل التقريب بين مختلف الفرقاء وتبديد الهواجس ذات البعد الطائفي والعرقي خاصة لدى السنة والأكراد الذين يشعرون بأن منظومة الحكم الحالية التي تسيطر عليها الأحزاب الشيعية تتجه نحو تكريس الحكم الطائفي بدل بناء عراق مشترك يساوي بين الجميع على قاعدة الهوية الوطنية.
وقالت أوساط سياسية عراقية إن برهم صالح يحصل على دعم الكثير من النواب من أجل التجديد له، وإن الأمر يبقى رهين التحالفات التي يجري ترتيبها بشأن حزمة متكاملة من التفاهمات تتعلق برئيس الحكومة والحقائب الوزارية ورئاسة الجمهورية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن التجديد مرهون في جزء كبير منه بمدى التزام رئيس التيار الصدري مقتدى الصدر بوعوده بشأن المضي بمسار وطني بدل المسار الطائفي القائم على المحاصصة والترضيات السياسية والمرتهن للأوامر الخارجية.
الدعم الذي تلقاه فكرة التجديد لبرهم صالح يعود إلى كونه شخصية عراقية توافقية مقبولة من أغلب الفرقاء
وأضافت أن تمرير الصدر لموضوع التجديد للرئيس العراقي الحالي قد يكلفه غاليا في علاقته مع إيران وأحزاب الإطار التنسيقي الموالية لها، وقد يضطر إلى التجاوب مع تلك الضغوط عند دعم خيار المرشح الكردي لرئاسة الجمهورية، أو تعيين رئيس الوزراء وقائمة الحقائب الحكومية، وهو ما سيمثل اختبارا حقيقيا لما يقوله عن المحاصصات والمحسوبية والتحزب، وأن كل شعاراته ستكون على المحك.
ويعزو مراقبون عراقيون الدعم الذي تلقاه فكرة التجديد لبرهم صالح إلى كون الرجل شخصية توافقية طالما تم اللجوء إليه لحل الخلافات وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في القضايا التي تتعلق خاصة بالبعد الطائفي، مشيرين إلى تمسكه بالبعد الوطني في التعامل مع حل مختلف المشاكل المطروحة.
ويلفت المراقبون إلى أن برهم صالح هو الشخصية الكردية الوحيدة التي نجحت في كسر عُقد الماضي وتجاوزت قصص المظلومية والثأر وحاورت مختلف الطوائف والأعراق على قاعدة المشترك الوطني العراقي، وهو المسار الذي سيقود إلى الحفاظ على وحدة العراق ويحقق مكاسب لجميع الفرقاء بدل الصراع بصورته الحالية الذي يهدد بتقسيم البلاد.
ويحرص برهم صالح الذي تولى منصب الرئاسة في العراق في العام 2018 على التعامل على نفس المسافة من جميع القوى السياسية في العراق، ويلزم نفسه بالدفاع عن الصالح الوطني بعيدا عن أيّ خلفيات فكرية أو تأثيرات عرقية، أو اصطفافات سياسية لطالما استنزفت الشعب العراقي وقادته إلى حافة الإفلاس.
وكان الرئيس العراقي قد دعا بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس دولة العراق الحديثة إلى عقد سياسي واجتماعي جديد يُشارك في صياغته الرأي العام الوطني بجميع فعالياته، ويستند على مُراجعة موضوعية لأخطاء وتجارب الماضي.
وشدد على أن أكبر الدروس المُستقاة من مئوية الدولة العراقية هو الحاجة المُلحّة للحكم الرشيد، فرغم موارد البلد الطبيعية الغنية وطاقاته البشرية وموقعه الجغرافي في قلب المنطقة، لم يجلب كل ذلك السلام الدائم والعيش الرغيد لمواطنيه.
ولفت إلى أنه -وعلى أعتاب استحقاق وطني يهتم بتشكيل حكومة جديدة- بات من الضروري الانطلاق نحو عقد سياسي واجتماعي جديد ضامن للسلم الأهلي، ترسيخا للحكم الرشيد، يقوم على مُراجعة موضوعية لأخطاء وتجارب الماضي.
ويحوز بقاء برهم صالح لدورة رئاسية جديدة على دعم خارجي خاصة من الدول الإقليمية عدا إيران، وكذلك من الولايات المتحدة، في ظل مسعى دولي داعم لاستقرار العراق وإبعاده عن النفوذ الإيراني. وينظر إلى الرئيس العراقي كشخصية ضامنة للتوازن وقادرة على الحد من هذا النفوذ. كما أنه يمكن أن يلعب دور الوسيط داخليا وخارجيا للمساعدة على بناء سلطة عراقية تنأى بالعراق عن الأجندات الإقليمية.
وتدعم الدول المعنية بالشأن العراقي استمرار الثنائي برهم صالح ورئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي في المرحلة القادمة بالتحالف مع مقتدى الصدر من أجل تحويل فكرة حكومة الأغلبية الوطنية التي يدافع عنها الأخير إلى مشروع أوسع تتشكل وفقه مختلف المؤسسات العراقية حتى تتفرغ البلاد لمعالجة قضاياها الحقيقية وخاصة ما تعلق بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتوقف عن رهن العراق للأجندات الخارجية.
وكان صالح والكاظمي قد حثا على التحرك نحو تشكيل الحكومة والتوقف عن الجدل بشأن الانتخابات من أجل ”تخفيف التوترات الإقليمية، وتأمين استقرار وسيادة العراق ودوره المحوري في المنطقة”، في إشارة واضحة إلى الصراع الأميركي – الإيراني على أرض العراق.
ودعا الرئيس ورئيس الحكومة إلى تحريك ملف الواقع المعيشي الضاغط في العراق و”تحسين الأوضاع المعيشية والخدمية للمواطنين”، في الوقت الذي فشلت فيه العملية السياسية منذ 2003 إلى الآن في وضع حد لمعاناة العراقيين على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بسبب الارتهان للأجندات الخارجية.
وسيكون بقاء برهم صالح في منصبه مرهونا بموقف الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي تراجع عن اتفاق سابق مع الاتحاد الوطني لدعم التجديد للرئيس العراقي الحالي.
العرب