كيف نفهم الصمت الأميركي إزاء المبادرة الروسية لحل الأزمة السورية؟ سؤال يطرح بقوة مع مضيّ موسكو في مبادرتها التي تقوم، أولاً، على جمع أطراف المعارضة السورية في موسكو للاتفاق على رؤية مشتركة، ومن ثم إجراء حوار بينها وبين النظام، للاتفاق على صيغة ممكنة للحل. وهي مبادرة تأتي في ظل متغيّرات إقليمية، تتمثل بتقارب روسي ـ تركي على قاعدة مد خطوط الطاقة، ودعم مصري متمايز للمبادرة الروسية، وحذر إيراني منها، وإقرار خليجي بالحل السياسي للأزمة السورية (بيان قمة الدوحة) واستنزاف إقليمي في ظل انخفاض أسعار النفط وإمكانية تأثير ذلك على مسار الأزمة السورية.
الولايات المتحدة، الباحثة عن اتفاق نووي نهائي مع إيران، والمشغولة بالحرب على داعش في سورية والعراق تتجاهل المبادرة، بل تتصرف وكأنها غير موجودة، إلى درجة أن الصمت هو السمة الأساسية لموقفها، فما الذي يقف وراءه؟ ثمة مَن يضعه في إطار جملة حسابات، لعل أهمها:
هناك من يرى أن ثمة قناعة أميركية دفينة بأن الجهود الروسية ستبوء بالفشل، لأسباب تتعلق بالنظام السوري وأخرى بالمعارضة، نظراً لتباعد أولويات الطرفين. وعليه، فإن استراتيجية الصمت الأميركي تنبع من أهمية الإحساس بإغراق روسيا في جهود لا طائل منها، وإظهارها، في النهاية، دولة فاشلة غير قادرة على حل مثل هذه الأزمات. وهناك من يدرج الموقف الأميركي في إطار الحرب الناعمة ضد الدور الروسي في الشرق الأوسط، انطلاقاً من قناعة أميركية بأن موسكو باتت متعبة ومنهكة، في ظل تداعيات الأزمة الأوكرانية، وانخفاض أسعار النفط، وهذه المبادرة تأتي محاولة أخيرة من موسكو للحد من تداعيات الأحداث والتطورات على دورها. وعليه، فإن المطلوب أميركياً تراكم الفشل الروسي، بما يؤدي إلى فقدان أوراقها في الشرق الأوسط، وتحديداً الأزمة السورية التي قاتلت روسيا من أجل إبقاء مصالحها في سورية عبر دعم النظام. وثمة من يرى أن الولايات المتحدة لم تعد لديها أولوية إسقاط النظام السوري، منذ نزعت الخيار العسكري، بعد الاتفاق مع روسيا على نزع الأسلحة الكيميائية السورية، وعليه، فإن سيناريو إيجاد حل للأزمة أوكلته إلى روسيا.
وفي مقابل ما سبق من رؤى، ثمّة من يعتقد أن أوباما بات ضعيفاً، ويريد إغلاق الملف السوري بأقل الخسائر، وأن جل همه هو التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن الملف النووي الإيراني قبل نهاية عهده، وعليه، بات يمارس سياسة قوامها اللامبالاة تجاه الأزمة السورية.
في الواقع، يمكن القول إنه لا يمكن فهم الصمت الأميركي إزاء المبادرة الروسية بشكل دقيق، لجهة الأسباب والأهداف، فمنذ البداية، اتسم الموقف الأميركي من الأزمة السورية بأسلوب مختلف لما جرى في مصر وليبيا، إذ خلافاً للموقف من ثورة الشعب المصري، وما جرى في ليبيا، لم تقل واشنطن ارحل، بشكل واضح وصريح للرئيس بشار الأسد، كما كان الأمر بالنسبة لحسني مبارك ومن بعده معمر القذافي، بل ظل الموقف الأميركي يتحدث عن الحل السياسي، حتى في لحظات التلويح بالخيار العسكري، وهو موقف فسره كثيرون بالمعادلة الجيوسياسية التي تشغلها سورية في العلاقات والتحالفات والمحاور الإقليمية والدولية، وخصوصاً أن سورية بجوار إسرائيل التي يشكل أمنها أولوية أميركية، في كل زمان ومكان. وعليه، اتبعت الإدارة الأميركية في الأزمة السورية سياسة استنزاف الجميع في معركةٍ لن يكون المستفيد منها سوى هي وإسرائيل، فبقدر ما كان الهدف استنزاف النظام وإنهاكه وتقطيع أوصاله، بقدر ما هدف إلى استنزاف الدول الإقليمية، ولاسيما دول الخليج وتركيا وإيران وروسيا، فضلاً عن التخلص من آلاف المقاتلين الإسلاميين في أنحاء العالم، بجعل وجهتهم سورية تحت عناوين الجهاد، ولعل ما سبق كان السبب الرئيسي في إطالة الأزمة السورية التي تقترب من دخول عامها الخامس، من دون أي أفق.
خورشيد دلي
العربي الجديد
http://www.alaraby.co.uk/opinion/2fff60e2-6121-4d3e-a83c-1f5d48678b14