لن تكون الولايات المتحدة أقل انخراطاً في الشرق الأوسط في العام 2017 مما كانت في العام 2016. لكنها ستكون، مع ذلك، أكثر حصافة في انخراطها؛ حيث ستمنح دولاً أخرى فرصة للتنافس على النفوذ. وسوف تتكشف المنافسة بشكل أساسي في ميدان المعركة السوري-العراقي وحوله، والذي سيستمر في جرّ وتوريط جيرانه ودول أبعد منها أيضاً. وسوف تفضي تطورات المعارك الدائرة في سورية والعراق إلى تعميق التوترات الطائفية، وتكثيف الخصومة الحالية بين تركيا وإيران.
مقاومة الإغواء في الموضوع السوري
من المغوي الاعتقاد بأن الحرب الأهلية السورية سوف تنتهي في العام 2017، الآن وقد استعادت القوات الموالية لبشار الأسد مدينة حلب الحاسمة. وفي واقع الأمر، تسيطر هذه القوات الآن على بضع مدن رئيسية أخرى، وتمتلك ترف تعزيز هذه المكاسب التي حققتها. لكن الصراع السوري لن ينتهي، في العام 2017 على الأقل. فالموالون متمددون ببساطة، ومنجرون إلى الكثير جداً من الاتجاهات بحيث لن يتمكنوا من تحقيق نصر حاسم. فبالإضافة إلى الاحتفاظ بالأرض التي يسيطرون عليها في الشمال، عليهم الآن محاولة إخراج الثوار المتمركزين بين حلب ودمشق وحول دمشق نفسها. كما سينجرون أيضاً إلى مناطق يسيطر عليها “داعش” في مدينة دير الزور الشرقية، حيث يقبع رفاقهم الآن تحت الحصار. وسوف تكون استعادة مناطق حزام الطاقة المحيط بتدمر أولوية أيضاً. وبعبارات أخرى، ما يزال هناك الكثير من العمل المتبقي أمامهم لينجزوه، كما يستطيع أي عدد تشاؤون من الأشياء أن يغيِّر موازين القوى في هذا البلد المثقل بالصراع.
مع ذلك، لا تشكل الضغوط التي يعاني منها الموالون للنظام سوى عامل واحد فقط من العوامل التي تحول دون حل الصراع. ففي العام 2017، سوف يعمل وجود القوى الخارجية أيضاً على تعقيد ميدان المعركة السوري، تماماً كما فعل في العام المنقضي. سوف تعدل الولايات المتحدة استراتيجيتها في سورية، مفضلة واحدة تقدم المساعدات بطريقة انتقائية لمجموعات معينة في القتال ضد “داعش” بدلاً من المجموعات التي تقاتل حكومة الأسد. وسوف تستمر واشنطن، على سبيل المثال، في دعم القوات الكردية، لكنها ستحد من دعمها للثوار في إدلب. وسوف تكون تداعيات ذلك من ثلاث طبقات: أولاً، سيكون على تركيا وقطر والسعودية زيادة دعمها للثوار الذين تخلت عنهم الولايات المتحدة، بمن في ذلك الأكثر تطرفاً من بينهم. ثانياً، سوف يمنح دعم هذه الدول للعناصر المتطرفة متسعاً للازدهار، وكذلك سيفعل انخفاض الرقابة المرتبط بفك واشنطن ارتباطها. ثالثاً، سوف تتمكن روسيا من التعاون أكثر من الناحية التكتيكية مع الولايات المتحدة وحلفائها، بينما تحاول انتزاع تنازلات منهم، بما في ذلك تخفيف العقوبات المفروضة عليها، في مفاوضات أوسع نطاقاً مع واشنطن.
تجدر ملاحظة أن روسيا ستتعاون فقط طالما كان ذلك التعاون يساعد موسكو على تحقيق هذه الأهداف، ولكن بالنظر إلى نفوذ موسكو المحدود على الأرض في سورية، فإنه ليس هناك الكثير الذي تستطيع عمله فعلياً. ومع ذلك، لن يوقف هذا الواقع روسيا عن محاولة الحلول محل واشنطن كحكَم ووسيط أساسي في المفاوضات السورية.
في حين تكون القوى الأخرى منشغلة بالقتال ضد “داعش”، سوف تقوم تركيا بتوسيع مدار نفوذها في شمال سورية والعراق، مدفوعة -كما هي- بسعيها إلى منع التوسع الكردي. وفي سورية، ربما يمنع تواجد القوات الروسية تركيا من المغامرة أبعد في المناطق الواقعة إلى الجنوب من مدينة الباب في شمال حلب. ومن الباب، سوف تحاول تركيا المضي شرقاً في اتجاه منبج، بحيث تتمكن بذلك من تقسيم، وبالتالي إضعاف المناطق التي يسيطر عليها الأكراد. كما ستحاول تركيا الضغط من أجل الحصول على دور أكبر في العمليات ضد “داعش” في الرقة. وسوف تنشر تركيا المزيد من قواتها العسكرية في القتال السوري، سواء كان ذلك لعرقلة توسع القوات الكردية السورية، أو لإضعاف “داعش”.
هناك، بطبيعة الحال، بعض المآخذ على الاستراتيجية التركية. وبالتحديد، تنطوي هذه الاستراتيجية على خطر نشوب اشتباكات مع القوات الروسية والقوات الكردية السورية. ولذلك، سيتعين على أنقرة أن تركز على الحفاظ على علاقات مع موسكو من أجل تجنب حدوث تعقيدات في ميدان المعركة، حتى بينما تقوم بإدارة التوترات مع الولايات المتحدة حول دعم واشنطن المتواصل للأكراد.
وفي العراق أيضاً، سوف تقوم تركيا بتوسيع نفوذها في الشمال -بالتحديد، إلى حيث كانت حدود الإمبراطورية العثمانية مرسومة ذات مرة، عبر سنجار والموصل وأربيل وكركوك. وبينما تفعل ذلك، فإنها ستتنافس مع إيران على النفوذ في مناطق فراغ السلطة الذي ستخلفه هزيمة “داعش” في الموصل. ومن جهتها، سوف تناضل بغداد للسيطرة على محافظة نينوي بمجرد أن يفقد “داعش” الموصل. وفي الأثناء، سوف تقوم تركيا بتعزيز وكلائها لكي تضع نفسها في موضع الدولة الراعية للسُنة في المنطقة.
تشكل عودة صعود تركيا تهديداً لقوس النفوذ الإيراني عبر شمال سورية والعراق، ولدى طهران طرق يمكن أن ترد بها. سوف تقوم بتشجيع الحكومة الشيعة في بغداد على مقاومة ما ستشخصه على أنه احتلال تركي. كما ستعتمد أيضاً على الميليشيات الشيعية لوقف أنقرة عن طريق المنافسة على الأرض واستغلال الانقسامات بين الأكراد العراقيين. وسوف تعتمد المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي، التي لديها نفوذ أقل نسبياً في العراق، على تركيا في شأن دعم المصالح السنية.
سوف يؤدي سقوط الموصل إلى المزيد من تقسيم الأكراد العراقيين. وسوف يضع التدافع الحتمي من أجل الأرض والنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني المدعوم من تركيا في مواجهة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتحالف بشكل أوثق مع إيران. وسوف تكون كركوك، المدينة والمحافظة الغنية بالنفط، مثيرة للجدل والنزاع بشكل خاص. سوف يحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني الاحتفاظ بما كسبه هناك، في حين ستحاول بغداد، مدعومة من إيران، استعادته. وسوف يعيق ذلك تحقيق تعاون مستدام في عمليات إنتاج الطاقة وتقاسم العائدات بين بغداد وبين إقليم كردستان العراق.
تركيا: لا عوَز في التحديات
مع كل التحديات التي تواجهها تركيا في الخارج، فإنها لا تعاني نقصاً في معروضها في الوطن أيضاً. وتشكل هجمات المتشددين الأكراد مشكلة مزمنة، بطبيعة الحال. وفي الأثناء، سيعمل دور تركيا في خنق طرق هرب “داعش” في سورية على جعلها هدفاً رئيسياً لهجمات المجموعة في العام 2017. لكن الأمر الذي قد يكون أكثر أهمية، هو أن حزب العدالة والتنمية الحاكم سيعقد استفتاءً في العام 2007 على التعديلات الدستورية التي تهدف إلى تعزيز سلطات الرئاسة في ظل رجب طيب أردوغان. وما يزال حزب العدالة والتنمية يتمتع بدعم شعبي استثنائي على الرغم من الاستقطاب الكبير في أوساط الناخبين، لكن الاقتصاد الذي يتربع الحزب على قمته أصبح مهتزاً. سوف ترتفع ديون تركيا المقومة بالدولار بينما يصبح الدولار أقوى، وسيعمل عدم استقرار الليرة التركية على تخويف المستثمرين الذين يشعرون بالقلق مُسبقاً بسبب حملات القمع السياسي التي تشهدها البلاد. كما تقوم هذه الحملات أيضاً بتعقيد محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ولا يعني هذا أن من المتوقع أن تحرز تركيا الكثير من التقدم في هذا الشأن؛ لكنها تحتاج ببساطة إلى أبقاء الحوار قائماً حول ضوابط الهجرة، من أجل إبقاء موطئ قدم لها في الغرب، وللاحتفاظ بوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.
اختبار للعلاقات الأميركية-الإيرانية
سوف يختبر العام 2017 ديمومة العلاقات الأميركية-الإيرانية. ومن المتوقع أن تكون الحكومة الأميركية الجديدة أقل تسامحاً مع ما تراه على أنه عدوانة إيرانية -التحرشات البحرية واختبارات الصواريخ البالستية، على سبيل المثال- حتى مع أن إيران لا تنتهك مباشرة بنود الاتفاق النووي. وسوف يكون صدور ردود فعل أميركية قوية على مثل هذه العدوانية -من وجهة نظر إيران- انتهاكاً للاتفاق، لكنه يمكن توقُّع أن تتحدى إيران الاتفاق فقط إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك أولاً. (تقف روسيا في موقف يتيح لها الاستفادة من التوترات الأميركية-الإيرانية. ففي إطار سعيها للحصول على نفوذ إضافي ضد الولايات المتحدة، سوف تقوم بتوطيد علاقاتها مع إيران من خلال الصفقات الاقتصادية والعسكرية، وهي تعرف أن طهران ستستخدم روسيا لتحقيق التوازن ضد واشنطن بينما تظهر الأسئلة حول جدوى الاتفاق النووي وقابليته للحياة).
مع ذلك، سوف يصمد اتفاق إيران النووي ويجتاز هذا العام، على الرغم من تهديدات الولايات المتحدة يعكس ذلك. فمع كل الخطابة والتصريحات الساخنة التي تحيط بالعلاقات الأميركية-الإيرانية، فإن لدى واشنطن قليل مصلحة في الغرق في مزيد من صراعات الشرق الأوسط، خاصة مع إيران. وعلى نحو مماثل، تحتاج إيران إلى تعزيز اقتصادها، وهو شيء لن تتمكن من تحقيقه من دون التجارة الخارجية والاستثمارات والتفاعلات التي يتيحها الاتفاق النووي. وفي واقع الأمر، ربما سيكون الاقتصاد الإيراني هو العنصر الحاسم في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أيار (مايو) المقبل. سوف يحاول الرئيس حسن روحاني، المعتدل بالمعايير الإيرانية، الاستعانة بفكرة أن الإزالة الجزئية للعقوبات وإضفاء الاستقرار على معدل التضخم سوف يأتيان بالفائدة على الإيرانيين العاديين. ومع ذلك، يتهمه خصومه المتشددون في فيلق الحرس الثوري الإيرانية بالتساهل مع الولايات المتحدة، وتسليم قدر كبير جداً من السيطرة على الاقتصاد الإيراني للأطراف الدولية.
مهما تكن نتائج الانتخابات، سوف تبقى إيران تحت نفوذ الساسة المحافظين. ويستجيب هؤلاء الساسة للقائد الأعلى الذي لا يثق في الولايات المتحدة، لكنه يفهم أيضاً الحاجة إلى معادوة دخول الاقتصاد العالمي. وسوف تساعد الزيادة التدريجية في إنتاج النفط في هذا الصدد، لكن الأسئلة المحيطة بديمومة الاتفاق النووي الإيراني، ناهيك عن اتجاه السياسة الأميركية المقبل، ربما تمنع إيران من تحقيق أهدافها الاقتصادية.
الطريق إلى الإصلاح في الخليج
سوف تستمتع المملكة العربية السعودية بتدهور العلاقات الأميركية-الإيرانية. ومثل تركيا، سوف تُدفع إلى تعزيز معاركها الإقليمية بالوكالة مع إيران. ومع ذلك، سيكون على الرياض أن تزن الحملات الخارجية المكلفة مع الضغوط المتصاعدة في الوطن. وبعد خفض النفقات الرأسمالية وتخفيض فاتورتها للقطاع العام في العام 2016، سوف تتمكن السعودية من تخفيض عجز ميزانيتها في العام 2017. ومع ذلك، كان الطريق إلى الإصلاح بطيئاً ووعراً، وسيكون من الصعب على السعودية أن تترجم خططها الطموحة لكل من “رؤية 2030″ و”رؤية 2020” إلى توجيهات ملموسة يمكن أن يتبعها قطاعها الخاص. ومع تخصيص أكثر من أربعة أضعاف المال الذي خصص في العام الماضي لتطبيق توجيهات رؤية 2020، سوف يضغط القادة السعوديون على القطاعين العام والخاص للشروع في تحويل العمليات وفقاً لذلك وخلق المزيد من الوظائف.
في الأثناء، سوف تستعد الرياض للطرح العام الأولي لشركة أرامكو السعودية، المقرر في العام 2018، وسوف تقوم بتوسيع نطاق صندوق الاستثمارات العامة ودفعه إلى تبني استثمارات أكثر مخاطرة في الخارج، في مسعى لتحويل مستودع ثروته إلى صندق ثروة سيادي حقيقي. وفي محاكاة لدول مثل الكويت والإمارات العربية المتحدة، سوف تستمر السعودية في تنويع استثماراتها في الخارج لتشمل مختلف القطاعات التكنولوجية -وهي طريقة مجربة وصحيحة لتوليد العوائد على المدى البعيد. وسوف تقود دولة الإمارات العربية المتحدة مبادرة على نطاق الخليج، وتضع التحضيرات التقنية لإنشاء ضريبة قيمة مضافة قياسية مفروضة بنسبة %5. ومن المقرر أن تنطلق هذه المبادرة في أوائل العام 2018.
سوف يضج المواطنون السعوديون ويضغطون بينما تمضي الاندفاعة في اتجاه التغيير، لكن الحكومة ستمنح الاقتصاد أولوية على الإصلاح الاجتماعي. وسوف يتسبب حتى إصلاح اجتماعي متواضع بتنفير المؤسسة الدينية السعودية، التي تحتاج العائلة المالكة إلى دعمها من أجل التعامل مع التهديدات الجهادية المحلية.
سوف تتصرف بقية دول مجلس التعاون الخليجي في تناسق معاً للحد من النفوذ الإيراني والدفاع ضد التهديدات الاقتصادية والأمنية المشتركة. لكن هناك صدوعاً تظهر في واجهة هذه الوحدة. سوف تناضل السعودية لتوجيه مشكلة اليمن نحو تسوية متفاوض عليها، بينما تقوم الإمارات بتقوية موقفها في جنوب اليمن. ولن تشارك سلطنة عمان، المعروفة بحيادها النسبي، في استعداء مجلس التعاون الخليجي لإيران.
شمال أفريقيا
هذه الديناميات نفسها سوف تظهر في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي في شمال أفريقيا. سوف تواصل السعودية منح حلفائها دعماً اقتصادياً وأمنياً في مقابل دعمهم لسياستها الخارجية في أماكن مثل اليمن وسورية. وسوف تكون الإمارات صوتاً أكثر اعتدالاً مع ذلك، وسوف تقوض باعتدالها مصداقية السعودية.
سوف تكون مصر مستقرة اقتصادياً بما يكفي في العام 2017 لصياغة سياسة خارجية مستقلة عن المصالح السعودية. ولتحقيق هذه الغاية، سوف تحاول اجتذاب التمويلات من أكبر عدد تستطيعه من الشركاء الخارجيين. والآن وقد عومت القاهرة عملتها، ووافقت على صفقة مع صندوق النقد الدولي وأجرت المزيد من الإصلاحات على دعم الوقود، أصبح عليها أن تطبق إصلاحات هيكلية أكثر أساسية، مثل تخفيض رواتب القطاع العام وزيادة العوائد الضريبية. وسوف تكون حكومة الجنرال عبد الفتاح السيسي ناجحة بقدر متواضع فقط بهذا الخصوص، وهي المقيدة -كما هو حالها- بالسلطة التشريعية والشعب، الذين يتحملون وطأة الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
سوف تبقى مصر في الأثناء متورطة في ليبيا، حيث يبدأ الدعم المصري والإماراتي للجنرال القومي خليفة حفتر الذي يقود الجيش الوطن الليبي، في طرح ثماره. سوف يتمكن حفتر من تقوية جيشه وسيطرته السياسية على شرق ليبيا، وسوف يوسع نطاق سيطرته إلى غرب لبييا، لكنه لن يكون قادراً على تحقيق ذلك تماماً. سوف يحاول الجيش الوطني الليبي حشد الميليشيات إلى جانب قضيته، لكنها لن تريد جميعاً أن تقاتل من أجل حفتر. لكن من المحتم، بغض النظر عن ذلك، أن يعيق عناد حتر المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية وتحصيل الموافقة عليها. وبذلك، سوف تستمر ليبيا في أن تكون ميداناً للاقتتال بين الميليشيات المتناحرة، مما سيحد من إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام دائم في العام 2017. وسيكون الفائز بهذه المنافسة هو الذي سيفوز بالثروة النفطية في ليبيا.
في الأثناء، سوف يخسر “داعش” الكثير من قوته، لكنه سيجد ملاذات وحلفاء في الأماكن القصية من ليبيا. وفي الوقت نفسه، سوف تواصل الميليشيات المرتبطة بتنظيم القاعدة توسيع نفوذها بهدوء.
حالة “الدولة الإسلامية”
سوف تفقد ما تدعى “الدولة الإسلامية” سلطتها في أماكن أخرى أيضاً. سوف تُضعف الحملات في العراق وسورية المجموعة كقوة عسكرية تقليدية، لكنها ستفعل القليل لإضعافها كقوة إرهابية وقوة تمرد مسلحة. وسوف يبقى بقايا “داعش” المنتشرون في الأماكن التي سيطروا عليها ذات مرة، ناشطين عن طريق استغلال الانقسامات الطائفية والعرقية في مختلف أنحاء العراق وسورية. وبذلك، سوف تعود الهجمات الإرهابية إلى العراق في شكل مشهدي ومذهل. (على الرغم من الانتكاسات العسكرية في العراق، سوف يتوافر “داعش” على قدر أكبر من الحرية للعمل في سورية، حيث تظل جهود التحالف لمحاربة التنظيم أكثر تعقيداً بكثير).
مع ذلك، سوف تكون هجمات “داعش” في الخارج تهديداً محدوداً أكثر. لا شك أن المتشددين العائدين إلى الوطن من العراق وسورية سوف يشكلون خطراً على البلدان الغربية، لكنه خطر يمكن تخفيفه بفعل تزايد الوعي والرقابة الاستخباراتية وارتفاع احتمالية تعرض الإرهابيين للحظر. وسوف يشكل الإرهابيون الأفراد واسعو الحيلة الذين لا يعتمدون على الشبكات والقدرات الكثيفة تهديداً أكبر من “داعش” نفسه في العام 2017، خاصة بالنسبة للغرب.
في حين حاز تنظيم “داعش” على انتباه المجتمع الدولي، كان تنظيم القاعدة يعيد بناء نفسه بهدوء، شاحذاً قدرته في مسارح متعددة تحضيراً لعودته. ومن المرجح أن تصبح فروع تنظيم القاعدة التي أعادت ترتيب نفسها تحت أسماء مختلفة في ليبيا والجزائر ومالي وتونس، أكثر نشاطاً ونفوذاً. ويثير فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية القلق بشكل خاص. فقد انهار الاتفاق الضمني بينه وبين السعودية في اليمن، مما يجعل المملكة هدفاً مهماً للجماعة الجهادية.
سوف يظل الجهاديون ناشطين في الأماكن الأخرى أيضاً، ولو أن هجماتهم ستكون غير متطورة وغير معقدة نسبياً. وإذا أصبحت الهجمات أكثر تعقيداً في أماكن مثل أندونيسيا وبنغلاديش، فسيعني ذلك أن مقاتلين أكثر خبرة في الشرق الأوسط قد وجدوا طريقهم للعودة إلى الوطن بنجاح.
في نيجيريا، سوف تستمر “ولاية السودان الغربي”، المعروفة أكثر باسمها السابق “بوكو حرام” في تبني استراتيجية الاستهداف الخاصة بتنظيم القاعدة، التي تركز على الأهداف العسكرية والغربية، بينما تمتنع عن مهاجمة المدنيين والمسلمين. ومع ذلك، سوف يواصل فصيل المجموعة الذي يقوده أبو بكر شيخو مهاجمة المساجد والمسلمين والأسواق والمدنيين والأهداف الناعمة الأخرى.
إسرائيل أكثر جرأة
سوف يزود العام 2017 إسرائيل بمجموعة متنوعة من الفرص، والتي ستأتي أكبرها من ضامن أمنها التقليدي، الولايات المتحدة. فمع سيطرة الجمهوريين بحزم على الفرعين التشريعي والتنفيذي لحكومة الولايات المتحدة، سوف تكون إسرائيل أكثر حرية في متابعة مصالحها من دون توبيخ. وسوف يستفيد هذا البلد من سياسة أميركية أكثر حزماً تجاه إيران، بل إنه قد يحاول من خلال واشنطن وضع قيود أكبر على تخصيب إيران لليورانيوم -فبعد كل شيء، تبدو الإدارة الأميركية الجديدة أكثر احتمالاً لأن تكون أكثر تقبلاً للاستخبارات التي يتم جمعها عن إيران، خاصة إذا أشارت هذه الاستخبارات إلى مخالفات للاتفاق النووي. كما يُحتمل أن تعمد إسرائيل الأكثر جرأة أيضاً إلى تسريع توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، حتى لو كان قيامها بذلك سيتسبب بهجمات يشنها عليها متشددون فلسطينيون. وسوف يؤدي تصعيد يحدث في الاحتكاكات الإسرائيلية-الفلسطينية إلى توتير علاقات إسرائيل مع الأردن ومصر، اللذين يواجهان ضغوطهما الداخلية الخاصة مُسبقاً. (سوف تكون القضية الفلسطينية بشكل ملحوظ مصدراً للتنافس بين تركيا ومصر أيضاً. سوف تحاول أنقرة تطوير علاقات أفضل مع الجماعات الفلسطينية، بينما تدير علاقة طبيعية -وإنما ما تزال متوترة- مع إسرائيل).
لكن العام 2017 سوف يقدم لإسرائيل أيضاً مجموعة من التحديات. فإلى الشمال منها، سيكون عليها أن تتعامل مع حزب الله، الذي يمكن القول إنه أصبح أكثر قوة وخبرة بفضل مشاركته الكثيفة في الحرب الأهلية السورية. لكن يدي حزب الله مشغولتان بالكامل عن إسرائيل. فسوف يقوم بتعزيز السيطرة على الأراضي في سورية لصالح الموالين للنظام، وسوف يواجه مهمة درء التحديات السياسية التي تواجهه في لبنان، وسوف يبقي عينيه في الأثناء على إسرائيل. ومع الشعور بالقلق من قوة حزب الله العسكرية المتنامية، ومع إدراكها أن لديها نافذة فرصة سانحة، ومن دون الإعاقة التي كان يشكلها تقريع واشنطن سابقاً، من المرجح أن تقوم إسرائيل بتكثيف عملياتها في سورية ولبنان في محاولة لإضعاف حزب الله والحد من وصوله إلى الأسلحة المتطورة.
* Strategic Forecasting, Inc* -المعروف أكثر باسم ستراتفورSTRATFOR -هو مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي، يعد إحدى أهمّ المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، والذي يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية.
تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل”، أو الوجه المخصخص للسي آي إيه The Private CIA. معظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية. وقد أسس المركز جورج فريدمان، وميريديث فريدمان، وماتيو بيكر في العام 1996 في ولاية تكساس، ويعتمد أساس عمله على شبكة الإنترنت، حيث يرسل تقارير دورية مدفوعة لمشتركيه عبر البريد الإلكتروني، ولديه اليوم حوالي 292 ألف مشترك بين أفراد ومؤسسات، كما يقوم بإرسال نشرات إلكترونية مجانية لحوالى 2.2 مليون قارئ حول العالم، وهو يمول نفسه من خلال الاشتراكات.
يمتلك المركز مجموعة موظفين يطلق عليهم اسم “المصادر”، وهم يعملون على جمع المعلومات، وعلى تجنيد عملاء آخرين، ويتقاضون أجراً مادياً يختلف باختلاف نوع المعلومة التي يحصلون عليها وأهميتها. بعد غزو العراق سنة 2003 نشطت شبكة ستراتفور على نحو ملحوظ في المنطقة وأسست شبكة عملاء فيها
صحيفة الغد