أعطت مسارات السياسة الإيرانية ابعادا ميدانية تمثلت في اتباع طرق وأساليب للحيلولة دون زيادة الضغوط الداخلية على القيادة الإيرانية من قبل شعبها نتيجة العقوبات الاقتصادية التي تعيشها إيران بعد الانسحاب الأمريكي من اتفاقية البرنامج النووي الإيراني عام ٢٠١٥ ، واعطت منحا جديدا اتبعه الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي بعد توليه الرئاسة في حزيران ٢٠٢١ بالاتجاه نحو الشرق حيث الحليفين الشريكين روسيا والصين فجاءت زيارته للعاصمة موسكو قبل أيام تتويجا للمنطلقات التي أعلن عنها ولتحدد طبيعة العلاقة القادمة بين البلدين وسبل التوقيع على معاهدة للتعاون الأمني والاقتصادي لمدة عشرين عاما قادما عبر العديد من الصفقات التجارية والتبادلات المالية والاستثمارات الروسية وإعطاء الجانب الأمني والعسكري أولوية بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واستيعاب التغيير الحاصل في منطقة آسيا الوسطى.
جاءت الزيارة كنتيجة حتمية فرضتها السياسة الأمريكية تجاه إيران بعد العقوبات الاقتصادية ومسار علاقات واشنطن في منطقة الشرق الأوسط ،في محاولة ايران لإعادة ترتيب بيتها السياسي والانطلاق نحو عملية التأثير الميداني في علاقتها الإستراتيجية مع حليفتها روسيا وهي امتداد للدور الذي لعبته القيادة الروسية في انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون الأمني في آسيا الوسطى والتي تضم دول (الصين وباكستان والهند وأوزبكستان وطاجستكان وقيزغستان) وتهدف إلى تكوين تحالف استراتيجي يواجه التمدد والنفوذ السياسي للإدارة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
سبقت زيارة الرئيس الإيراني قيام حسين امير عبد اللهيان وزير خارجية إيران بزيارة الصين بتاريخ ١٤ كانون الثاني ٢٠٢٢ تعزيزا لمفهوم الانفتاح السياسي نحو الشرق وإرسال رسالة واضحة للإدارة الأمريكية بالسعي الإيراني نحو الشراكة الدائمة مع الحلفاء السياسين في موسكو وبكين، حيث أعلن في هذه الزيارة عن توقيع اتفاق للتفاهم الاستراتيجي طويل الأمد لمدة ٢٥ عاما في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية والثقافية والإعلامية والزراعية ، وأبرز ما في هذه الاتفاقية هي البعد الاقتصادي والاستثمار الصيني في الاقتصاد الإيراني والبالغ (٤٥٠) مليار دولار .
كان الحدث الأبرز بعد هاتين الزيارتين ما اعلن عنه بتاريخ ٢١ كانون الثاني ٢٠٢٢ عن إجراء ثالث تدريبات مشتركة بحرية بين روسيا والصين وإيران في منطقة المحيط الهندي تضم وحدات من الجيش والحرس الثوري الإيراني في مناورات أطلق عليها (حزام الأمن البحري ٢٠٢٢) وحسب قول الاميرال مصطفى تاج الدين المتحدث باسم التدريبات العسكرية الذي أكد أن الهدف من إجراء هذه التدريبات هو تعزيز الأمن وقواعده في منطقة المحيط الهندي وتوسيع التعاون بين الدول الثلاث دعما للسلم العالمي والأمن البحري.
واذا ما نظرنا بصورة دقيقة لطبيعة الأحداث السياسية المتسارعة في إيران يمكن لنا أن نلاحظ الاتي :
١.تعامل الجانب الروسي مع الزيارة بشكل دبلوماسي ولم يجري عملية التوقيع المباشر على اتفاقية التعاون الاستراتيجي لمدة عشرين عاما واكتفى بمناقشة الأوضاع المتطورة في منطقة القوقاز وآسيا الوسطى والميدان السوري ، لأنه يرى أن عملية التقارب مع طهران ستزيد من عملية الاحتقان السياسي بينه وبين واشنطن بعد الأحداث القائمة في اوكرانيا .
٢. يسعى النظام الإيراني إلى توثيق علاقته مع المحيط الدولي والإقليمي ويرى أن روسيا والصين تشكلان عمقا ميدانيا له في استعادة دوره مستقبلا وبعد رفع العقوبات الاقتصادية عنه .
٣.تشكيل محور ثلاثي(روسي صيني ايراني ) يمتلك قدرات عسكرية واقتصادية ودائرة نفوذ فعالة في منطقة حيوية تمتد من آسيا الوسطى والقوقاز نحو الشرق الأوسط فيها من ثروات طبيعة ومصادر للطاقة تستطيع أن تتحكم بالاقتصاد العالمي.
٤.تأتي الزيارة في وقت تشهد المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني تجاذبات في كيفية إيجاد حالة من التوافق بين الشروط الإيرانية بالرفع الكامل للعقوبات وتقديم تعهد أمريكي بعدم الانسحاب من أي اتفاق مشترك بين جميع الأطراف.
٥. تحاول إيران إثبات حضورها الإقليمي وإظهار سياسية الممانعة والقوة عندما تدعو إلى التعامل مع مخزونها من اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزي نوع (lR6s) المستخدمة في إنتاج اليورانيوم بدرجة تخصيب ٢٠_٦٠% على أنه حق مكاسب للشعب الإيراني وهو ما يشكل اعتراضا امريكيا يرى فيه خرقا للاتفاق الموقع عام ٢٠١٥ الذي حدد نسبة اليورانيوم المخصب ب (٣،٦٧) .
٦.توجيه رسائل إلى الشركاء الاوربين أن لإيران بدائل نحو الشرق تتعلق بجميع الجوانب الاقتصادية والعسكرية وباستطاعتها استثمار علاقتها الإستراتيجية بعيدا عن نتائج حوارات البرنامج النووي وملاحظة أي تحرك غربي تجاه تعامل أيران شرقا .
هي منطلقات سياسية واقتصادية يحاول النظام الإيراني التعامل معها بوتائر متصاعدة تصل إلى توقيع اتفاق جديد ورفع العقوبات الاقتصادية مع احتفاظه بما حققه من نتائج ميدانية في تخصيب اليورانيوم والسعي لاستمرار نفوذه الدولي والإقليمي والتوسع في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي ضمن توجهات وبرامج سياسية وأمنية واعتباره قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الرابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية