في أيار/مايو 2014، زعم العميد حسين همداني قائد قوات «الحرس الثوري الإسلامي» في سوريا أنّ إيران قد أنشأت “«حزب الله» ثانياً في سوريا”. ولعلّ همداني، الذي قُتل في وقتٍ لاحقٍ في تشرين الأول/أكتوبر 2015 خلال الهجمات المستمرة على حلب، كان يشير إلى العديد من الميليشيات المتعددة الأعراق والطوائف التي تشكّل “قوات الدفاع الوطني” التابعة لبشار الأسد، إلّا أنّه على الأرجح أراد التلميح إلى جهودٍ ذات توجّهٍ شيعي على وجه التحديد.
مراحل التطوير
ساعدت إيران نظام الأسد منذ منتصف عام 2012 حتى منتصف عام 2013 في إنشاء عددٍ كبيرٍ من الميليشيات المحلية والإقليمية وبلورتها، بما فيها الفصائل المتمركزة في دمشق ضمن شبكة “لواء أبو الفضل العباس”. ففي البداية، كانت هذه الجماعات تملك قواعد تجنيد محدودة وتعمل في مناطق محدّدة كفروع جانبية مؤقتة لـ “قوات الدفاع الوطني” في معظم الأحيان.
إلّأ أنّ وكلاء إيران اللبنانيين والعراقيين الشيعة ساهموا منذ أواخر عام 2012 في تحويل ميليشيات “شيعة الإثنى عشرية” السورية إلى نسخ من «حزب الله» اللبناني، وتبني جميعها إيديولوجية إيران المتمسكة بـ “ولاية الفقيه” (عقيدة تمنح المرشد الأعلى سلطته). وفي كثير من الحالات، قبلت مجموعاتٌ قائمة من “قوات الدفاع الوطني”، مساعداتٍ وإرشادات من قوات «الحرس الثوري» و«حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية التي تسيطر عليها إيران.
ولاحقاً في منتصف عام 2013، باشرت إيران في تحويل الميليشيات السورية الشيعية إلى جماعاتٍ متنقّلة وسريعة الاستجابة تملك مقاتلين تمّ تجنيدهم من شريحة واسعة من الشبكات والمناطق. فعلى سبيل المثال، كان قادة مجموعات “لواء أبو الفضل العباس” إمّا من العراقيين الشيعة القاطنين في سوريا، وإمّا من السوريين الشيعة التابعين لقوّات الأسد. ومنذ أواخر عام 2013 حتى عام 2014، نُشرت فصائل من “لواء أبو الفضل العباس” كـ “لواء ذو الفقار” و”لواء الإمام الحسين” في مدينة درعا الجنوبية كما في شمال دمشق وتحديداً في القلمون. وفي أواخر عام 2014، أرسلت جماعاتٌ سورية شيعية كـ “قوات الإمام الرضا” (تعرف أيضاً كـ “قوات الرضا”) المتمركزة في حمص قواتٍ للقتال في الغوطة الشرقية – خارج دمشق – والقلمون. وفي بداية عام 2015، ومع اقتراب قوات الثوار من الأراضي الجبلية الحدودية التي تقع تحت سيطرة العلويين (علماً أن نظام الأسد منتسب إلى الطائفة العلوية) ، نشر كل من “لواء الإمام حسين” و”لواء أسد الله الغالب” التابع لـ “لواء أبو الفضل العباس” قوّاتهما في اللاذقية.
جغرافية تحويل ميليشيات شيعية إلى نسخة مشابهة من «حزب الله»
في بداية عام 2014، اتّخذت ميليشياتٌ سورية مختلفة اسم “«حزب الله» في سوريا”، وساهم الوجود الجغرافي والعددي لـ “شيعة الإثنى عشرية” في البلاد بشكلٍ كبير في نموّ هذه الشبكة وتوسّعها. و”شيعة الإثنى عشرية” هي فرع من الإسلام يمارس من قبل النظام الإيراني وأتباعه اللبنانيين والعراقيين. ولا يشكّل “شيعة الإثنى عشرية” في سوريا سوى 1 – 2 في المائة من السكان، إلّا أنّهم مركزون في مناطق استراتيجيةٍ هامة استُخدمت لاعتراض خطوط التواصل والإمدادات التابعة للثوار بالقرب من حلب، والحدود اللبنانية السورية، وعلى طول الحدود الأردنية السورية.
وقد أصبحت بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين المواليتين لنظام الأسد في ريف حلب محور جهود الميليشيات الشيعية في سوريا نظراً لتطويقهما الجزئي من قبل الجهاديين السنّة والثوار منذ عام 2013. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، تمّ إرسال عدداً من الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية المتمرّسة إلى البلدتَين حيث ساهمت في إنشاء ميليشياتٍ شيعيةٍ محلية. وتمكّن هؤلاء المقاتلين الأجانب، بمساعدةٍ من «منظمة بدر» و«كتائب حزب الله» العراقية، و«حزب الله» اللبناني من المساهمة في إنشاء “فوج الإمام الحجة” المحلي. وللدلالة على التركيز المحلي أولاً، شمل علم الميليشيا الكلمتان “نبل والزهراء” بالخطّ العريض. وقد خاضت هذه الجماعة عملياتٍ قتالية قرب حلب وفي مناطق أخرى من ريف حلب. ووفقاً لمزاعم الميليشيات الشيعية العراقية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شاركت الجماعة في انطلاق القوات الموالية للأسد من نبل والزهراء في كانون الثاني/يناير 2016 وبلغت هذه العملية ذروتها في ارتباطها مع ميليشيات شيعية أخرى تقاتل في ضواحي حلب.
ومنذ عام 2014، تم تكليف المزيد من المقاتلين الشيعة السوريين في عملياتٍ في جوار حلب. وقد قاتلت وحداتٌ متمركزة للميليشيات الشيعية في عددٍ من المعارك في المنطقة؛ ومن بين هذه الوحدات “جيش الإمام المهدي” و”المقاومة الوطنية العقائدية في سوريا”، التي جنّدت مقاتلين من طرطوس والمناطق الجبلية الحدودية التي تقع تحت سيطرة العلويين. وخلال العامين 2015 و2016، تألّفت القوات المقاتلة المحلية أيضاً من ميليشيا سورية شيعية أُنشأت على صورة «حزب الله» وعُرفت باسم “الغالبون – سرايا المقاومة الإسلامية في سوريا”.
وعلى الحدود السورية الأردنية وتحديداً في بلدة “بُصرى الشام”، قادت وحدات «حزب الله» اللبناني قوّةً محلية مؤلفة من الأقليات الشيعية في البلدة وتحكمت بها. وقد هُزمت هذه الميليشيات في آذار/مارس 2015 في هجومٍ مشترك للثوار السوريين والجهاديين السنّة، إلّا أنّها وفّرت قوى بشرية كافية لمنع المعارضة من التقدّم إلى أن تدخّل مقاتلون أجانب شيعة آخرون مدعومون من إيران لمساعدتها والتخفيف عنها، في محاولةٍ باءت بالفشل.
أمّا على الحدود اللبنانية السورية، فقد وفرت حمص أرضاً خصبة للمنظمات الإسلامية الشيعية الجديدة على وجه الخصوص. إذ تقوم “قوات الرضا”، وهي من فروع «حزب الله» الأكثر نشاطاً، بتجنيد معظم مقاتليها من هذه المنطقة. ومحافظة حمص هي موطن لنسبة كبيرة من السوريين الشيعة الذين يعيشون في مدينة حمص وفي عددٍ من المناطق الحدودية المرتبطة بالمجتمع الشيعي اللبناني التابع لـ «حزب الله». وقد شهدت هذه المنطقة التي تقع فيها مدينة القُصير أوّل معركةٍ شاركت فيها قوات «حزب الله» في ربيع 2013. وبعد مرور بضعة أشهر على هذه المعركة، شاركت بعض عناصر الميليشيات الشيعية الحمصية في عددٍ من العمليات مع وحداتٍ من “قوات الدفاع الوطني” و«حزب الله» اللبناني، لا سيما في الأقسام الشمالية من مدينة حمص.
تكرار نموذج «حزب الله» اللبناني
شكّل نجاح «حزب الله» مثالاً تنظيمياً ومصدر إلهامٍ للمنظمات الشيعية المسلحة التابعة لـ “«حزب الله» في سوريا”. إلّا أنّ إيران اتّبعت النموذج الذي استخدمته في العراق في إنشائها لـ “«حزب الله» في سوريا”، ويقوم هذا النموذج على تطوير ميليشياتٍ من أحجامٍ مختلفة ومتعددة الأوجه وتنفيذ أهداف إيديولوجية وأخرى لنشر القوة الإقليمية، على غرار الجماعات اللبنانية والعراقية.
ويناشد عددٌ كبيرٌ من الميليشيات الشيعية في سوريا باعتناق إيديولوجية “ولاية الفقيه” الاستبدادية والمتطرّفة الإيرانية الوفية للمرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي على الصعيد السياسي والاجتماعي والديني. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما نقلت هذه الميليشيات تصريحاتٍ تتناسق مع تلك التي يدلي بها وكلاء إيران الآخرين في التوقيت والمضمون. ومن أحدث الأمثلة على ذلك، التصريحات والرسائل المنسجمة من قبل “قوات الرضا” و”لواء أبو الفضل العباس” من جهة ووكلاء إيران الآخرين اللبنانيين والعراقيين من جهةٍ أخرى حول إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر في السعودية.
وبالنسبة لـ “لواء أبو الفضل العباس”، وهو أوّل ميليشيا شيعية كبرى في سوريا، فدائماً ما يُرفع علم «حزب الله» إلى جانب العلم السوري في يافطات “الشهادة” والمدافن وغيرها من الوسائل الترويجية. حتّى أنّ علم «حزب الله» والعلم السوري رُفعا على مقبرة شقيق الأمين العام لـ “لواء أبو الفضل العباس” حسين عجيب جظة الذي قُتل في أواخر عام 2012. وفي بعض الأحيان، علّق أعضاء “لواء أبو الفضل العباس” شعاراتٍ تابعة لـ «حزب الله»، وزُيّنت مكاتب القادة بصور المرشد الأعلى علي خامنئي وسلفه آية الله روح الله خامنئي. وغالباً ما تضيف “قوات الرضا” علم «حزب الله» وصورة أمينه العام السيد حسن نصر الله على يافطات الشهادة الخاصة بها. وتُغطّى نعوش القتلى في صفوف هذه الجماعة في معظم الأحيان بالعلم السوري وعلم «حزب الله» اللبناني أو بعلم “«حزب الله» في سوريا”.
وخلافاً للعلويين والمسيحيين أو حتى السنّة المساندين للأسد، يتم ذكر جميع رجال الميليشيات الشيعية تقريباً الذين قُتلوا أثناء دفاعهم عن مقام “السيدة زينب” في جنوب دمشق أكثر من فعل حفاظهم على نظام الأسد. إن ذلك يُضفي الشرعية على مكانتهم كمحاربين مقدّسين ويساعد إيران على جذب المزيد من المقاتلين الأجانب إلى الصراع السوري.
وفي العديد من الحالات، لا يُذكَر في إعلانات الوفيات الخاصة بالمقاتلين التابعين للميليشيات الشيعية، عما إذا كانوا قد قُتلوا في معارك مع جماعاتٍ قائمة أو فرعية، بل يُذكر اسم المقاتل إلى جانب شعار «حزب الله» وعلم الأسد والقبة الذهبية لمقام “السيدة زينب”.
النطاق الإقليمي
لطالما كانت سوريا موضع ارتكاز معظم العمليات التي يقوم بها “«حزب الله» في سوريا” وأجهزته النامية. إلّا أنّ الجماعات التابعة له قد اعتمدت نظرةً إقليمية، شملت الدعوة إلى توحيد الجماعات الناشطة في العراق وسوريا. واتّسمت المرحلة الأولى من هذه الجهود بتغيير أسماء المنظمات. وقامت بعض الميليشيات الشيعية المتمركزة في سوريا باستقطاب جنودٍ من العراقيين الشيعة والعراقيين الشيعة المنفيين القاطنين في سوريا، لتبني بذلك رابطاً عضوياً بين العراق وسوريا. بالإضافة إلى ذلك، نُقل بعض المقاتلين والقادة العراقيين الشيعة الناشطين في سوريا إلى العراق. واتّبع “لواء أبو الفضل العباس” الرائد والجماعات المنشقة عنه استراتيجية مماثلة في التجنيد والتغيرات في التبعية.
ولكي يُظهر طابعٍ يتخطى حدود الدولة بعد استيلاء تنظيم «الدولة الإسلامية» على الموصل في حزيران/يناير 2014، أضاف “لواء ذو الفقار” إلى اسمه عبارة “المُدافع عن المقدسات في العراق والشام”. وبعد مرور بضعة أشهر، بدأ عددٌ من قادة “لواء ذو الفقار”، بمن فيهم مسؤوله الإعلامي، يرتدي زي “قاعدة قوات أبو فضل العباس”، وهي ميليشيا شيعية في العراق ووكيلةٌ لإيران تشكلت من عناصر منشقة ناشئة من “جيش المهدي” بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر. ومع ذلك، حافظ “لواء ذو الفقار” على روابط علنية مع الجهاز الأمني للأسد من خلال قائده السوري حيدر الجبّوري (الملقب أبو شهيد). وادّعى “اللواء” أيضاً الانتماء إلى جماعة مساندة للأسد باسم “قوات درع الوطن”، وتضمّ هذه الأخيرة مجموعة من الميليشيات المحلية، والطائفية غالباً المنتشرة في جميع أنحاء سوريا.
وعلى غرار “لواء ذو الفقار”، أضاف “لواء أسد الله الغالب” المتشعّب من “لواء أبو الفضل العباس” عبارة “في العراق والشام” إلى اسمه. إلّا أنّه أقام تحالف أكثر رسمية بكثير مع جماعةٍ عراقية. فعندما أعلن “لواء أسد الله الغالب” عن نفسه في أواخر عام 2013، غالباً ما تواجد مقاتلوه مع مستشارين من “عصائب أهل الحق”، وهي من وكلاء إيران الأكثر قوّة وشجاعة. وفي أوائل عام 2014، كان “لواء أسد الله الغالب” قد أنشأ شبكة تجنيدٍ داخل العراق. وبعد أن استولى تنظيم «الدولة الإسلامية» على الموصل، أنشأ “لواء أسد الله الغالب” فرعاً له في العراق. وفي 5 كانون الثاني/يناير 2016، أعلن “لواء أسد الله الغالب” أنه بعد إجرائه “مفاوضات” [حول التصدي لـ تنظيم «الدولة الإسلامية»]، قرر الانضمام إلى “حركة الأبدال”، وهي جماعة عراقية قديمة في جنوب العراق ومرتبطة بإيران كانت قد أعلنت ميليشيا خاصة بها بعد هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية» على العراق في عام 2014. وقد تبنّت الجماعة إيديولوجيا “ولاية الفقيه”، كما أنّها تملك روابط وثيقة مع “كتائب سيد الشهداء” في العراق و«منظمة بدر».
وعلى الرغم من ذلك، كانت الجماعات المذكورة آنفاً تملك روابط قوية مع العراق منذ البداية، وغالباً ما تعاون قادتها العراقيون مع قواتٍ من وكلاء إيران العراقيين الشيعة. ومع ذلك، طالت ظاهرة التخطي لحدود الدول جماعاتٍ سورية ومقاتليها السوريين الشيعة. وفي أواخر عام 2014، أعلن “لواء السيدة رقيّة”، وهو عبارة عن جماعة متشعبة من “قوات الجعفرية” المتمركزة في دمشق، انتماءه إلى “كتائب سيد الشهداء”. وتمّ نشر عناصر هذه الجماعة في جنوب سوريا ودمشق في عملياتٍ مستقلة وكذلك في عمليات تحت إشراف “كتائب سيد الشهداء”.
التأثير المحتمل على مستقبل سوريا
مع استمرار الحرب في سوريا، سوف تبقى الجماعات الشيعية المسلحة في البلاد على ما هي. وتستمر إيران من خلال هذه الجماعات في تعزيز موطئ قدمها في المشرق وفي المجتمع الشيعي.
ويدلّ توجّه الجماعات الشيعية المسلحة الموالية للأسد في سوريا نحو إيران على حدوث تغييرٍ في غاية الأهمية. فقد كانت سوريا عبر التاريخ موقع تنافس لأشكالٍ إيديولوجية متعددة للمذهب الشيعي. وفي أحد مقالات عدد شهر آذار/مارس 2013 من صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، قال أحد اللاجئين السوريين الشيعة في لبنان المنتمين إلى أحد الميليشيات: “أنا وفيٌّ لـ «حزب الله»، لكنّه لا يتحكّم بي”. وبعد مرور ثلاث سنوات، تغيّر الوضع بشكلٍ جذري. ويشكّل تحويل هذه الجماعات إلى نسخةٍ مشابهة من «حزب الله» بالاسم والبنية والولاء إنجازاً كبيراً لطهران، الأمر الذي يسمح لإيران بالحفاظ على نفوذٍ أكثر صلابةً وإبراز القوّة بصورة أكثر فعاليةً داخل سوريا.
فيليب سميث
معهد واشنطن