الثورة السورية في منظور أي فرد عادل وموضوعي وعلى حق، لا يمكن إلا أن يرى شعبا مغلوبا مظلوما يقتل ويباد ويهان بشكل متواصل ومستمر لفترة طويلة جدا من الزمن على يد نظام فاسد ومجرم وطاغية. هذه هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها.
سوريا تحكمها عصابة فاسدة مجرمة قبضت على روح البلد وجردت الشعب من الكرامة والحرية والعدالة، وحولت الحكم فيها إلى توريث يليق بمجاميع الجريمة في صقلية والمافيا التي توجد هناك وبقوة.
كل هذه الملامح والمشاهد والنقاط جعلت من انطلاقة الثورة السورية بخروج الملايين في كافة المدن السورية يتظاهرون ليلا ونهارا ويتغنون بأناشيد وأهازيج وقصائد تمجد الثورة والشعب، وتسخر من النظام وتطلب رحيل رئيسه، وهم يرفعون اللوحات ويعلقونها وعليها أجمل العبارات والشعارات التي كان فيها الكثير جدا من الإبداع والتميز.
كان هذا هو المشهد السوري؛ مظاهرات وتجمعات سلمية مائة في المائة وتزداد لهيبا كل يوم جمعة تحت شعار عريض يتم اختياره، ويتم حصر عدد القتلى الذين يسقطون بسبب رصاص قوات الأسد المجرمة، مع عدم إغفال من يتم القبض عليهم ويزج بهم في سجون النظام السوداء.
ولكن العرب بشكل عام تجري الطائفية في دمائهم؛ فلم يستطيعوا نصرة الشعب السوري دونما الزج بموضوع الطائفية فيه. فتحولت حالة نصرة الشعب السوري وحالة الدفاع عن النظام إلى مواجهة «عقائدية» و«إيمانية» بين السنة والشيعة، وظهر على السطح الفكر التكفيري الإرهابي البحت من الطرفين، فخرجت تتصدر المشهد السوري جماعات مثل حزب الله و«النصرة» و«القاعدة» و«أبو الفضل العباس» وغيرها، وكانوا يدعون كذبا وزورا وبرهانا أنهم جاءوا لدعم الثورة والشعب السوري، واقع الأمر أن كل فريق جاء ليدافع عن معتقده ضد «عدوه» الخارج عن الحق والذي وجب قتاله لأنه «كافر» فواحد منهما «رافضي» والآخر «ناصبي» وهما تصنيفان تاريخيان تم من خلالهما اختزال عداوة قرون في كلمتين، وانتقل المشهد إلى سوريا، وكان الضحية من جراء ذلك الأمر الشعب السوري نفسه والمستفيد هو نظام الأسد الذي طال أمد بقائه.
فالتكفيريون الإرهابيون السنة لم يستطيعوا احترام التنوع والوسطية والتعايش والتسامح الذي تتمتع به سوريا منذ وجودها، وأنهم لا يمكن لهم وهم الآتون من بلدان لا يوجد لديها ذات الخليط والتنوع والتعايش والتسامح، وبالتالي سيكون مهينا قبول مقولة هذه الجماعات الهمجية بحق السوريين «إننا أتينا أيضا لتصحيح عقيدة السوريين وإظهار الحق»، وهذه المقولة وغيرها لا يمكن إلا وصفها بالإرهاب.
وعلى الجانب الآخر كان مشهد الجماعات الإرهابية التكفيرية التي جاءت من إيران والعراق واليمن ولبنان وأفغانستان وباكستان وغيرها، لدعم نظام بشار الأسد، هي الأخرى، يعميها الحقد والكراهية الطائفية، ولم تعد ترى الحق والظلم الذي أصاب الشعب السوري على أيدي بشار الأسد، ولم تر سوى أرتال من الجماعات الإرهابية التكفيرية التي «تهدد المقامات والمزارات المقدسة والتي لا بد من الدفاع عنها فورا».
وبالتدريج تحول هذا التدخل إلى واقع آخر تماما، تحولت فعليا إلى قوة مرتزقة وبندقية للإيجار وميليشيات موتورة طائفية بغيضة تدافع عن عصابة مجرمة. أصاب هذه القوات العمى الطائفي فعماهم عن رؤية نفس المشهد الذي هللوا وكبروا وغنوا ورقصوا فرحا وقتها لسقوط صدام حسين، وفندوا وقتها أسبابهم؛ لأنه بعثي (الأسد بعثي) لأنه أباد حلبجة (الأسد أباد حماه) لأنه احتل بلدا مجاورا (الأسد احتل لبنان) كل الأسباب متطابقة ونفسها، ولكن الطائفية أبت إلا أن تعمي صاحبها.
الهوس الطائفي المسكون في العقلية العربية هو الذي أصبح أكبر عدو للشعب السوري وثورته، ولو كان خطاب الحرية والعدالة والحق والكرامة والأمان هو الموضوع بدلا من شعار الطائفية لحسم الأمر.
حسين شبكشي
الشرق الاوسط