لا بلد في المنطقة يجري انتخابات أكثر من إيران، ولا بلد يحكمه مرشد أعلى يمارس سلطة “الحكم الإلهي” المطلقة سوى إيران، ولا بلد يعتبر الانتخابات النيابية والرئاسية معركة ضد الأعداء والاستكبار العالمي غير إيران، وهي هذه الأيام في مناخ انتخابات ليست انتخابات.
رئيس الأركان محمد باقري يصفها بأنها تستوفي شروط “الديمقراطية الحقيقية في العالم”، ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي يرى أن “الجمهورية الإيرانية هي نموذج لنظام الحكم في العالم، إذ تجمع الدين والسياسة والقدرة على أخذ مكان في قلوب الناس” ويفاخر بـ”الامتداد الاستراتيجي للجمهورية في المنطقة والعالم”.
لكن الإصلاحي محمد خاتمي الرئيس سابقاً يؤكد أن “إيران بعيدة كل البعد من انتخابات حرة وديمقراطية”، ولا يمكنها حتى إجراء انتخابات حرة وشفافة، والمسؤول السابق في عهد خاتمي مصطفى تاج زادة الذي جرى منعه من الترشح للرئاسة يقول في بيان أمكن تسريبه من سجن إيفن الرهيب الذي يقبع فيه “لن أصوت لكي أقول لا للابتذال. خامنئي يغض الطرف عن الحقائق الكارثية ولا يسمع احتجاج ملايين الإيرانيين. وإيران عالقة في مأزق سببه الهيكل المعيب والاتجاه الخاطئ والخطر للمرشد الأعلى”.
أما الجنرال محسن رضائي وهو قائد سابق للحرس الثوري، فإنه يضع الانتخابات في قلب الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها بالقول “هذه الانتخابات من أهم الانتخابات التي يمكن أن يكون لها تأثير في علاقاتنا مع غرب آسيا ومع الدول التي لديها آمال كاذبة في تدمير إيران”، واليوم “يتحدد مصير غرب آسيا، خصوصاً بعد حرب غزة، وهناك تنافس بين الدول وجدت فيه إيران مقعدها وعليها تثبيته”. حتى المعتقدات الدينية دخلت في المعركة، إذ قال رجل الدين النافذ علي رضا بناحيان إن “الانتخابات طريق الناس لمساعدة المهدي المنتظر ومرافقته”.
وقال رئيس مجمع مدرسي حوزة قم العلمية إن “اقتراع الناس سيرضي المهدي المنتظر”، ولم يتأخر إمام جامعة طهران وممثل المرشد محمد جواد حاج علي أكبري في القول “علينا هز راية المهدي بمشاركة قوية”.
الواقع أن الانتخابات في إيران خاضعة لمصفاتين، واحدة هي غربلة المرشحين المسموح لهم بخوض المعركة على يد “مجلس صيانة الدستور”، وثانية هي التصويت الشعبي وما يقال عن التلاعب بالنتائج.
فمجلس صيانة الدستور الذي يختار رجال الدين نصفه ويعين المرشد خامنئي نصفه الآخر سمح بالترشح لـ15200 شخص من أصل أكثر من 50 ألف مرشح، ومعظم الذين بقوا بعد الغربلة هم محافظون متشددون، ونحو 30 مرشحاً إصلاحياً فقط لا يستطيعون تأليف لائحة، والبقية من الموظفين الرسميين والأطباء والمدرسين غير المنتمين إلى أي تيار ولا حظ لكثير منهم في النجاح، لكنهم “ديكور ديمقراطي” دورهم تكبير عدد الناخبين عبر المجيء بأهلهم وأقاربهم إلى مراكز الاقتراع، وسط مقاطعة وازنة.
وهذا المجلس سمح لـ144 مرشحاً بالتنافس على 88 مقعداً في “مجلس الخبراء” الذي ينتخب المرشد ويشرف نظرياً على أدائه، لكنه عملياً مجرد هيئة استشارية للمرشد. فالرئيس السابق حسن روحاني جرى اعتباره غير مؤهل للترشح مع أنه كان عضواً في المجلس على مدى 24 عاماً، وحفيد الإمام الخميني ممنوع من الترشح. أما المسموح لهم بالترشح، فإنهم محافظون متشددون مثل الرئيس إبراهيم رئيسي. وليست انتخابات الرئاسة خارج هذه اللعبة.
الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد جرى منعه من الترشح بحجة أنه غير مؤهل، ومير حسين موسوي الذي فاز على نجاد من قبل جرى إسقاطه ثم وضعه في الإقامة الجبرية مع المرشح الرئاسي الآخر مهدي كروبي بعد قيام “الحركة الخضراء” بتظاهرات عارمة شارك فيها الملايين احتجاجاً على تزوير النتائج، وكان علاجها عند النظام هو القمع الشديد والعنف على أيدي “الباسيج” إلى جانب القمع الدائم المنظم على الطريقة التي تحدث عنها المفكر الماركسي لوي ألتوسير، قمع على أيدي “الأجهزة الأيديولوجية للدولة، وجهاز الدولة القمعي، والجهاز الأيديولوجي التعليمي، الديني، الأسري، السياسي، الإعلامي، النقابي والثقافي”.
ولعل أكبر حزب في إيران هو “حزب المستائين” الذين يقول الرئيس السابق خاتمي إن “عددهم يرتفع يوماً بعد يوم”. أليست التظاهرات التي لم تنقطع على مدى أشهر احتجاجاً على موت الشابة مهسا أميني التي احتجزتها شرطة الأخلاق لأن خصلة من شعرها ظهرت من تحت الحجاب هي من روافد حزب المستائين؟ وقبل ذلك، أليس إجبار أهل الفتاة على تغيير اسمها الأصلي من جينا إلى مهسا نوعاً من القمع الثقافي؟
شواهد التاريخ كثيرة. لا حرية في نظام ديني أو نظام شمولي، ولو أجرى انتخابات بصورة دورية.