بالرغم من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لم يركز في حملته الانتخابية على اليمن، سوى بعض التصريحات التي أطلقها بخصوص الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وأكد فيها على أن بلاده أن بعيدة عن الصراع فيها، بوصفه لا يمثل خطراً مباشراً على الأمن القومي الأمريكي. وبما أن السياسة والمصالح رمال متحركة لا تعرف الثبات توصل محللون في السياسة الخارجية الأمريكية إلى استنتاج مفاده: أن الحرب في اليمن ستكون المحك والاختبار الحقيقي لإدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب رغم أهمية وخطورة صراعات أخرى في المنطقة مثل الحرب في العراق وسوريا وليبيا، فالحرب في اليمن ستوفر فرصة لالتقاط رؤية واضحة للسياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأربع المقبلة وفرصة أخرى لاستكشاف هوية الجماعات الاستشارية التي سيستمع لها الرئيس الأمريكي الجديد، هل سيميل، على سبيل المثال، إلى التيار البراغماتي الذي كان يمثله في الإدارة الأمريكية مستشار السابق للأمن القومي الأمريكي مايك فلين، وهو تيار يركز على محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة أم سيميل ترمب أكثر إلى تيار المحافظين الجدد -مثل السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة جون بولتون- الذين يرون في النفوذ الإيراني تهديدا رئيسيا للاستقرار الإقليمي؟
فمنذ تسلم دونالد ترمب منصبه في 20 كانون الثاني/ يناير العام الحالي، صعدت الإدارة الأمريكية ضرباتها ضد تنظيم القاعدة في اليمن حيث شنت الأسبوع الماضي وحده 40 غارة على الأقل ضد مواقع في أبين وشبوة في الجنوب ومحافظة البيضاء في الوسط، ضمن مواجهة عسكرية حاسمة تبدو في ظاهرها تستهدف تنظيمي القاعدة وداعش، فيما تستهدف بين طياتها أيضا النظام الإيراني الذي يرتكز تواجده في اليمن على الفوضى الشاملة في البلاد. فقد كان قرار مضاعفة عدد القوات الأميركية والضربات العسكرية في اليمن من أولى القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترمب فور تسلمه منصبه. فإثر ذلك أعلنت القوات الأميركية حربا مفتوحة على التنظيم الذي لم يلتقط بعد أنفاسه من ضربات التحالف العربي والقوات اليمنية، حتى جاءت التطورات العسكرية الأخيرة لتصيبه بحالة هستيرية.
إن استجابة إدارة دونالد ترمب للحرب في اليمن من وجهة نظر المحللين السياسيين ستروى الكثير عن مسار السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب في السنوات المقبلة، ووفقا لاستنتاجات الخبراء في الولايات المتحدة فإن ترمب سيجد نفسه مضطرا لاتخاذ موقف حاسم تجاه وجهات النظر المتباينة حوله فهو أمام خيار مواصلة دعم المملكة العربية السعودية في محاولتها وقف النفوذ الإيراني في اليمن والمشرق العربي أو اتخاذ تدابير من شأنها التركيز على محاربة الجماعات المتشددة، وفي جميع الأحوال، ينبغي على ترمب إنهاء الحرب هناك وإظهار نوع من القدرة والقيادة على معالجة الصراعات التي تتطلب حسابات واقعية وردود متوازن. لذا ستكون اليمن ساحة دونالد ترمب لمحاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني فيه.
وبما ينسجم مع هذه الرؤية التحليلية ذهبت جماعة بحثية سياسية بالقول: أن إدارة الرئيس دونالد ترمب بدأت خطوات تصعيدية ضد ميليشيات «الحوثيين» المدعومة من النظام الإيراني في اليمن، كجزء من خطة أوسع لمواجهته عبر استهداف حلفائها. ومن أجل ذلك أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية المدمرة «كول» قبالة الساحل اليمني لحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب، لأن توسع الحوثيين وامتداد وجودهم غرباً بالقرب من مضيق باب المندب، الذي يعد مدخلاً إلى البحر الأحمر، يمثل تهديداً محتملاً لنحو 8% من التجارة العالمية التي تمر عبر قناة السويس، والذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي”. ووفق هذه الرؤية التحليلية فإن إدارة الرئيس دونالد ترمب قد تنخرط في شكل مباشر في قتال الحوثيين إلى جانب حليفيها السعودي والإماراتي والقيام بعمل قوي جداً ضد النظام الإيراني في اليمن، فسياسة ترمب هذه هي امتداد ــ صريح ــ للسياسة الغربية التي ترى في اليمن ساحة نفوذ طبيعي للمملكة العربية السعودية، وهي ضرورية للحفاظ على توازن الصراع الإقليمي الحالي بما يخدم المصالح الغريبة في المنطقة، خاصة وأن روسيا تبدو غير ممانعة وليست لديها مصالح تذكر في اليمن وهو أمر يختلف عن الوضع في سورية.
وترى تلك التحليلات أيضًا أن مساعدي دونالد ترمب يرون في اليمن ساحة مهمة لإظهار تصميم الولايات المتحدة في مواجهة النظام الإيراني، ولتغيير ما يعتبرون أنه فشل إدارة باراك أوباما في التصدي لتنامي القوة الإيرانية في المشرق العربي. الفارق بين ردة الفعل الأمريكية أثناء إدارة أوباما والإدارة الحالية جليّ. فحين جرت محاولتين فاشلتين لاستهداف مدمرة أمريكية اكتفى الأمريكيون بعملية عسكرية بسيطة وهي ضرب الرادارات، بعد ثاني استهداف وبدون أي ضجيج إعلامي. أما الآن، ومع الاستهداف “الناجح” لفرقاطة سعودية، فقد صدرت تصريحات شديدة اللهجة من البنتاغون تجاه النظام الإيراني والحوثيين، اعتبرت هذه العملية خطيرة على المنطقة لأنها تستهدف سفناً في منطقة بحرية مكتظة، مضيفة أن الهدف منها قد يكون سفناً أمريكية.
فقد كانت سياسة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما السابقة تميل لدعم “التحالف” مع شعور بالحرج من الكلفة البشرية للقتال في اليمن. لكن هذا الشعور تلاشى مع الإدارة الجديدة التي يغلب عليها شخصيات ذات خبرة سابقة في شركات النفط مثل وزير الخارجية الذي كان يعمل في شركة إكسون موبيل وكان مدير للشركة في اليمن ببداية تسعينات القرن الفائت. إضافة للمصالح التجارية الكبرى التي تربط دونالد ترمب ببعض رجال الأعمال الخليجين، مما قد يفسر تصاعد الدور الإماراتي باليمن، ومشاركة قواتها في الإنزال الجوي الأمريكي الأخير وكذلك المشاركة الواسعة لقواتها ولحلفائها الجنوبيين في عملية القتال الجارية بسهل تهامة.
فعقب فوز دونالد ترمب بالرئاسة، كتب مارك ريفكين وأحمد مهيدي، في مجلة “شؤون دولية” الأميركية، أن “الجهاديين مبتهجون بتولي ترامب سدة الرئاسة، حيث يعتقدون أنه سيقود الولايات المتحدة إلى مسار تدمير نفسها”، لكن الأخبار القادمة من اليمن لا تحمل بشائر خير للتنظيمات المتطرفة. وكشف تقرير مجلس الأمن عن تعرض تنظيم القاعدة في جزيرة العرب طوال عام 2016 إلى أكثر من 30 ضربة أميركية بالطائرات دون طيار ما تسبب في مقتل 139 فردا. ويرشح أن ترتفع الخسائر في صفوف القاعدة بعد أن نشرت واشنطن مجموعات صغيرة على الأرض للمساعدة في العمليات العسكرية التي تستهدف التنظيم. يبدو اليمن مثاليا لتنفيذ ترمب تعهّداته ولتحقيق نصر على المخاطر الرئيسية الثلاثة في أجندته: داعش والقاعدة والنظام الإيراني.
فدوافع ترمب للبداية من اليمن في مواجهة النظام الإيراني قد تكون متعددة، أبرزها أن مواجهته في اليمن ستكون بالنسبة الى الإدارة الأمريكية أقل تعقيدا من مواجهتها في العراق أو سوريا حيث يكثر اللاعبون وتتضارب المصالح أو تتداخل. فاليمن ساحة يسهُل فيها استعراض قوته ضدّ النظام الإيراني. الذي لن يخسر شيئاً حقيقياً بخسارة اليمن، إضافة لأن أي تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد الحوثيين يسهل تسويقه للإعلام ولجمهور ترمب كعملية قتال ضد النظام الإيراني، مما يعطي مؤشراً على أن ترمب وفى بوعوده الانتخابية في كسر شوكته، ولم يكن تصعيده ضده خطابياً فقط. بينما ستظل حالة الصراع الطائفي- الإقليمي دائرة دون نهاية، مدمِّرة أكثر من بلد في المنطقة. وربما في سواها من بعد ذلك. فثمة مخاوف من أن تؤدي المقاربة القاسية للوضع اليمني إلى رد فعل إيراني ضد الولايات المتحدة في العراق وسورية. أو حتى الدخول في حرب شاملة مع النظام الإيراني.
وحدة الدراسات الخليجية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية