على رغم كل ما قيل ويقال على جوانبها، وفي تحليل نتائجها، لا يبدو أن الانتخابات البلدية برهنت صحّة ما اعتقده فريق “حزب الله” – “التيار العوني” بأن أي انتخابات نيابية جديدة ستفضي حتماً الى برلمان لمصلحته، وتالياً الى انتخاب مرشحه “الوحيد” رئيساً، إلا في حال فرض قانون انتخابي معدّ سلفاً لمصلحة طرف على حساب آخر. ففي نهاية المطاف لا يمكن شراء كل الأصوات أو ترهيبها، أي أن الناخبين الحقيقيين هم الذين يصنعون النتيجة، وهؤلاء باتوا يعبّرون عن الانقسام أو الاصطفاف الحاصل في البلد. أما الذين يرفضون الفريقين انطلاقاً من مواقف شتّى، مجتمع – مدنية أو رافضة للطائفية أو يسارية أو غير ذلك، فقد همّشتهم صناديق الاقتراع وإنْ أبدى المجتمع المتعَب تعاطفاً كبيراً مع أفكارهم وأشخاصهم لعل فيها خلاصاً ما.
لماذا الانتخابات البلدية ممكنة والنيابية متعذّرة أو شبه مستحيلة. لأن الأولى ليست سياسية في الأصل، أما الثانية فمرتبطة بالاستقطابات اياها. كان الحليف العوني لـ”حزب الله” ضغط لإجراء انتخابات نيابية وفقاً لقانون جديد بغية تغيير تركيبة المجلس لتصبح أكثر قابلية لانتخاب ميشال عون رئيساً، وقد ساير “الحزب” حليفه لكنه انكشف الآن بأنه لا يريد انتخابات رئاسية أو نيابية قبل أن ينجلي مسار الحل الدولي – الاقليمي في سوريا. أما لماذا لم يمانع “حزب الله” تجديد البلديات أو يعرقله فلأنها لا تؤثّر سلباً أو ايجاباً في أجندته الايرانية التي باتت تتعامل مع لبنان كما لو أنه “الضفة الغربية” حيث لا تمانع اسرائيل أن تكون هناك مجالس بلدية منتخبة تطبيقاً لـ “الحكم الذاتي” لكنها تعطّل المجلس التشريعي لأنه يعبّر عن وجود نواة “دولة فلسطينية”، في ضوء ذلك يُفهم تعطيل البرلمان اللبناني بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي.
تتفق العواصم المعنية بلبنان على التحذير من أن الخطر عليه يقترب أكثر فأكثر. والأقل حدّة هي التحذيرات الاميركية، عملاً بسياسة باراك اوباما التي دأبت على تجهيل الخطر الايراني أو تجاهله حيثما وجد لئلا تضطر الى مواجهته. لكن الدول الأخرى لا تفصح عما تعنيه بالمخاطر تحديداً، فلو كانت هناك دولة لبنانية ممثلة برئيسها لأمكن أن تصارحها وتساعدها على صون استقلالها وسيادتها وحدودها، فكل هذه مهدّدة بالصيغة الايرانية – الأسدية لحلّ الصراع في سوريا. وعدا تحذيرات سابقة كرّرها أخيراً المبعوث الأممي السابق الأخضر الابرهيمي معتبراً أن لبنان سيتأثر حكماً بحال “الصوملة” في سوريا، كان لافتاً قول السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري للسياسيين الجالسين الى مائدته أن “الوقت يمرّ والأخطار تزداد”، وحاول استنهاضهم بالقول إن “لبنان لم يعد قادراً على الاحتمال” و”يتطلّع الى همّتكم وقراراتكم الشجاعة” لإنهاء الشغور الرئاسي. لكن لا همّة ولا شجاعة طالما أن المرشّحَين الإثنين يخضعان أيضاً للأجندة الايرانية – الأسدية وينتظران ما يرسمه “السيد حسن”…
عبدالوهاب بدرخان
صحيفة النهار اللبنانية