معمر فيصل خولي
يقع قضاء سنجار شمال غرب مدينة الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد)، ويتبع إداريا محافظة نينوى، ويسكنه خليط من العرب والأكراد والطائفة الإيزيدية الكوردية، التي نكّل بها تنظيم داعش خلال سيطرته على القضاء في حزيران/ يونيو عام 2014 حيث شهدت مجازر بحق الإيزيديين وتشريدهم في مخيمات النزوح، فضلا عن اختطاف التنظيم الآلاف من نسائهم وأطفالهم. كما تبعد سنجار حوالي 100 كلم عن الحدود التركية، وحوالي 80 كلم من معسكر بعشيقة الذي توجد فيه قوات تركية محدودة شمال الموصل.
لم يكن القضاء، جزءًا معروفًا بتأثيره في سياق الحدث العراقي والإقليمي” التركي الإيراني”، قبل أن يسيطر عليه تنظيم داعش. وقد شكَّل سلوك التنظيم ضد الإيزيديين هناك نقطة التحول المفصلية في التعامل الدولي مع تلك التطورات، والانتقال من المراقبة إلى العمل العسكري المباشر.
ومنذ عام 2104، وظَّف حزب العمال الكوردستاني ظهور (داعش) وحالة (انعدام الحكومة وغياب الدولة) في العراق واندفعوا تجاه عمق جبل سنجار، لتثبيت ملاذات جديدة، وهناك عملوا على مساعدة الإيزيديين الذين نزحوا من القضاء إلى الجبل، وحمايتهم من هجوم داعش، مما أكسبهم تعاطفًا كبيرًا وعمَّق العلاقة بين الإيزيديين وعناصر الحزب. تلا ذلك مشاركة عناصر الحزب عام 2015 في عمليات تحرير سنجار من قبضة داعش؛ الأمر الذي أدى إلى تغلغل الحزب في إدارة سنجار المدنية ورسم ملامح توازناتها الأمنية بالاتفاق مع قوات البيشمركة حتى عام 2017م.
وبعد طرد مسلحي التنظيم سيطر عليها مقاتلو حزب العمال الذين جاءوا لمساعدة الإيزيديين. فقد حاول حزب العمال منذ سيطرته على منطقة سنجار عام 2014 تحقيق عدة مكاسب، أهمها جعل المدينة حلقة وصل بين مناطق نفوذه في سوريا وكردستان العراق، ومن ثمَّ تسهيل حركة المقاتلين والسلاح بين المنطقتين.
من هنا جاء الاهتمام التركي بسنجار تُعَدُّ سنجار مجالا حيويا لأنقرة، فهي قريبة من شمال سوريا حيث النفوذ الكردي منذ 2014، كما أنها امتداد لقضاء تلعفر الذي يتصل بالأراضي التركية، ولذا تنظر أنقرة إلى سنجار بوصفها مفترقَ طرقٍ إستراتيجيا لضمان أمنها. فهي تسعى إلى خلخلة النفوذ الكردي بمد وجودها العسكري إلى سنجار. وثمة وجه آخر لدخول تركيا إلى سنجار، حيث تحاول أنقرة شطر شمالي العراقي إلى قسمين، شمالي كردي تحت مظلة إقليم كردستان، وشمالي عربي يُمثِّله الكتف العراقي الشرقي المحاذي للأراضي السورية (تلعفر-سنجار)، وهو ما يُفسِّر تعاونها مع الحكومة العراقية التي تسعى هي الأخرى لبسط هيمنتها في المنطقة على حساب الحشد وحزب العمال.
فهي لا ترغب في أن تتحوّل سنجار إلى قاعدة جديدة لحزب العمال الكردستاني كما قنديل. وترَ أنقرة في موطئ قدم الحزب بسنجار إلا ربطا خطيرا بين قواعد الجماعة القديمة في جبال كردستان العراق وشمالي سوريا، وكذلك لم ترَ في القاعدة اللوجستية الخاصة بها إلا ربطا خطيرا بين عمليات الحزب في شمالي شرق سوريا وقواعده الكامنة في تركيا وجبال قنديل العراقية.
فالمخاوف التركية تتمحور حول، الأول: حزب العمال الكوردستاني، فوجود الحزب هناك كانت – ولاتزال- تتمحور حول جملة من النقاط أهمها ما يخص حزب العمال الكردستاني وما حصل عليه من قبول شعبي “إيزيدي” كبير بعد دعم الحزب للقضية الإيزيدية هناك والمساهمة في الدفاع عن الإيزيديين، عام 2014، من ثم المساهمة في تحرير سنجار، عام 2015. لا، بل إن الحزب استطاع إنشاء مجاميع وفصائل مسلحة تابعة له داخل سنجار، تهيمن على مفاصل القرار الأمني والمدني كوحدات مقاومة سنجار أو الفتح المبين “اليبشة” التي تُتَّهم من قِبل أنقرة بأنها أجرت عمليات تطهير عرقي حيال تركمان سنجار وتهجيرهم منها، فضلًا عن انتماء مئات الإيزيديين العراقيين لحزب العمال الكوردستاني وتلقيهم تدريبات عسكرية خاصة، بالإضافة لانتماء مئات الإيزيديين للفصائل المسلحة العراقية كذلك. وعلى الرغم من التصعيد العسكري والتضييق السياسي من قبل تركيا ضد حزب العمال الكوردستاني إذ ما زالت عناصره تعمل في جبل سنجار بشكل خاص.
ثانيًا: إيران، تلعب في سنجار بأوراق ضغط عديدة، لضمان استمرار استخدامه للربط مع سوريا سواء عبر فصائل الولائية أو حزب العمال أو مشتقاته الإيزيدية. كل ذلك يبدو واضحًا عبر تسهيل عمليات المرور من وإلى الأراضي السورية فالعراقية ورعاية التهريب بكافة أشكاله هناك بغضِّ النظر عن طبيعة هذه الأطراف، حيث إن الهدف الاستراتيجي الإيراني في سنجار هو مزاحمة تركيا بالدرجة الأساس والاقتراب أكثر من عمق الموصل وحلب في سوريا، فضلًا عن توظيف حزب العمال الكوردستاني كورقة ضغط تجاه الإقليم عند الحاجة بالاتساق مع الهدف الاستراتيجي الأعمق وهو استمرار التدفق الإيراني الأمني والاقتصادي تجاه الأراضي السورية بانسيابية أعلى من خلال سنجار وصولًا إلى مقتربات البحر المتوسط ودمشق ومن ثم بيروت وحزب الله. ورغبتها باستغلال علاقاتها مع حزب العمال للضغط على تركيا وكسب تنازلات منها في سوريا والعراق.
على أي حال، يبدو أن ملف سنجار لن يُحسَم بسهولة بسبب تدخُّل دول إقليمية ودولية، مما يعني إمكانية تحوُّله إلى بؤرة صراع مستقبلية إذا لم يصل الأطراف الضالعون فيه إلى تسوية مُرضية للجميع. ستواجه تركيا صعوبة في تحقيق انتصار سريع في سنجار بسبب بُعدها عن الحدود التركية من جهة، وتبعية سنجار للحكومة المركزية العراقية من جهة ثانية مع استمرار الصعوبات في بسط سيطرتها هناك، والدعم الذي يتلقاه حزب العمال من إيران من جهة ثالثة، لكن الضغط العسكري والسياسي التركي حتى الآن يؤتي أُكله مع الحكومة العراقية، التي تحاول التصدي لحزب العمال كي تدفع عن نفسها سيناريو التدخُّل التركي وانهيار العلاقات مع أنقرة، التي لا تريد هي الأخرى استنزاف قوتها العسكرية في عملية أخرى على حدودها الشمالية الطويلة والمُعقَّدة والمليئة الآن بشتى صنوف الميليشيات من عفرين وحتى الحدود الإيرانية.
وحدة الدراسات التركية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية