إيران .. مزيد من التسلّح الصاروخي من روسيا

إيران .. مزيد من التسلّح الصاروخي من روسيا

349 (4)

امتلكت، أخيراً، إيران، القوة الإقليمية الطموحة المتسلحة بالأيديولوجيا والثرية بالمعادن، معدات عسكرية انتظرتها طويلاً. فقد تحقق أخيرا الاتفاق مع روسيا حول شراء أنظمة الدفاع الصاروخية س 300 (والمسماة س أ – 10 لدى حلف الناتو). وقد يتمكّن الإيرانيون، لاحقاً، من التفاوض من أجل اتفاق أفضل يمكّنهم من شراء الأحدث من هذه الأنظمة، والمعروف باسم س – 300 ب م و، والقريب من نظام س ـ 400. وسيتم وصول الأنظمة الأربعة التي يطلق عليها أيضاً سرب الطائرات squadron، العام الجاري، بتكلفة إجمالية تقدر ب 800 مليون دولار.
ويمكن للنظام إطلاق النار على أهداف متعدّدة، وأخرى محلّقة، تصل إلى 90000 قدم، ويصل امتداد مدى فعالية راداره إلى حوالي 195 كيلومتراً. وتوجد أنظمة س ـ 300 حالياً في الجزائر وأذربيجان وبيلاروسيا وقبرص وكازاخستان وفيتنام، إلا أن إنتاجها توقف سنة 2010 بعد تزويد الصين ب 15 سربhW من الطائرات.
وقد تم التوقيع على اتفاق الدفاع هذا سنة 2007، إلا أن تنفيذه توقف حتى سنة 2010، عندما رفعت الأمم المتحدة العقوبات المفروضة على إيران، وقد تمكّنت إيران من تطوير صواريخ بافار 373 التي تشبه، إلى حد كبير، صواريخ نظام س ـ 300. وكان من المقرّر أن يستعمل أداة للتهديد والردع من القوات الإيرانية بحلول سنة 2017. ومثل شبيهه الأصلي، فإن النسخة الإيرانية من الصاروخ قادرة على استهداف القذائف والصواريخ التكتيكية وكذلك الطائرات.
وقبيل العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة، كان آخر تحديث عسكري جاد قامت به إيران هو شراء دبابات ت ـ 72، وطائرات ميغ ـ 29 المقاتلة، وغواصتين من مزوّدها المفضل روسيا. وقد بدأت مجموعة شركات “ألماز أنتي” للصناعات العسكرية في إنتاج أنظمة س ـ 400، والتي لم يسمح لها بعد بالتصدير، على أن يصبح الصاروخ قابلاً لاستعمال طهران، عندما تنتج موسكو أنظمة الصواريخ س ـ 500، الموجودة حالياً تحت التجريب.
وتشمل قائمة طهران الحالية للشراء مقاتلات سوخوي سو30 س. م الحديثة، وغواصات ومجموعة متنوعة من أحدث الطائرات والمروحيات العملية من روسيا.
ومنذ ثورة 1979، وطهران تفعل كل ما في وسعها لكي تلعب دور الحامي الطلائعي لشيعة العالم الإسلامي، بما في ذلك شيعة الجزيرة العربية. وبما أنها تستمر في تقديم الدعم لمواليها في العراق وسورية واليمن، فإن مخططات إيران ما بعد العقوبات تبقى مقلقةً لدول الجوار، خصوصا في العالم الإسلامي ككل. ونعني، خصوصاً هنا، سياستها التدخلية.
ويتوفر أحدث تجريب لأنظمة صواريخ س ـ 300 على حلقةٍ، قد تصل إلى 195 كيلومترا

حول حدودها. ولذلك، قد يتمكّن الإيرانيون من ضرب القوات الأميركية في الخليج بصواريخ شهاب 2 وشهاب 3 أيضا. ثم إن إمكانية السيطرة على الخليج العربي تتمحور على المواقف الأمنية الإيرانية المتعلقة بعرض البحيرة الضحلة، والتي تضيق إلى 200 كيلومتر، وتصل إلى 50 متراً في العمق. وعلى الرغم من كل الصعاب، استخدمت طهران هذا المضيق لمضايقة الجيران والولايات المتحدة على حد سواء. ومنذ مدة، وإلى الآن، اشترت إيران، ووطّنت، وحاولت صنع معدات عسكرية صينية س 801 س 802، لفائدة فضاء شاسع، يصل إلى 200 كيلومتر. ولكل هذه الإمكانات، والإحساس باليأس نوعًا ما، ارتباط بتجربة إيران الماضية في الحرب مع العراق، حيث كانت مدنها تُهاجم بالصواريخ، ولم تكن إيران حينها تستطيع الدفاع بالشكل المطلوب.
ولدى آيات الله الإيرانيين طموح كبير للبقاء في السلطة والنفوذ. وفي الماضي، لم يكن شاه إيران صديقاً للعرب كذلك، فقد كان ضمه جزيرتين استراتيجتين لدولة الإمارات تعبير واضح عن استراتيجية إيران البحرية. وقد أبان النظام عن عزمه في الحفاظ على الوضع القائم بشكل قطعي، عندما زار الرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، إحدى الجزيرتين. وإذا أمكننا أن نقرأ بعض الإشارات في خُطب القيادة الإيرانية وأقوالها، فإننا قد نستنتج أن إعادة إحياء المجد الفارسي تقوده بشكل غريب العقيدة الشيعية.

وتستعد دول الجوار الممتدة من تركمنستان إلى باكستان، مروراً بدول مجلس التعاون الخليجي وتركيا، إلى محاولة تأثير مزدوج، يتمثل في رفع العقوبات الاقتصادية وتلك المتعلقة بالتكنولوجيا، وفي البدء في تطبيق الخطط الإقليمية التي تهدف إلى الهيمنة. ومن ناحية دول مجلس التعاون الخليجي، لم يمل ميزان القوة إلى صالح إيران حتى الآن، فالنظام الصاروخي الروسي الذي اقتنته إيران يبقى أقل تطوراً بالمقارنة مع نظام صواريخ باتريوت الذي ضمته العربية السعودية إلى ترسانتها العسكرية. وقد وقعت المملكة، في العام الماضي، صفقة مع الولايات المتحدة تقدر بـ 5.4 مليارات دولار، من أجل اقتناء 600 من صواريخ باتريوت أخرى مع حاويات، وثمانية من الصواريخ للاختبار، ومجموعات قياس عن بعد، وصواريخ معدّلة التوجيه، وأجهزة كمبيوتر مضادة للصواريخ، ومجموعات تعديل القذائف، وغيرها من الوسائل اللازمة، كما أن السعودية تحاول أن تسبق موعد تسلّم إيران أنظمة صواريخ س 300، وذلك بتحديثها مخزونها الحربي الحالي وتجديده.
ويبدو أن قلق دول الخليج من هذا التطور الجديد في القدرات العسكرية الإيرانية عميق، لا سيما وأن إيران استطاعت، عبر عقود، إعادة تصنيع التكنولوجيا المستوردة، خصوصاً المتعلقة بأجهزة الدفاع. ومن المحتمل جدا أن التدريب والخبرة الروسية بأنظمة س 300 سوف يُستفاد منها لمواصلة تحديث ترسانتها الصاروخية الأصلية، وكذلك لتحديث أنظمة الرادار والتوجيه. على أن ما تم تناقله، أخيراً، من أخبار هو عن التعاون الإيراني الروسي في أبحاث الفضاء. فهذا العام، سوف يتم تدريب نحو 80 متخصصاً إيرانيا في أكاديمية مويسكي الروسية لأبحاث الفضاء العسكرية حول تشغيل صواريخ طويلة المدى، وتفعيل أنظمة الصواريخ.
وعلى الرغم من حداثة قوات دول مجلس التعاون الخليجي وديناميتها وتقدمها، وتدريباتها

المتطورة في الحرب الجماعية، وتقاسمها القدرات الدفاعية في المجال الجوي والإنذار المبكر، يظلّ الإيرانيون في معركة عناد، ويتم تعبئة قواتها بمفاهيم القومية والعقيدة الطائفية. ودلّ اكتساب إيران صواريخ أنظمة س-300 س، متبوعة بالطائرات المقاتلة والغواصات، على أن قواتها مُعَزّزة بمعنويات عالية. ومن ذلك أنه يتم دفن نعوش عناصر فيلق الحرس الثوري لإيران المحافظ (الحرس الثوري الإيراني) وأفراد المليشيا الذين يسقطون في سورية والعراق، بروحية مذهبية ودينية. وعلى الرغم من أن نظام القذيفة الروسية المتطورة دفاعي في طبيعته، إلا أن هنالك احتمالاً لتأجيج الحرب الكلامية وزيادة الدعم لوكلاء ينتمون إلى باكستان وأفغانستان على طول الطريق إلى اليمن ولبنان.
وقد تعارضت تصريحات قادة الحرس الثوري كانت، في أحيانٍ كثيرة، مع تصريحات المسؤولين السياسيين في طهران. وبعد وقت قصير من توليه السلطة، زار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، مقر قيادة الجيش الإمبراطوري، وذكّرهم “بالابتعاد عن الألعاب السياسية”. وكانت هذه محاولة فاشلة لإعادة الحرس الثوري إلى ما كان عَليْه في زمن آية الله الخميني. ولا يزال الحرس الثوري الإيراني نشطاً في مزاولة السياسة والأعمال، ويشارك في حروب بالوكالة في الخارج على حد سواء حتى يومنا هذا. ويمكن للجنرالات أن يزوّدوا الرأي العام بمجموعة من التكتيكات المتفاوتة بين التباهي بالأسلحة المكتسبة حديثاً إلى تصريحات تحريضية ضد الملكيات العربية أو الأغلبية السنية في باكستان وتركيا.
ومع نشر طهران صواريخ س-300 س، تفقد إسرائيل وأميركا ميزة استراتيجية على الإيرانيين. ويمكن لطائرات الشبح أن تفلت من رادار س-300 ما لم تحصل طهران على أجهزة مراقبة نطاق سي من الكرملين. وعلى الرغم من الحفاظ على الخط الساخن مع موسكو، أعربت تل أبيب مراتٍ على عدم الارتياح بشأن نشر أنظمة س-400 س على الأراضي السورية. وتكثفت الدبلوماسية بين إسرائيل وروسيا عقب الاتفاق النووي لإيران لسببين؛ للحد من النفوذ الإيراني في سورية، والحفاظ على صفقة أسلحة طهران. وقد تباهى الحرس الثوري بصاروخ الدّقة فاتح-110، كما دعا صاروخ لبنان بسبب نطاقه وخصائصه. ويخمّن الاستراتيجيون العسكريون أن خبرة نظام س-300 س المتكامل ستستخدم لمواصلة تحديث صواريخ شهاب 2 وشهاب 3 مع أخرى غيرها.
وعلى جبهتها الشرقية، ليست إيران مرتاحة لاحتضان باكستان قوات التحالف التي تقودها

السعودية ضد الإرهاب، وأيضا مشاركتها في عاصفة الشمال. ومنذ عام 2002، لم توقع طهران اتفاق دفاع سري مع الهند فحسب، بل إنها أيضا قامت بتمويل مختلف الجماعات الشيعية، ووفرت لها تدريباً عسكرياً باسم الدفاع عن النفس ضد حركة طالبان. وقد أوفى الاستثمار بما عليه، وتعالى صوت اللوبي الموالي لإيران في وسائل الإعلام، و في النظام السياسي والمجتمع الذي يتألف، في الغالب، من الشيعة والليبراليين واليساريين السابقين الذين يكنّون ضغينة ضد الأنظمة الملكية العربية. وقد حشد الحرس الثوري، في إبريل/ نيسان الماضي، عشرين ألف جندي على الحدود الجنوبية الغربية لباكستان، بهدف إجراء تدريبات بالذخيرة الحية. وبعيداً عن المجاملات الدبلوماسية، فإن زيارة الرئيس الإيراني روحاني ومشاركة القوات المسلحة الباكستانية في مزاعم وادعاءات مضادة بخصوص القبض على الجاسوس الهندي الذي حمل تأشيرة إيرانية صالحة باسم مزيف، قد أثارت مناوشات شائعة، وعلى نحو متزايد على الحدود بين باكستان وإيران.
وقد استعدت باكستان جيداً للتعامل مع الجيش الإيراني. ولكن، مع الاستنفار المستمر للنزعتين، القومية والطائفية، باستطاعة طهران تعبئة الوكلاء وقتما أرادت، وقد تشمل حتى حزب الله الباكستاني. وفي حين أن أذربيجان شهدت تزايد نفوذ اللوبي الإيراني، من خلال الأقلية الشيعية من سكانها، فإنها قلقة بشأن علاقات طهران مع أرمينيا. ووسط تجدد التوترات بين الأخيرة وأذربيجان بشأن قضية إقليم ناغورني كاراباخ، تحايلت إيران وروسيا على الجهود الغربية والتركية لوقف إطلاق النار بين البلدين.
إن تحديثاً للقوات المسلحة الإيرانية الذي طال تأجيله يعد نذير سباق جديد للتسلح في المنطقة. وتتوقع وكالة أنباء “سبوتنيك” الحكومية الروسية صفقات تجارة أسلحة مستقبلية تبلغ 13 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، من المقرّر أن تشكل قوات التحالف من الدول الإسلامية التي تقودها السعودية أولوية خاصة من الاهتمام الإيراني، كما إنشاء قاعدة تركية في قطر بحلول العام المقبل. وللحفاظ على ممرٍّ شحن آمن، سوف تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى قوة ردع فعالة إلى جانب الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا المتمركزين هناك بالفعل.
وعلى هامش بناء الثقة، تحتاج كل من إيران ودول الخليج آلية لمعالجة قضايا الحرب العرضية والحد من التسلح والأمن الإقليمي، يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق نحو نظام مكتمل متعدد الأطراف للخصوم والجيران التاريخيين.

نويد أحمد

صحيفة العربي الجديد