اكدت عدة تقارير اعلامية غربية على مدى الاشهر الماضية، بذل الحكومة الايرانية جهودا كبيرة لتجنيد مقاتلين من الهزارة –الشيعة الافغان-للانخراط في الحرب الدائرة في سورية لمساندة نظام الاسد هناك، ففي 22 آيار/مايو 2014 نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريرا بهذا الصدد، جاء فيه انه وفقا لمسؤولين أفغان وغربيين فان إيران تجند “الآلاف” من اللاجئين الأفغان للقتال في سورية، وتدفع لكل متطوع راتبا شهريا قدره 500 دولار، مع تأمين الاقامة له، لمساعدة النظام في صد هجمات قوى المعارضة.
وما تزال المعلومات محدودة عن حجم المشاركة الافغانية في الحرب الدائرة في سوريا، فهناك ما يقرب من 2.000 لاجئ معظمهم من الهزارة الافغانية، الذين يعيشون بصورة غير قانونية في سوريا منذ اندلاع القتال في عام 2011، وكثير منهم تقطعت بهم السبل وهم في طريق المغادرة إلى تركيا وأوروبا، ومعظمهم من الذين يعيشون في العاصمة دمشق أو حولها ، وبعضهم يبحثون عن مأوى بالقرب من ضريح السيدة زينب.
وكانت احدى كتائب المعارضة السورية اعلنت عن مقتل عدد من الافغان في منطقة الراموسة غربي حلب في عام 2013، بعيدا عن المزارات الشيعية في العاصمة. وهي ليست المرة الأولى التي يتم فيها تجنيد الأفغان في حروب إيران، ففي الثمانينيات من القرن الماضي قاتل بعض الأفغان في صفوف القوات الايرانية ضد العراق خلال معارك تحرير الفاو، والتي كانت واحدة من اقوى المعارك في الحرب العراقية الايرانية واشدها ضراوة.
ولتأمين وصول المتطوعين الى سورية، فان قوات “الحرس الثوري” الايراني تولت نقلهم عبر العراق ولبنان ومنها الى دمشق، بعد ان جرى تجنيدهم من خلال حملات لدبلوماسيين ايرانيين في كابول، يعملون سرا لاستقطاب شباب الشيعة، ومخاطبة نوازعهم الدينية، وتحريضهم على الآخر الذي يريد النيل من مقدساتهم، ما يستلزم الدفاع عن ضريح السيدة زينب عليها السلام في دمشق، فضلا عن اغرائهم بالمكافآت المالية للانضمام إلى القتال في سوريا.
ومن هنا فان حشد المذاهب والمقدسات، يتلاءم مع الصورة العامة التي تؤطر الاوضاع في المنطقة اعقاب احتلال العراق عام 2003 لتؤثر في الشأن السياسي، وفي المزاج الجمعي، كونها تتحرك بوحي الايمان والاعتقاد، دون ان يخالطها منافس.
وفي خضم الصراع مع تنظيم “داعش”، قيل الكثير عن اساليبه في التجنيد وما يعتمده من تقنيات دعائية متطورة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وجمع التبرعات المالية وتنسيق التحركات العسكرية، ونشر أيديولوجية التنظيم المتشددة بين زوار الشبكات الاجتماعية من أي مكان في العالم. وفي المقابل تشكلت شبكة ايرانية معقدة ومترابطة يراد منها مد الميليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا بالعنصر البشري، والحيلولة دون انهيار نظام الاسد، الذي يشكل بالنسبة لإيران وتداً مهما في استراتيجية التمدد، ومصلحة استراتيجية، لا غنى عنها، ما يستلزم الاعتماد على مفاعيل الطائفة، لتبقى خطوط الاتصال من طهران الى شرق المتوسط، حاضرة في معادلة التفاعلات الاقليمية.
وتقدم المراهنة الايرانية على احداث تغيير في الجغرافيا السياسية للمنطقة، تفسيرا لأبعاد هذا الحشد من مقاتلي الميليشيات الذين تم تجنيدهم، وهو ما عَبَّر عنه بوضوح نائب قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، بقوله: “في العراق، لدينا جيش شعبي متصل بالثورة الإسلامية، ويفوق تعداده حزب الله في لبنان عشرات المرات، فضلاً عن حلقة المقاومة المركزية في سوريا، وعلى الأرض هناك جيش من الناس المعبئين والمرتبطين بالثورة الإسلامية.. إن حاصل هذه المجاهدة العاشورائية من شأنه أن يغير موازين القوى لصالح الجمهورية الإسلامية”
وما كان يمكن أن ينقذ نظام بشار، لولا مشاركة الميليشيات الشيعية في التصدي لهجمات المعارضة، بعد اختناق القدرات العسكرية لقوات النظام بسبب قلة اعداد المقاتلين، رغم امتلاك القوات الحكومية الكثير من الأسلحة والذخائر وقطع الغيار ومن بينها قطع غيار لسلاح الجو، روسية وايرانية الصنع.
ينسجم هذا الامر مع اعتماد النظام بشكل رئيس في القوات المسلحة على مقاتلين من الأقلية العلوية، بالإضافة إلى الحفاظ على حيادية شباب الأقليات الأخرى – خاصة الدروز والأكراد – بعد اتفاقات جرى ترتيبها مع زعاماتهم، لعدم ابداء المعارضة ضد النظام، في مقابل عدم تجنيدهم في الخدمة العسكرية؛ ولذلك، فقد عانى العلويون سقوط قتلى بين صفوف ابنائهم، وتشير التخمينات الى فقدان ما بين 10،000، إلى 30،000 مقاتل علوي في جميع انحاء سوريا.
واجمالا فان تعزيز القوات المسلحة تطلب من نظام الأسد “دعوة” مقاتلين من الخارج،
لأسناد مقاتلي “حزب الله” المدربين تدريبا جيدا، والذين دخلوا سوريا في وقت مبكر من ربيع عام 2012، لينظموا الى المدربين الايرانيين من الحرس الثوري، والميليشيات العراقية، التي اتهمت بارتكاب مجازر ضد المدنيين في منطقة القلمون شمال غربي دمشق في أوائل عام 2014. ويقاتل في سوريا اليوم ميليشيات شيعية يبلغ عدد أفرادها حوالي خمسين ألف مقاتل، ليسوا على كفاءة من حيث القدرة القتالية، أو التسليح. بينما الجماعات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني أو بمنظمات إيرانية هي الأكثر تنظيماً وتسليحاً ولديها أموال طائلة. أما الجماعات العراقية والباكستانية و الأفغانية واليمنية فهي وإن كانت تتلقى الدعم اللوجستي والتسليح الإيراني، إلاّ أنها أكثر من سابقتها من حيث الحماس المذهبي. وجميع هؤلاء المقاتلين هم من الشيعة، الذين يأتون “رسميا”؛ لحماية المراقد الشيعية المقدسة في سورية، دون ان يتم ايقافهم او محاسبتهم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، بل على العكس من ذلك فان الشبكة الميليشياوية التي يتعاظم نفوذها يوما بعد اخر ما تزال بمنأى عن أي ملاحقة جدية، وهو امر من شأنه زيادة حدة الاستقطاب الطائفي في المنطقة.
وقالت الشبكة الاسترالية ABC الاخبارية على موقعها في 6/10/2014 ان منظمة إنجومان اي حيدري الهندية، التي يقودها رجل الدين الشيعي كالبي جواد، أطلقت حملة لتجنيد متطوعين للسفر إلى العراق دفاعا عن المقدسات الشيعية في كربلاء والنجف”.
وقد اجاب هذه الدعوة نحو مائتي الف متطوع، ويوصف زعيمهم جواد، وهو رجل دين متشدد، بحسب برقية مسربة للسفارة الأمريكية في عام 2006 بـ”العامل الرئيس” للنظام الإيراني، ويتلقى دعما شهريا من طهران يصل الى 4.000 دولار لقاء خدماته.
ويلاحظ هارون زيلين Y. من المركز الدولي لدراسة التطرف ان “الجهاديين السنة يأتون في من خلال الشبكات غير الرسمية”، في حين يتطوع الجهاديون الشيعة “من خلال الاجهزة الحكومية التي ترعاها إيران”.
ويمكن القول ان الفيلق الأجنبي المساند للنظام الإيراني في سوريا يقوم بدور ملحوظ في معادلة الصراع السورية، بحكم تنظيمه وقيادته المركزية. حيث يقاتل فيه مسلحون شيعة من المملكة العربية السعودية والكويت وباكستان واليمن والبحرين والصومال وساحل العاج، تركوا اوطانهم الام لحمل السلاح نصرة للمذهب والمقدسات، وهم بذلك يشابهون الجهاديين السنة، الذين يتطوعون من مختلف دول العالم.
وتركز عمليات تجنيد المقاتلين الشيعة بشكل كبير على عرض الملصقات التي تشيد باستشهاد من “يدافع” عن الأماكن المقدسة، حيث انتشرت في كربلاء والنجف أرقام هواتف لاتصال للراغبين في الدفاع عن المقدسات الشيعية. وتشكل الروابط العائلية، عاملا آخرا في عمليات التجنيد، ما دفع مقاتلين صغار السن الى التطوع بفعل هذه الروابط، بالإضافة الى استخدام الشبكة العنكبوتية جنبا إلى جنب مع خطوط الهواتف الساخنة، فمنذ نهاية عام 2012، أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعي تستخدم بشكل متزايد من الجماعات الشيعية في العراق ولبنان، وسوريا. فصفحات الفيسبوك نشرت اعلانات عن التطوع وصورا للمقاتلين، لتشهد استراتيجيات التطوع على شبكة الإنترنت اتساعا، بحيث شملت عمليات جمع التبرعات وتنظيم الرحلات لزيارة الاماكن المقدسة، ومع توسع الجهود العسكرية الشيعية في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، خاصة العراق.
وبالرغم من وجود مرتزقة ضمن الفصائل الشيعية المقاتلة فان نسبة كبيرة من المتطوعين تأثروا بالأعلام الطائفي في المساجد والحسينيات إلى الفضائيات إلى المجلات والصحف، ووفقا لتقديرات اسرائيلية كتب مئير عميت من مركز المعلومات حول الاستخبارات والارهاب، عن تورط مقاتلين أجانب من الشيعة في سوريا، لخلق شبكات من مقاتلين يمتلكون الخبرة حيث يجري إعادة توزيعهم مع تطور الاوضاع في ساحات القتال، وبالتالي اظهار قدرة طهران على حشد الفيلق الأجنبي كلما وحيثما تتعرض مصالحها للخطر.
وبعبارة اخرى فان تشكيل قوة شيعية متعددة الجنسيات تقاتل ضمن اطار حرب العصابات التي ترعاها إيران، يعد انتصارا لطهران في العراق وسورية. كما يسد نقصا على المستوى البشري، حيث لم تجد محاولات نظام الاسد نفعا في إغراء الشباب للقتال ويواجه الأسد حملة عصيان من المواطنين في المناطق التي يسيطر عليه حتى أبناء الطائفة الشيعية التي ينتمي لها، والتي خرجت في عدة فاعليات للمطالبة برحيله.
وليس بمقدورنا التعويل على الاعتبارات الطائفية التي تستند اليها ايران لتجنيد المتطوعين في سورية، إذ تعد المصالح القومية العليا، المحرك الرئيس للاستراتيجية الايرانية، وما تسويق المذهبية وادعاءات الحفاظ على الطائفة، الا محاولة لكسب دعم الشيعة في العالم، ليكونوا احدى ادوات التمدد الايراني في المنطقة. ويسجل هنا نجاح ايراني، يتبدى بتقديم طهران نفسها على انها حامية للتشيع ومدافعة عن الشيعة، ما ترك اثاره على النسيج الوطني الواحد، ليتحول مواطنو دول اخرى رصيدا حركيا وعسكريا وسياسيا، في حركة السياسة الخارجية الايرانية. وبعيدًا عن الجدل حول كيفية ضمان الوحدة الوطنية؛ يطرح سؤال آخر حول الوسائل المتاحة للحد من وسائل الجذب المذهبي من خلال برنامج شامل يعيد بناء الشخصية الوطنية ويستجيب لمطالبها المشروعة.
وحدة دراسات الاقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية