عقد يومي الحادي عشر والثاني عشر من تموز 2023 في العاصمة (فيلنيوس) بدولة ليتوانيا القمة السنوية لدول حلف شمال الأطلسي وسط أجواء عالمية شديدة التعقيد تتمثل بالتصعيد والمواجهة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا واشتداد الحالة الأمنية وسط تفاعلات وامتدادات نحو الذهاب للحرب الباردة بين واشنطن وأوروبا وروسيا وتجاذبات سياسية وتحالفات إقليمية دولية ومناورات عسكرية بحرية وجوية لدول كبرى في مناطق ذات أهمية استراتيجية في العلاقات والمصالح الدولية وتحديدا في منطقتي المحيط الهندي والمحيط الهادي وتعاظم القدرات العسكرية والاقتصادية الصينية وسعي قيادتها نحو آفاق مستقبلية وميدانية تعزز خطة (الحزام والطريق) التي تشكل دعامة رئيسية في الطموح الصيني لدور سياسي وأمني في منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا وفق نظرية تزايد التنافس على قيادة العالم.
ان أهمية إنعقاد هذه القمة أنها أكدت على وحدة الرأي لقادة الحلف الأطلسي باعتبار ان روسيا تشكل التهديد الأوسع لدولهم بعد ابتعاد قادة الحلف عن مبدأ (مفهوم الشراكة مع روسيا) والذي أقر في قمة لشبونك عام 2010 بعد ألمواجهات التي حدثت على جبهة أوكرانيا والتهديدات التي تشعر بها دول أوربا، كما وان رؤية الناتو لتحركات الصين ودورها الميداني الذي تقوم به الآن في حل المشاكل والمنازعات في العديد من مناطق العالم وآخرها الاتفاق السعودي الإيراني وتنامي قدراتها الدفاعية وزيادة فعالية إنتاجها العسكري.
جاءت مباحثات قادة حلف الأطلسي لتمنح مبدأ الدفاع الجماعي أهمية في تعزيز البنية السياسية والاقتصادية للحفاظ على مصالح دولهم وتفعيل الفقرة الخامسة من ميثاق الناتو بتحسين الخطط الدفاعية بدعم قواتها من (40) ألف الى(300)ألف مقاتل وبكتائب مدعومة بوحدات جوية وبحرية وزيادةالوجود الأمريكي في الجناح الشرقي لدناتو بتعزيز القدرات الدفاعية للمناطق الواقعة بالقرب من أوكرانيا وزيادة الإنفاق العسكري ودعم أوكرانيا بمبلغ (500) مليون دولار سنويا ولمدة عشرة أعوام، لتفادي اي مواجهة عسكرية او امتداد الحرب الروسية الاوكرانية لأراضي ودول الحلف الأطلسي.
وكان من ادوات وفعالية مبدأ الدفاع المشترك ان وافقت هذه الدول على قبول (فنلندا) يوم الرابع من نيسان 2023 لتكون العضو ( 31) في الناتو، وهذا يعني سياسياً وعسكرياً أن قيادة الحلف قد أضافت 1300 كم إلى حدودها وهذا عامل مهم في الاستراتيجية العسكرية ورسالة واضحة للقيادة الروسية.
ناقشت القمة قبول السويد كعضو جديد ولكن بعد قبولها بالشروط التركيه في منع نشاطات حزب العمال على اراضيها وتسليم قياداتهم لأنقرة مع جماعة فتح الله غولن ورفع الحظر عن توريد الأسلحة لتركيا، وهي العوامل الرئيسية التي جعلت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ان يوافق على طلب قبول دولة السويد في منظومة الحلف الأطلسي وعرض الموضوع للموافقة على البرلمان التركي.
استعرض المجتمعون كيفية إيجاد الوسائل والطرق للتصدي للطموحات الصينية وكان من أبرزها دعوة شركاء وحلفاء قادة الناتو لزعماء اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزلندا لحضور اجتماعات القمة في ليتوانيا والذي اعتبر تطور ميداني في مواجهة التحالف الروسي الصيني وأمام هذه التفاعلات قامت طوكيو وسيئول بتقديم مساعدات لأوكرانيا شملت امدادات طبية ودروع وخوذ ومولدات ومعدات للقتال وفتح مقر للحلف الأطلسي في اليابان لمتابعة خطط وتوجهات دول الناتو وإرسال رسالة مهمة للصين حول مواجهة التهديدات التي تصرخ بها حول قضية تايوان ووحدة الأراضي الصينية.
يبقى الأمر الأكثر أهمية ان قادة الناتو قد ناقشوا السلوك الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وقارة أفريقيا وحذروا من الأنشطة الخبيثة للنظام كما جاء في مقررات القمة التي اتسمت بلهجة مشددة بانه “لا يجوز لإيران أبداً أن تطور سلاحاً نووياً”، معربين عن قلق عميق إزاء تصعيد إيران لبرنامجها النووي. ودعوا إيران إلى الوفاء بالتزاماتها القانونية بموجب اتفاقية الضمانات التي تتطلبها معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والالتزامات السياسية المتعلقة بعدم الانتشار النووي من دون مزيد من التأخير. وجاء في البيان إن وفاء إيران بهذه الالتزامات والتعهدات أمر بالغ الأهمية للسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتقديم تأكيدات ذات مصداقية بشأن الطبيعة السلمية لبرنامج إيران النووي. كما دعوا طهران إلى وقف جميع أنشطة الصواريخ الباليستية التي تتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2231،
وأكد التوجيه مسؤول رفيع في مكتب الأمين العام لحلف الناتو، إن “إيران تشكل تحدياً خاصاً بالنسبة للناتو، ليس فقط بسبب أنشطتها النووية لكن أيضاً بسبب تلك الأنشطة الخبيثة التي تقوم بها عبر وكلائها في المنطقة والعالم ما يؤدي لزعزعة استقرار دول الجنوب ويؤثر على دول الأطلسي”. وأوضح أن “لدى الناتو قائمة بالتهديدات وأخرى بالتحديات، وفي ما يتعلق بطهران فإنها في حين لا تمثل تهديداً مباشراً لدول الناتو لكنها تمثل تحدياً يثير الكثير من المخاوف لدينا”.
وتطرق بيان قادة الناتو إلى محاولات إيران إسكات المعارضين الذين يعيشون في الدول الأعضاء في الناتو، إذ أعرب رؤساء تلك الدول عن قلق شديد إزاء “الأنشطة التخريبية” التي تقوم بها طهران في “أراضي الدول الحلفاء”، كما دعا إيران إلى “إنهاء تعاونها مع روسيا في العدوان على أوكرانيا”، قائلاً “إن دعم إيران للحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا له تأثير على الأمن الأوروبي – الأطلسي وندعو إيران إلى وقف دعمها العسكري لروسيا، ولا سيما نقلها للطائرات من دون طيار التي استخدمت لمهاجمة البنية التحتية الحيوية، مما تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين”.
أعطت قمة فيلنيوس رؤية سياسية وابعاد استراتيجية ودور فعال في رصد ومتابعة تزايد النفوذ الروسي الصيني لدول قارة أفريقيا والتي تشكل هاجساً حيوياً لقادة الناتو حيث مصالحهم واهدافهم الميدانية الكبرى هناك، ومنحت القمة أهمية للتعاون والدعم المستمر العسكري والمادي لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا مع استمرار التدريبات والفعاليات العسكرية لمجاميع من الجيش الاوكراني في اراضي دول الناتو على أحدث الأسلحة المعدات والطائرات الحربية.
وهناك الاختلاف في الموقف من الصين فعدد من دول التحالف الأطلسي ومنها فرنسا والمانيا ترى أن لا دليل على تقديم الصين اي دعم عسكري لروسيا وان العديدمن الدول الأوربية تعمل على تقليل المخاطر في العلاقة مع بكين وليس الابتعاد نحو أحداث فجوة كبيرة في العلاقات والمصالح المشتركة وهذا لا يتوافق والموقف الأمريكي الذي يدعو إلى المزيد من المواجهة مع الصين.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية