انكماش التأثير الأميركي في السودان يفتح الباب للتدخل الروسي

انكماش التأثير الأميركي في السودان يفتح الباب للتدخل الروسي

الخرطوم – تدور الولايات المتحدة في فلك تصريحات تطالب بوقف إطلاق النار في السودان وصعود وهبوط في عملية حث الجيش وقوات الدعم السريع على العودة إلى مفاوضات منبر جدة، كمسار سياسي ترعاه بالشراكة مع السعودية لإنهاء الحرب.

ولم تُظهر واشنطن فاعلية حقيقية ولم تضغط على الطرف الذي يسعى إلى إطالة الصراع ويعرقل السلام، وهو ما فتح الباب أمام تقدم روسيا التي قد تبلور مقاربة تقودها إلى شراكة عسكرية مع الجيش السوداني، في ظل بيئة تعزز تمدد دور الصين الاقتصادي، ما يخلّف تداعيات إستراتيجية على مصالح الولايات المتحدة.

والثلاثاء دعا المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر طرفي الصراع في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات، واستبعد إمكانية الحسم العسكري لحل النزاع، واكتفى بالتعبير عن قلقه إزاء تقارير تتحدث عن استمرار حالات الجفاف والقتل على أساس عرقي في الفاشر.

ردّ الفعل الذي تتعامل به واشنطن مع الأحداث في السودان يوحي بأنها عازفة عن التحرك، ما مهد لدخول روسيا وإيران

وتشير المواقف الأميركية إلى أن الرئيس جو بايدن لا يسعى إلى استخدام أوراق الضغط لإنهاء الحرب في السودان، وأن مصالح بلاده في السودان لا تتعرض لتهديد، باستثناء المقاربة الروسية على ساحل البحر الأحمر، لكن الطريق مازال طويلاً بشأن تحقيق تلك الخطوة، وثمة مطبات ستواجه الجيش السوداني للاستجابة لموسكو، من بينها عدم قدرته على السيطرة بشكل كامل على مؤسسات الدولة.

وتتعامل الولايات المتحدة بمبدأ التحركات المتقطعة حيال الحرب في السودان؛ إذ ظلت عدة أشهر لا تحرك ساكنا تجاه ما يدور على أرض الواقع، واكتفت في بعض الأحيان باستخدام سلاح العقوبات الذي أثبت عدم جديته، وحينما حدث تواصل روسي – سوداني ذهبت واشنطن باتجاه تسمية توم بيريلو مبعوثا أميركيا لدى السودان وحاول في البداية تحريك المياه الراكدة، لكن لقاءاته لم تسفر عن تقدم ملموس.

ويرى مراقبون أن أسلوب رد الفعل الذي تتعامل به واشنطن مع الأحداث في السودان يوحي بأنها عازفة عن التأثير في المشهد الراهن، وهو ما أدركته قوى ترغب في إطالة أمد الصراع؛ وذلك من خلال قيام الجيش بإعادة ترتيب تحالفاته مع كل من روسيا وإيران، الأمر الذي يترجم تصريحات قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان التي جدد فيها اعتزامه مواصلة الحرب.

وقال المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم إن “الإدارة الأميركية الحالية يائسة من العودة إلى مفاوضات منبر جدة، وترى أن طرفي الصراع لا يبديان اهتمامًا بالضغوط التي مارستها عليهما خلال الفترة الماضية، ويذهبان نحو ترتيب أوراقهما في الداخل وفقًا لمتغيرات المعارك الميدانية، ما يفسر تراجع التحركات الدبلوماسية الأميركية التي نشطت في فترات معينة وخفتت بشكل أكبر خلال فترة الحرب”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الولايات المتحدة تدرك تراجع الدور الصيني في السودان ونشاطه في دول أخرى في غرب القارة الأفريقية، وتحركت عندما دخلت موسكو على خط الصراع وشعرت بأن مخطط وجود قاعدة روسية على ساحل البحر الأحمر اقترب من التحقق، لكنها تواجَه بإصرار قادة الجيش على الحصول على سلاح روسي يساعدهم في المعارك التي أثبتت امتلاك قوات الدعم السريع أسلحة متطورة”.

وأشار إبراهيم إلى أن التقارب السوداني – الإيراني لا يقلق الولايات المتحدة كثيرا وسبق أن كان لطهران حضور واسع أثناء فترة الرئيس السابق عمر البشير، لم يتمخض عنه شيء مؤثر، وترى أن التواجد الروسي هو الأخطر، بجانب مراقبة مواقف الصين، وواشنطن مقتنعة بأن الحرب سوف تستمر وقتا، مثلما حدث في حرب دارفور.

وحاولت الولايات المتحدة توظيف حلفائها بالمنطقة في الضغط على طرفي الصراع لكن هؤلاء لم يحققوا اختراقا ملموسا، وما سيحدد فاعلية دورها هو الشعور المباشر بالقلق على مصالحها، خاصة أن الإدارة الأميركية تتجه نحو اتخاذ مواقف أكثر انكماشا قبل الانتخابات الرئاسية التي سيخوضها الرئيس بايدن وسط مخاوف من عدم انتخابه لفترة رئاسية ثانية.

وأكد القيادي في قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي المعز حضرة أن الولايات المتحدة تستخدم منبر جدة “كعصا في مخاطبة طرفي الصراع وتستمر في تصريحاتها التي تؤكد حثهما على الذهاب إليه، دون تحركات حقيقية، ولو كانت راغبة في فرض إرادتها على الجميع لفعلت ذلك، لكن يبدو أنها تكتفي بالتلويح فقط ليتحول المنبر إلى مثله من منابر إيغاد والاتحاد الأفريقي التي لم تحرز تقدمًا”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “القوى السياسية السودانية مقتنعة بأن المنبر الوحيد الذي يمكن أن يقود إلى الضغط على طرفي الصراع هو توحيد القوى المدنية. والخطوة التي أقدمت عليها تنسيقية تقدم بشأن انتخاب هيئتها التأسيسية ووجود كيان يمثل قطاعا واسعا من السودانيين هما من أبرز الحلول، أملاً في أن تحقق القوى المدنية نجاحًا خلال فترة زمنية قصيرة، مثلما كانت قوى الحرية والتغيير نواة لإنهاء فترة حكم البشير”.

العرب