تعارض بعض قوى المعارضة الرئيسية في تركيا، النظام الرئاسي الذي طرحه حزب العدالة والتنمية ضمن برنامجه الحكومي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، فقد تكون الخشية من تركّز صلاحيات واسعة بيد الرئيس هي السبب الرئيسي وراء ذلك، أو لأن تحقيق النظام الرئاسي قد يكون نقطة تحوّل تاريخية في تركيا تسجّل باسم حزب ذي ميول إسلامية في دولة يفترض أنها علمانية، وهو ما تعتبره قوى المعارضة خروج عن الخط الأتاتوركي التقليدي.
ما هو النظام الرئاسي
طرح حزب العدالة والتنمية فكرة إقامة نظام رئاسي كالنموذج الأمريكي أو الروسي، ويتضمن هذا النظام الفصل التام بين السلطات التنفيذية والتشريعية، وأهم ميزات هذا النظام أن رئيس الدولة يتم انتخابه من قبل الشعب وهو الذي يمارس السلطة التنفيذية بصفة فعلية، حيث أنه يجمع ما بين منصب رئيس الدولة ورئيس الحكومة في نفس الوقت، ومعنى ذلك عدم وجود مجلس وزراء بالمعنى القانوني، ففي النظام الرئاسي يجتمع رئيس الدولة مع الوزراء من باب التشاور والمداولة فقط، والقرار النهائي يتّخذه بمفرده.
أما البرلمان فيتولى وظيفة التشريع وحق تعديل الدستور وينتخب الرئيس في حالة عدم حصول أحد المرشحين على الأغلبية ويعتمد الميزانية .ولا يحق للبرلمان مساءلة أو استجواب الوزراء أو سحب الثقة منهم.
وانطلاقا من هذه الصلاحيات الواسعة للرئيس مقابل تأثير محدود من السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية ترفض أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري النظام الرئاسي، فلقد قال كمال كليجدار أوغلو أمام نواب كتلته البرلمانية “إن قادة حزب العدالة والتنمية يظنون أن تركيا مزرعة لهم.. هذه دولة أتاتورك”.
مواقف متشددة
يطرح حزب الشعب الجمهوري موقفه من الدستور الجديد برفضه التام للنظام الرئاسي والتمسك بالنظام البرلماني، فلقد انسحب أعضاؤه في لجنة المصالحة الدستورية من الاجتماع الثالث للجنة الذي عقد الشهر الماضي، اللجنة استأنفت عملها بعد توقف أكثر من سنتين، حيث عبّر الأعضاء عن موقفهم قائلين “هذه اللجنة لا يمكن أن تعمل تحت ظل طلب شخصي من قِبَل شخص ما. هذه اللجنة هل ستصوغ دستورا جديدا أم ستكون أداة لمطالب فردية لشخص ما؟ لذا علينا أن نتخذ قرارا في هذا الأمر منذ البداية”.
وعقب الموقف الحاد الذي أعرب عنه أعضاء الحزب المعارض، أعلن رئيس البرلمان إنهاء أعمال اللجنة بقوله “لا يمكن البدء بخطوط حمراء كهذه. لقد تم إنهاء فعاليات اللجنة لعدم تحقيق توافق كامل”.
وأعلن حزب الحركة القومية أنه سينسحب من اللجنة إذا استمرت بدون حزب المعارضة الرئيسي. علما أن القوميين يتفقون مع حزب الشعب الجمهوري في رفض النظام الرئاسي والتمسك بالنظام البرلماني.
ويُحمّل محمد كجكجيلر، أحد مؤسسي حزب “الوطن الأم”، المعارضة، مسؤولية الفشل في التوافق على دستور جديد، قائلا “إن حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، بعيدان عن الحكم منذ فترة طويلة، الأمر الذي يعمّق المعارضة لديهما، وباتا يخافان من الإقدام على أية خطوة، لأنهما يخافان من أن دعمهما للحكومة في تغيير الدستور سيتحوّل إلى إنجاز لها، ويرفع من أسهمها.”
وفيما يخص موقف حزب الشعوب الديمقراطي من قضية النظام الرئاسي فإنه غير متصلّب تجاه الموضوع كون اهتمامه الرئيسي يتمحور حول اعتماد الدستور مبدأ الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي واستخدام اللغات المحلية في المناهج التعليمية بالإضافة إلى اللغة التركية.
حقائق واقعية
لقد صوّت الشعب التركي في عام 2007 على التعديلات الدستورية بنسبة 69%، التعديلات سمحت بانتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر من الشعب، وتم انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان لأول مرة في تركيا الحديثة في الانتخابات الرئاسية عام 2014 بعد حصوله على 53 % من الأصوات، ومن هنا فإنه منطقيا لابد أن يكون لرئيس انتُخب من الشعب بالتصويت المباشر صلاحيات وسلطات تنفيذية وليس البقاء في صورة تشريفية بروتوكولية. والمأزق الإجرائي أو الدستوري الذي يواجه حزب العدالة والتنمية حاليا هو ضرورة حصوله على موافقة 14 نائبا معارضا في البرلمان، بالإضافة إلى أصوات نوابه على التعديلات الدستورية أو مسودة الدستور ليطرح للاستفتاء الشعبي، بينما يحتاج إلى موافقة 50 عضوا للتعديل المباشر بدون الاستفتاء.
وأخيرا يبدو أن أحزاب المعارضة تخشى من تحقيق نصر إضافي لحزب العدالة والتنمية، يضاف إلى سجل حكمه، وتكريس النهج الإسلامي المعتدل الذي جلبه إلى الحياة السياسية التركية والذي يراه البعض (انقلابا) على العلمانية وعلى الجمهورية المعاصرة ، وتخشى من تغيرات في شكل نظام الحكم تهدّد هامش حركتهم السياسية وتنهي دورهم كمعارضة، بينما ينظر الرئيس اردوغان الى النظام الحالي بأنه يعطّل السير بتركيا نحو الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول عام 2023 حيث سيصادف مرور مئة عام على تأسيس جمهورية تركيا الحديثة.
مظفر مؤيد العاني
تركيا بوست