دمشق – تشهد الساحة السورية تطورين مهمين، الأول هو استعدادات تركية حثيثة للدخول إلى محافظة إدلب وفق اتفاق مع روسيا وإيران في أستانة، والثاني -وهو لا يقل أهمية عن الأول- هو عبور الجيش السوري إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، في تأكيد جديد على أن الكلمة الفصل في هذا البلد تعود إلى روسيا.
وتؤكد مصادر ميدانية أن تركيا تحشد قوات لها على الحدود مع سوريا للدخول إلى إدلب، هذه المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد والتي تسيطر على معظمها جبهة فتح الشام (النصرة سابقا).
ويأتي هذا التدخل بعد اتفاق روسي تركي إيراني جرى في العاصمة الكازاخستانية الأسبوع الماضي يقضي بإقامة منطقة خفض تصعيد في إدلب، هذه المحافظة التي لطالما شكلت مشكلة حقيقية بالنظر إلى أنها معقل رئيسي لفصائل إسلامية، إلى جانب النصرة.
وشهدت العلاقة بين تركيا من جهة وروسيا وإيران من جهة ثانية تحولا واضحا ساهم فيه بشكل واضح غضب أنقرة على الجانب الأميركي المراهن على أكراد سوريا، فضلا عن أن ما يحدث في إقليم كردستان العراق وتوجهه نحو إجراء استفتاء لتقرير المصير يعزز حجم التقارب خاصة بين طهران وأنقرة ويدفعهما إلى التعاون بينهما في سوريا أو العراق، باعتبار أن التهديد الكردي صار مشتركا.
ويقول العميد الركن مصطفى الشيخ لـ”العرب” تركيا هي جزء من تفاهمات أستانة وهناك تفويض روسي وإيراني لهذه المهمة، فخروج النصرة من سوريا أو تفكيكها يصب في مصلحة كل هذه الدول.
ويوضح مصطفى الشيخ “هناك ضوء أخضر من الطرفين الروسي والإيراني لتنظيف مناطق النصرة وبعدها ستشارك روسيا عبر الشرطة العسكرية وربما إيران عبر إرسال مراقبين إلى المناطق المحاذية لسيطرة النظام، بينما تبقى المناطق التي يتم تحريرها من النصرة بيد الفصائل المحسوبة على الأتراك.
مصطفى الشيخ: هناك ضوء أخضر روسي إيراني لتركيا لتنظيف إدلب من النصرة
وتمر النصرة هذه الأيام بأحلك فتراتها حيث تتعرض قياداتها لعمليات اغتيال ممنهجة، فضلا عن أن التحالف الذي شكلته تحت مسمى “هيئة تحرير الشام” بدأ يتفكك بعد خروج جيش الأحرار وقبلها فصيل نورالدين الزنكي.
ويعتقد أن تركيا التي لها نفوذ واضح في إدلب خلف ما تتعرض له النصرة، وليس ذلك غريبا لجهة أنها التي شكلت ودعمت هذا التنظيم الجهادي لتحقيق أهدافها في البلد الجار وبالتالي تدرك مكامن ضعفه وقوته.
وهذه ليست المرة الأولى التي يدخل فيها الجيش التركي إلى سوريا فقد سبق وأن شن عملية في محافظة حلب حملت اسم “درع الفرات” بيد أنها فشلت لسبب بسيط ألا وهو أن تلك العملية تمت بشكل انفرادي ولم تحظ بدعم روسي أو أميركي كاف، ما دفع إلى إنهائها دون تحقيق هدفها الأصلي وهو وقف التمدد الكردي.
ويقول مراقبون إن السبب الذي يقف خلف الرغبة التركية في الانخراط بقوة في تفاهمات مع الجانبين الروسي والإيراني هو أنها تريد الحصول على موطئ قدم من شأنه أن يؤمن لها القدرة المثلى على مواجهة طموحات وحدات حماية الشعب الكردي.
ويشير هؤلاء إلى أن ما يطلقه النظام السوري حول وجود اعتراض أو تحفظ على الوجود التركي في إدلب رغم دعم حليفيه لا يعدو كونه ذر رماد على العيون.
ويقول في هذا الصدد نواف خليل الباحث في الشأنين السوري والكردي لـ”العرب” “إن النظام يحاول إرضاء أنصاره أو ما تبقى من قاعدة المؤيدين له إعلاميا بهكذا تصاريح”.
ويتفق مصطفى الشيخ مع خليل حيث يرى أن “امتعاض النظام من أجل الاستهلاك الداخلي وليرسل رسائل إلى جمهوره بأنه لا يزال يحكم ولكنه مدرك تماما أن من يدخل تركيا أو يخرجها من سوريا هو روسيا”.
ويلفت العميد إلى أن تركيا باتت تتحرك ضمن الحلقة الروسية بعد أن نبذها الأميركيون وأي محاولة منها للانقلاب على التفاهمات الروسية ستجد نفسها بدون غطاء.
وتعتبر روسيا الطرف الأقوى بلا منازع في المعادلة السورية حاليا، وهذا لا يظهر فقط في فرض اتفاق إدلب وقبلها الجنوب والغوطة، بل وأيضا في العمليات الجارية شرق سوريا.
وتمكن الجيش السوري الاثنين من عبور الضفة الشرقية من نهر الفرات، في ظل انكفاء الطرف الكردي بعد ضربة جوية تعرضت لها قوات سوريا الديمقراطية مؤخرا واتهمت فيها الجانب الروسي بالوقوف خلفها، رغم نفي الأخير. وتسعى القوات السورية إلى حصار مقاتلي داعش في الجزء الشرقي من المدينة.
وسبق أن حذرت قوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة الجيش من التقدم باتجاه هذا الشطر، بيد أن الضربة الجوية التي تعرضت لها الأسبوع الماضي وأسفرت عن إصابات كانت رسالة روسية تفيد بأنه ليس بمقدورها منع هذا التقدم، وهذا ما يفسر أيضا اكتفاء القوات ذات الغالبية الكردية بالنقاط التي حررتها من داعش في الأيام الماضية.
العرب اللندنية