“يصادف الرابع عشر من تموز/يوليو الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق النووي مع إيران المعروف بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة». وهذا المقال هو جزء من سلسلة من المراصد السياسية التي تقيّم الكيفية التي أثّر فيها الاتفاق على المصالح المختلفة للولايات المتحدة. وستصدر المقالات المقبلة في الأيام التي تسبق الذكرى”.
ظلت العقوبات المتعلقة بالإرهاب ضد إيران سارية المفعول، رغم تطبيق «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني في كانون الثاني/ يناير، حيث وعد مسؤولون أمريكيون بمحاسبة طهران تجاه أي نشاط من هذا القبيل على الرغم من رفع العقوبات النووية. وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في 21 كانون الثاني/ يناير، بقوله، “إذا اكتشفنا قيامهم بتمويل الإرهاب، سيواجهون مشاكل مع الكونغرس الأمريكي وأشخاص آخرين كما هو واضح.” وحتى الآن، لم يتراجع سلوك إيران التهديدي منذ توقيع الاتفاق قبل عام.
في شباط/ فبراير، قدّم مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية جيمس كلابر شهادة قال فيها، “تستمر إيران، كأكبر دولة راعية للإرهاب، في ممارسة نفوذها في الأزمات الإقليمية ضمن منطقة الشرق الأوسط من خلال «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني، وشريكه الإرهابي اللبناني «حزب الله» والجماعات الوكيلة… وتبقى إيران و«حزب الله» التهديد الإرهابي المستمر لمصالح الولايات المتحدة والشركاء في جميع أنحاء العالم”. وبعد شهر، قدّم قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال جوزيف فوتل شهادة مفادها أن إيران أصبحت “أكثر عدوانية مع الأيام منذ الاتفاقية”.
رعاية الارهابيين في بلاد الشام
أيدت إيران بشكل مستمر المنظمات الفلسطينية المُدرجة من قبل الولايات المتحدة على أنها منظمات إرهابية، ومن بينها «حركة الجهاد الإسلامي» و«حماس». وفي آب/ أغسطس 2015، وبعد أن سقطت أربعة صواريخ على مرتفعات الجولان الإسرائيلية والجليل الأعلى، نسبت القدس الهجوم إلى جهد مشترك بين «حركة الجهاد الإسلامي» و«فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري». وتأكدت تلك الادعاءات مع مقتل الجنرال في «الحرس الثوري» الإيراني، محمد علي الأهدادي، على إثر هجوم إسرائيلي مضاد تجاه الخلية التي أطلقت الطلقة الأولى.
وفي أيلول/سبتمبر، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية [على القائمة السوداء] ماهر جواد يونس صلاح، وهو مواطن بريطاني-أردني مزدوج الجنسية كان يرأس “اللجنة المالية لـ «حماس»” التي مقرها في المملكة العربية السعودية. وكان قد أشرف بهذه الصفة على نقل عشرات الملايين من الدولارات من إيران إلى “اللجنة”. وقد اُستُخدمت هذه الأموال لتمويل نشاط «حماس» في غزة، بما في ذلك «كتائب عز الدين القسام» – “الجناح العسكري” للحركة.
وعلى الرغم من الجدال بين إيران و«حماس» تجاه رفض الأخيرة دعم نظام الأسد في سوريا، عادت علاقتهما المنهارة هذا العام إلى ما كانت عليه سابقاً. وجاء في تقرير صادر عن “خدمة أبحاث الكونغرس” في تشرين الثاني/ نوفمبر، “تسعى إيران، على ما يبدو، لإعادة بناء علاقتها مع «حماس» من خلال توفير تكنولوجيا الصواريخ الخاصة بها لـ «حماس» لبناء صواريخها، ومساعدتها على إعادة بناء الأنفاق التي دُمرت في النزاع مع إسرائيل [عام 2014]”. وفي مؤتمر صحفي عُقد في عام 2015، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية على أن دعم المقاومة ضد إسرائيل – والمتمثل في جزء منه بتمويل حركة «حماس» – هو “سياسة مبدئية”. وتَوضّح هذا الدعم في شباط/ فبراير عندما زار وفد من «حماس» إيران لمدة ثمانية أيام التقى خلالها بمختلف المسؤولين، بمن فيهم قائد «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني. ووفقاً لتصريح نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست”، صرح سليماني، أن “إيران كانت داعماً قوياً للمقاومة الفلسطينية قبل الاتفاق النووي، وستظل كذلك بعده.” واحتفت «حماس» بالزيارة في بيان خاص بها عبر إشارتها إلى “اجتماعات ناجحة وإيجابية مع المسؤولين الإيرانيين.”
وعلى الرغم من هذا التقارب مع «حماس»، واصلت إيران رعايتها لجماعة “الصابرين”، وهي منظمة متشددة جديدة في غزة يتزعمها قائد سابق في «حركة الجهاد الإسلامي». وأفادت بعض التقارير أن الجماعة تلقت مبلغ 10 ملايين دولار سنوياً من طهران. ويبدو أيضاً أن أعضاء من “الصابرين” قد تحولوا إلى المذهب الشيعي رغم عمل الجماعة في غزة ذات الأغلبية السنية، مما يضيف مستوى آخر من التعقيد إلى هذه العلاقة. وفي كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت حركة “الصابرين” مسؤوليتها عن تفجير استهدف القوات الإسرائيلية على الحدود.
وفي مكان آخر من بلاد الشام، يبقى «حزب الله» اللبناني الوكيل الإرهابي الرئيسي لإيران. وفي الشهر الماضي أعلن الأمين العام للجماعة، حسن نصر الله، بشكل صريح أن “«حزب الله» يحصل على المال والسلاح من إيران. وطالما أن لدى إيران المال، فلدى «حزب الله» المال أيضاً.” ومنذ توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني، شاركت تلك المنظمة المدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة في العديد من المخططات الإجرامية والتجسسية والإرهابية.
في شباط/ فبراير، أعلنت “إدارة مكافحة المخدرات” الأمريكية عن اكتشافها شبكة تهريب مخدرات وغسل أموال كبرى، من خلال تحقيق متعدد الجنسيات أجرته في هذا الصدد. وأسمت الوكالة “مسؤول شؤون الأعمال” في الذراع الخارجي الأمني لـ «حزب الله» على أنه أحد المتبرعين الرئيسيين للشبكة التي جمعت ونقلت “ملايين اليوروهات كعائدات من المخدرات” للحزب، والتي بدورها اُستخُدمت لشراء أسلحة لمقاتلي «حزب الله» في سوريا.
وفي العام الماضي، وبعد أقل من أسبوع من توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة» للبرنامج النووي الإيراني، اعتقل مسؤولون إسرائيليون في مطار بن غوريون الرجل السويدي-اللبناني حسن خليل هزران، أثناء محاولته جمع معلومات استخبارية عن أهداف إسرائيلية بالنيابة عن «حزب الله». وقبل أيام قليلة من التوقيع، اعترف رجل لبناني-كندي بعلاقته مع «حزب الله» قائلاً إن الجماعة طلبت منه مهاجمة أهداف إسرائيلية. وقد تم سجنه في قبرص بعد أن صادرت السلطات من منزله هناك تسعة أطنان من مركب كيميائي يُستخدم في صنع القنابل.
وحيث يضخ «حزب الله» السلاح والمقاتلين في الصراعات في سوريا والعراق، فقد طلب من جهات فاعلة أخرى تنفيذ هجمات إرهابية. وفي كانون الثاني/ يناير، اعتقلت السلطات الإسرائيلية خمسة فلسطينيين بتهمة التخطيط لشن هجوم “منظم وممول من قبل «حزب الله»”. ووفقاً لمسؤولين إسرائيليين، تم تجنيد زعيم هذه الخلية العاملة في الضفة الغربية من قبل جواد، نجل حسن نصر الله. كما درب «حزب الله» وأمر الجماعة بمراقبة أهداف إسرائيلية، حيث أعطى الرجال 5000 دولار لتنفيذ تفجيرات انتحارية وهجمات أخرى. وبناء على هذه الحالات وغيرها، حذر مسؤول إسرائيلي كبير في شباط/ فبراير من أن إيران “تبني شبكة إرهابية دولية” مؤلفة من خلايا يمكنها الوصول إلى أسلحة، ومعلومات استخباراتية، وعناصر لتنفيذ هجمات في الغرب.
الخليج
سمّى تقرير “حالات الإرهاب القطرية” لعام 2015 الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، إيران الراعي الرئيسي للإرهاب، حيث كشف عن أن طهران “قدمت أسلحة وتمويل وتدريب للمسلحين الشيعة في البحرين”، وأن تلك الدولة الخليجية “داهمت وصادرت واكتشفت مخابئ أسلحة وعمليات نقل أسلحة ومسلحين ترعاها إيران” ذلك العام. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، اعتقلت السلطات البحرينية سبعة وأربعين شخصاً لانخراطهم في منظمة إرهابية متصلة بـ «الحرس الثوري». وفي كانون الثاني/ يناير المنصرم، اعتقلت السلطات ستة أشخاص لتورطهم في خلية إرهابية مع ادعاءات باتصالها بإيران و«حزب الله». واتُهمت الخلية بتدبير انفجار تموز/ يوليو 2015 الذي أسفر عن مقتل شخصين خارج مدرسة للبنات في سِترة.
وواصلت إيران أيضاً دعم الإرهابيين الشيعة في الكويت. ففي آب/ أغسطس 2015، داهمت السلطات المحلية خلية إرهابية مؤلفة من ستة وعشرين شخصا من الكويتيين الشيعة، متهمة إياهم بحيازة “كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات”. وبعد أن ذكرت وسائل الإعلام ادعاءات حول ارتباط الخلية بإيران و«حزب الله»، أصدر المدعي العام أمراً بحظر النشر حول التحقيق. وفي كانون الثاني/ يناير، حكمت محكمة محلية على رجلين، واحد كويتي والآخر إيراني، بالإعدام بتهمة التجسس لصالح إيران و«حزب الله».
واستمرت علاقة طهران العدائية مع المملكة العربية السعودية أيضاً هذا العام، بشكل رئيسي عبر الحرب بالوكالة، ولكن أيضاً من خلال أنشطة مزعومة ضد أهداف سعودية. وفي شباط/ فبراير، أكدت الحكومة اليمنية المرتبطة بالسعودية أن لديها أدلة على أن “«حزب الله» يدرب المتمردين الحوثيين ويقاتل إلى جانبهم في هجمات على الحدود السعودية”. ووفقاً لتقرير آخر من نفس الشهر، أعلنت السلطات الفلبينية إحباط مؤامرة لـ «الحرس الثوري» ضد أسطول طائرات الركاب السعودية في الفلبين.
بما يتجاوز الشرق الأوسط
في أيار/ مايو، قتلت غارة شنتها طائرة أمريكية بدون طيار زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا اختر محمد منصور على الحدود بين إيران وباكستان. وأشارت أنشطته، على أقل تقدير، إلى دعم إيراني ضمني لحركة طالبان، إن لم يكن أكثر من ذلك. وتتبعت السلطات الأمريكية قيامه بزيارة عائلية في إيران ونفذت الغارة لدى عودته إلى باكستان. وبعد ذلك صرح المتحدث باسم طالبان، ذبيح الله مجاهد، أن منصور كان في إحدى “رحلاته غير الرسمية” لإيران بسبب “التزامات المعارك المستمرة.”
وفي وقت سابق من تشرين الثاني/ نوفمبر، اعتقلت السلطات الكينية مواطنَيْن إيرانيَيْن بتهمة التآمر على تنفيذ هجوم إرهابي ضد أهداف إسرائيلية في نيروبي، حيث زُعم أنهما مرسلان من قبل «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري».
وبعد شهر، شن الجيش النيجيري هجوماً واسع النطاق على مدينة زاريا الشيعية بعد ما تردد من معلومات استخباراتية حول محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش في البلاد. وزُعم أن المؤامرة كانت من تنظيم الحركة الإسلامية في نيجيريا، وهي جماعة مسلحة شيعية دربتها إيران سابقاً على تجميع المتفجرات ومهارات أخرى، وفقاً لمستشار سابق في وزارة الخارجية الإيرانية.
المحصلة
في فعالية معهد واشنطن التي جرت في نيسان/ أبريل 2015، قبل ثلاثة أشهر من توقيع «خطة العمل المشتركة الشاملة»، صرح وزير الخزانة الأمريكي جاك ليو قائلاً، “لا تسيئوا الفهم: مع صفقة أو من دونها، سنتابع استخدام جميع أدواتنا المتاحة، بما في ذلك العقوبات، لمواجهة سلوك إيران التهديدي.” وبعد ذلك بعام، أكد الرئيس أوباما على هذا التعهد لشركائه في «مجلس التعاون الخليجي» في قمة كامب ديفيد وأضاف: “علينا أن نكون فعالين في دفاعاتنا ومحاسبة إيران عندما تتصرف بطرق تتنافى مع القواعد والمعايير الدولية”.
ومع ذلك، من الواضح اليوم أن دعم إيران للإرهاب زاد منذ التوصل إلى الاتفاق النووي، وهو الأمر الذي يجب ألا يفاجئ المسؤولين. ففي حزيران/ يونيو، على سبيل المثال، خلص آدم زوبين، مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية، إلى القول بوضوح، “كما توقعنا، لم تعدّل إيران سلوكها منذ تنفيذ «خطة العمل المشتركة الشاملة»”. ونظراً لدعم إيران المستمر للإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي، وإصرار الإدارة الأمريكية المتكرر على أنها ستحاسب طهران بشدة على هذه القضايا بالذات، فإن الذكرى السنوية الأولى لـ «خطة العمل المشتركة الشاملة» توفر لواشنطن فرصة مثالية لإعادة تقييم السلوك السيء لذلك النظام، واتخاذ خطوات لمحاسبته.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن