يفترض هذا التقرير الصادر عن مؤسسة راند، أن المفاوضات بين إيران ومجموعة الدول الكبرى الست (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا) بشأن برنامج إيران النووي، المتواصلة منذ توقيعهم اتفاقية انتقالية في نوفمبر 2013، ستسفر عن اتفاقية نووية نهائية، تتحدد ملامحها وفق المبادئ المشتقة من خطة العمل المشتركة. ويُرجِّح أن الفاعلين الإقليميين -وأهمهم (السعودية وإسرائيل) أبرز المنافسين الإقليميين لإيران، والأقدر على التأثير في نجاح الصفقة واستمراريتها- سيتكيفون مع الاتفاقية النهائية عمومًا، لكنهم سيظلون قلقين من قدرات إيران النووية، ونفوذها الإقليمي. ويُحلل التقرير اتجاهات ردود فعل هاتين الدولتين تجاه الاتفاقية الانتقالية، وبدائل تحركهما إزاء اتفاقية نهائية. ويخلص إلى توصيات للسياسة الأمريكية للتعامل مع هذين الشريكين.
أولا- الملامح المتوقعة للاتفاقية النهائية:
تفترض ملامح الاتفاقية النهائية المحتملة أن إيران ستحتفظ ببنية تحتية تُمكِّنها من تطوير أسلحة نووية إذا قررت ذلك مستقبلا. وهذه الملامح مشتقة من عناصر الحل الشامل الموجودة في خطة العمل المشتركة، وأبرزها:
• ربما تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم، ولكنّ حدودًا ستُفرَض على درجة التخصيب وعلى عدد أجهزة الطرد المركزي وأنواعها.
• مفاعل أراك العامل بالماء الثقيل سيُحوَّل إلى مفاعل ماء خفيف بدون إعادة معالجة، وسيخضع لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
• تشمل الصفقة تفتيشًا تدخليًّا على المواقع النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وتقبل إيران بتوقيع البروتوكول الإضافي لمعاهدة منع الانتشار النووي والمصادقة عليه، بما يُبيح للوكالة النفاذ إلى المواقع غير المعلن عنها مع إشعار قصير.
• ستشارك إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعلومات عن الأبعاد العسكرية الممكنة للبرنامج.
• رفع العقوبات المرتبطة بالمسألة النووية يرتبط بتطبيق الاتفاقية، ويشمل ذلك رفع العقوبات الأحادية الأمريكية من خلال تشريع جديد من الكونجرس، ورفع العقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي، وإزالة العقوبات المفروضة بموجب قرار جديد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ثانيًا- ردود فعل إسرائيل وبدائل تحركها :
اتسم الموقفُ الإسرائيلي من الاتفاقية المؤقتة بالسلبية بشكل عام. وبمجرد توقيعها، أدانها رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، واعتبر أنها خطأ تاريخي، وليست إنجازًا تاريخيًّا، واتهمها بتعريض إسرائيل للخطر، مؤكدًا “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والتزامها بذلك”. ورأى وزير الخارجية، أفيجدور ليبرمان، أن الاتفاقية تضع إسرائيل في “سباق تسلح نووي”، مقترحًا على إسرائيل أن “تتولى المسؤولية بصرف النظر عن موقف الأمريكيين”. واحتج عددٌ من المسؤولين في وزارَتَيِ الدفاع والخارجية بأن هذه “صفقة سيئة”، لأنها سمحت لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم، بينما يبدأ تخفيف العقوبات. أما رئيس الدولة، شيمون بيريز، فذكَّر الإسرائيليين بأن “هذه اتفاقية مؤقتة وليست دائمة”، وسيُحكَم عليها بناءً على النتائج، وإذا لم تنجح فسيظل لدى إسرائيل خيار ممارسة بدائل “أقسى”.
وانتقد محللون وسياسيون مواجهة إسرائيل الصريحة للولايات المتحدة، لأن المواجهة تُهمِّش إسرائيل، وتهدد علاقتها الاستراتيجية بواشنطن، وهذا أخطر من أي تهديدٍ إيراني. في المقابل، جادل محللون بأن معارضة نتانياهو القاسية للاتفاقية كانت في صالح الموقف التفاوضي الأمريكي.
وعلى خلاف التقويمات السياسية الرافضة للاتفاقية الانتقالية، اعتبر رئيس الموساد السابق، مائير داجان، ومدير الشين بيت السابق، يوفال ديسكين، أن مزايا الصفقة المؤقتة تفوق مخاطرها. وبرزت داخل المؤسسة الأمنية الرسمية توصيات باتباع دبلوماسية هادئة للتأثير في شروط الاتفاقية النووية النهائية على نحو لا يترك لإيران أي قدرةٍ على امتلاك سلاح نووي في المستقبل.
هنا تكمن المفارقة بين الموقف الإسرائيلي القائم على “منع قدرة إيران على امتلاك سلاح نووي”، وبين الموقف الأمريكي القائم على “منع امتلاك إيران سلاحًا نوويًّا”. ولذا لا يُرَجَّحُ أن تُرحب إسرائيل باتفاقية نهائية بالملامح المحددة سابقًا. ويُرجَّح أن تقع الاستجابات الإسرائيلية للصفقة النهائية ضمن سياقين عامين، وهما: الرفض والتكيف.
في سياق الرفض، تستطيع إسرائيل ممارسة إجراءات أحادية؛ مثل: ضرب المنشآت النووية الإيرانية، أو التصعيد ضد حزب الله، لإحراج إيران ومنعها من تقديم التنازلات المطلوبة لتطبيق الاتفاقية النهائية، أو تخريب البرنامج النووي الإيراني من خلال حرب إلكترونية، أو استئناف اغتيال الخبراء النوويين الإيرانيين. لكن لا يُرجَّح أن تستخدم إسرائيل هذه الأساليب في بيئة تتسم بقبول أمريكي ودولي واسع للصفقة النهائية، طالما أثبتت إيران التزامها بشروطها، لأن هذه الأفعال ستكون موجهةً ضد الوفاق الدولي. والأرجح أن إسرائيل ستشجع الضغط من خلال الكونجرس الأمريكي لاستمرار العقوبات على إيران، وستراقب مدى التزام إيران بالصفقة، وتفضح أي انتهاكٍ لها.
أما في سياق التكيف، فستتجنب إسرائيل المواجهة المفتوحة مع الولايات المتحدة، وستعمل على تطوير دفاعها الصاروخي، وربما تُعيد النظر في سياسة الغموض النووي التي تتبعها، وتقوّي وسائلها للردع الإقليمي. وربما تحاول إسرائيل تقوية التعاون القائم بحكم الأمر الواقع مع السعودية والدول الإقليمية الأخرى القلقة من النفوذ الإقليمي الإيراني، وإن كان الرأي العام المعادي لإسرائيل عبر العالم العربي قد يحدُّ من مدى ذلك التعاون في غياب حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وقد يساعد على تقبل إسرائيل للصفقة النهائية تقويمات أمنية إسرائيلية ترى أن تهديد الجماعات الجهادية التي تكتسب أرضية على حدود إسرائيل أكبر من الخطر الإيراني.
ثالثًا- ردود فعل السعودية وبدائل تحركها :
رحبت السعودية بالاتفاقية الانتقالية بحذر، واعتبرت أنه “إذا كانت هناك نوايا طيبة” فإن هذه الاتفاقية ربما تمثل الخطوة الأولى في اتجاه التوصل إلى حل شامل للبرنامج النووي الإيراني. لكن الدوائر غير الرسمية السعودية عبرت بصراحة أكبر عن موقف الرياض الحقيقي؛ حيث شكك رئيس الاستخبارات السعودية السابق، تركي الفيصل، في نوايا إيران، وانتقد مجموعة الدول الكبرى الست، لأنها لم تضم دول مجلس التعاون الخليجي إلى طاولة المفاوضات. واتهمت جهات إعلامية سعودية القوى الغربية بعقد “صفقات من خلف الظهر”.
واتفقت استجابات تلك الدوائر على اعتبار الصفقة الانتقالية دليلا على تراجع تصميم الولايات المتحدة على لعب دور ضامن الأمن في المنطقة، وعلى أن القوى الغربية تقبل، ضمنيًّا، مجالا لنفوذ إيران مقابل تنازلات بشأن برنامجها النووي. وفي هذا السياق، يُرَى الوفاق الغربي-الإيراني على أنه أحدث مؤشر للصعود الشيعي على حساب أمن السعودية وقيادتها الإقليمية، بعد ظهور العراق الخاضع لقيادة شيعية، وتنامي نفوذ حزب الله في لبنان، والتدخل الإيراني المفترض في البحرين واليمن، ومساندة طهران لنظام الأسد. وكل ذلك مقابل الانسحاب الأمريكي من العراق، وإعادة التوازن مع آسيا، ورغبة الإدارة الأمريكية في ترك مبارك يسقط في مصر، وترددها في مساندة المعارضة السورية.
إزاء هذا التوتر بين المصالح السعودية والأمريكية، تحركت السعودية باتجاه سياسة خارجية أكثر استقلالا وحزمًا، بعيدًا عن التفضيلات الأمريكية. ومن ذلك: التدخل في البحرين، ومساندة المعارضة السورية بالأسلحة، والسعي لتعزيز قوة درع الجزيرة، إضافة إلى استخدام “دبلوماسية دفتر الشيكات” التقليدية، وتزويد القوات المسلحة اللبنانية بثلاثة مليارات دولار أمريكي، وتعويض مصر عن أي خفض في المساعدات الأمريكية والغربية بعد خلع الرئيس محمد مرسي.
وتُشير هذه التطورات إلى أنه لا ينبغي توقع التزام السعودية بنهج السياسة الأمريكية عند التوصل إلى اتفاقية نووية نهائية مع إيران. ورغم أن المُرجَّح أن تتكيف السعودية، على مضض، مع تلك الصفقة، فإن السعودية تمتلك أوراقًا مختلفة يمكنها استخدامها إذا رأت أن الاتفاقية النهائية ليست في مصلحتها، أو إذا لم يؤدِّ تطبيق هذه الاتفاقية إلى تحولات ملائمة في مواقف إيران من قضايا الاهتمام الأخرى، وضمنها: تقليص الدعم الإيراني لحزب الله، واتباع سياسة أكثر مرونة في سوريا، وكبح ثوران المعارضة الشيعية في دول الخليج العربية.
أكثر هذه الأوراق إزعاجًا، هو سعي السعودية لامتلاك سلاح نووي. ولكن هذا الاحتمال هو الأقل ترجيحًا، بسبب افتقار السعودية إلى البنى التحتية والمعرفة الفنية اللازمتين لذلك. فالبرنامج النووي السعودي الذي يستهدف إنشاء أكثر من اثني عشر مفاعلا نوويًّا، هو برنامج خيالي، ومدني بطبيعته. ولذا لا يوجد أمام المملكة، لامتلاك سلاح نووي، سوى شراء برنامج جاهز من باكستان، لكن إمكانية حدوث ذلك بعيدة.
الورقة السعودية الثانية، وهي الأكثر ترجيحًا، هي تحريك السعودية للصراعات الإقليمية، لكي تعقِّد ظهور وفاق أوسع بين الولايات المتحدة وإيران. وهذا النهج قد يأخذ شكل تمويل الرياض، بجرأة أكثر، للإسلاميين السنة المعادين لوكلاء إيران في مناطق مثل العراق ولبنان وسوريا، إذا رأت الرياض أن مكاسب ذلك تفوق المخاطر الناجمة من تهديد الجهاديين العائدين للأمن السعودي.
رابعًا- خيارات السياسة الأمريكية تجاه الشركاء الإقليميين:
ينبغي أن تبذل الولايات المتحدة جهودًا نشطة لإدارة التحالف مع إسرائيل، وتشجيع تكيفها مع الصفقة النهائية، ومنعها من ممارسة أعمال أحادية لتقويضها. ويشمل ذلك:
• ضمان أمن إسرائيل وتفوقها النوعي إقليميًّا، من خلال تقوية العلاقة العسكرية الأمريكية-الإسرائيلية، خاصةً التعاون الدفاعي الصاروخي.
• إنشاء حوار سياسي واستراتيجي رفيع المستوى مع إسرائيل، لإبقاء قادتها مطلعين على تطبيق الاتفاقية النووية، مع تأكيد الولايات المتحدة أنها جاهزة لإعادة فرض العقوبات وتقويتها ضد إيران إذا انتهكت الصفقة النهائية.
• العمل مع الروس على تثبيط انتقال الأسلحة المعقدة إلى حزب الله، والعمل على إيقاف تدفق الأسلحة إلى الجماعات الجهادية في سوريا.
• تشجيع البوادر الإيجابية الإيرانية تجاه إسرائيل، لتخفيض التوترات بين الدولتين، وتهدئة مخاوف إسرائيل من نوايا إيران.
• إرسال رسائل واضحة للإسرائيليين بأن الولايات المتحدة لن تساند عملا عسكريًّا ضد إيران عقب التوصل إلى تسوية نووية نهائية بالتفاوض.
• رفض أي محاولات لتشريع عقوبات في الكونجرس الأمريكي من شأنها تقويض الصفقة.
أما السعودية، فينبغي على الولايات المتحدة أن تحثها على تطوير بيئة إقليمية مشجعة على الوفاق، ومنع الرياض من تعقيد فرص ترجمة الصفقة إلى وفاق أكبر في القضايا الإقليمية الأخرى. ويمكن أن تشمل الجهود الأمريكية:
• زيادة التعاون الأمريكي-السعودي لضمان أمن السعودية، ويمكن أن يشمل ذلك وضع دول مجلس التعاون بشكل رسمي تحت المظلة النووية الأمريكية.
• منح تأييد دبلوماسي للمبادرات السعودية في القضايا الأخرى ذات الأولوية؛ مثل عملية السلام في الشرق الأوسط.
• إنشاء حوار استراتيجي هادف إلى تعويد الأطراف الإقليميين على فكرة أن أمن الخليج ليس مسألة صفرية، وأن زيادة إحساس إيران بالأمن يمكن أن يُسهم في أمن دول الخليج العربية.
• الإنتاج المتواصل لإجراءات الثقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران، بحيث تصبح التفاعلات بينها روتينية، وتقل فرص حدوث تصعيد غير مقصود.
• إنشاء خط ساخن بين الولايات المتحدة وإيران بخصوص قضايا الأمن البحري للخليج، ويمكن أن يتضمن ذلك أيضًا الشركاء الإقليميين مثل السعودية.
• مشاركة المعلومات حول وضع برنامج إيران النووي مع السعودية ودول الخليج العربية أثناء تطبيق الاتفاقية النهائية وبعده.
Dalia Dassa Kaye and Jeffrey Martini, The Days after a Deal with Iran: Regional Responses to a Final Nuclear Agreement, RAND, 2014.
http://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/perspectives/PE100/PE122/RAND_PE122.pdf
جيفري مارتيني
داليا داسا كاي
عرض : جلال عز الدين
المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية