باريس – لم ترد الصين ولا روسيا تحديد طبيعة العلاقة التي تجمعهما، لا حين كانت الدولتان تتبعان الأيديولوجية الشيوعية ذاتها، أيام الاتحاد السوفياتي، ولا بعد انهياره بصعود روسيا بوتين. وكأنما أصر كل منهما على إبقاء طريق عودة عن تحالف لا هو بالوثيق ولا هو بالهش.
إلا أن المؤكد أن أيّ تصدّع يعصف بعلاقات كل منهما مع الغرب، يصب في صالح تقارب يتجدد كل مرة بين بكين وموسكو، وهذا التقارب يشهد في هذه الأيام شهر عسل تم التعبير عنه الخميس الماضي في سمرقند بأوزبكستان، والذي رأي فيه البعض بداية ولادة نظام عالمي جديد معالمه وقواه الدافعة لا تزال غير واضحة بفعل تباين الإستراتيجيات والأهداف والرؤى بين أطرافه.
شراكة أم تحالف
وضع البلدين غير متكافئ اليوم، لذلك رأينا موسكو تتقرب من منظمة أنشأتها بكين أساساً للحد من تحركات روسيا
لو استثنينا الغرب من الصورة، فسنرى تنافساً كبيراً وحثيثاً بين الصين وروسيا على صعد مختلفة، من بينها وليس كلها، آسيا والسوق العالمية والجمهوريات الإسلامية المنفضة عن تركة الاتحاد السوفياتي.
ويرى سيريل بريت الباحث في معهد جاك ديلور بباريس إن العلاقة بين الطرفين، شراكة حقيقية، إلا أنها غير متوازنة وغير متجانسة، وفي الوقت الذي لا يجمع البلدين أيّ رابط أيديولوجي، فإن هناك رؤية مشتركة للعلاقات الدولية باتجاه إزالة التأثير الغربي عن العالم. من جهة أخرى فإن علاقة بكين بموسكو ليست “زاوج مصلحة” كما تقول أليس إيكمان، المحللة المسؤولة عن شؤون آسيا في معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوروبي، فبينهما بالفعل “نقاط تلاقٍ كثيرة”، والصين لديها قراءة متقاربة إلى حد ما، مع قراءة روسيا للتوترات القائمة مع الولايات المتحدة ومع حلف شمال الأطلسي، لكن ”من الواضح أننا أمام حالة استقطاب للعالم”، وفقاً لإيكمان التي ترفض فكرة أن يكون للصين ”حلفاء“ بل مجرّد شركاء.
وينقل تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية عن إيمانويل دوبوي، رئيس معهد المستقبل والأمن في أوروبا وصفه لتلك العلاقة بأنها “كتلة مرنة”، تتضح أبرز ملامحها في التدريبات العسكرية المشتركة التي تتكرر وتيرتها، والتعاون في مجالات الطاقة والفضاء، وينسقان تحركاتهما ومواقفهما في الهيئات الدولية.
في الواقع إن هيكلية تتشكل اليوم من خلال العديد من المنظمات، بما في ذلك منظمة شنغهاي للتعاون، وهي الإطار الذي جمع الرئيس الصيني مع نظيره الروسي مؤخراً، مما يؤكد على توجه نحو “شرقنة” العلاقات الدولية.
هذا المسار سوف يخضع لاختبار جدّي، حين يتم التعبير عنه بطريقة يتجلى من خلالها الموقف الموحد على نحو أوضح في الجمعية العامة المقبلة للأمم المتحدة، بينما دُعي إلى قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند قادة بيلاروسيا وإيران والهند وباكستان والعديد من دول آسيا الوسطى الذين تمكنوا من مشاركة وجهات نظرهم مع الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين، قبل أيام قليلة من اجتماع قادة العالم في نيويورك.
المراقبون يرون صورة أخرى، فروسيا والصين ليستا الآن في الوضع نفسه، لقد كان على موسكو أن تتقرب ذليلة من هذه المنظمة التي أنشأتها بكين في الأساس للحد من تحركات روسيا في آسيا الوسطى. وهذا يوضح بشكل صريح مدى حاجة بوتين إلى الصين، فروسيا التي تبدو معزولة وخاضعة للعقوبات الغربية عليها أن تتطلع نحو الشرق لأن خياراتها محدودة.
سيريل بريت: في الوقت الذي لا يجمع البلدين أيّ رابط أيديولوجي، فإن هناك رؤية مشتركة للعلاقات الدولية باتجاه إزالة التأثير الغربي عن العالم
بينما الصين أقوى في هذه الأيام من روسيا، حسب إيفان فيغنباوم الباحث في مركز كارنيغي للسلام الدولي، ومصالحها أشمل وأكثر تنوعًا. غير أن هدف بكين المحافظة على تفاهمها مع موسكو على المستوى الإستراتيجي، لمواجهة القوة الأميركية، دونما حاجة إلى تقديم الدعم لها على المستوى التكتيكي، لأن الصين تستفيد من الوصول إلى الأسواق العالمية، وتتجنب العقوبات وتبني علاقات مع دول تخشى من روسيا، مثل تلك الموجودة في آسيا الوسطى.
أما المؤرخ بيير غروسيه فيعتبر أن دعم الصين لبوتين ربما يكون فخاً للصين، على اعتبار أن العداء الروسي للغرب “يفرض السير في منحدر خطير من المواجهة يجعل التعايش السلمي صعبًا“، بينما ما زالت الصين في حاجة إلى التبادلات الاقتصادية والتكنولوجية مع الدول الرأسمالية الكبرى.
وعلى الرغم من ارتفاع نسب التبادل التجاري بين البلدين، في هذ العام، بما قارب 30 في المئة عن العام الماضي، إلا أن التنين الصيني والدب الروسي يتفقران إلى الثقة ببعضهما البعض، ونقلت بلومبيرغ توقعات محلليها التي تقول إنّ حجم إمدادات الفحم الروسي إلى الصين قد تزداد العام الجاري، لتصل إلى 71 مليون طن، مرجّحين حصول الصين على الفحم الروسي الذي كان مخصصاً لتوريده إلى اليابان.
وقد نقل عن مدير إدارة الاقتصاد في وزارة الخارجية الروسية ديميترى بيريشيفسكي في أغسطس الماضي، قوله ”لقد قمنا ببناء نظام شامل للعلاقات الثنائية على مختلف المستويات، من الأعلى وحتى المستويات الإقليمية في مختلف المجالات والقطاعات“.
لقد عبرت العلاقات الصينية – الروسية سياقاً طويلاً من التوتر الشديد، لتجد الصين أن لديها الآن فرصة لتسريع تقاربها مع روسيا. وسيكون انعكاس ذلك بشكل مقلق للغاية على تايوان التي اشتكت حكومتها من أن تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين سوف يضر بالسلام الدولي.
العرب