في حديثه إلى “العربي الجديد”، يوضّح بونوا ريميش، المدير الفني للمعرض، أنه خلال تلك الفترة “كان الجرح قوياً لذا ارتأينا أنه من الأفضل الانتظار لفترة أطول، حتى يكون الناس أكثر تقبّلاً”، مضيفاً: “ليس المقصود من هذا المعرض أن نقول للمواطنين كيف يجب أن ينظروا للثقافة العربية الإسلامية. فما نريده ببساطة هو التذكير بأن الإسلام والمسلمين تركوا لنا تراثاً مهماً منذ قرون”.
في سبيل هذا الهدف، تعرض مجموعة من الأعمال والمنتجات وبمشاركة حوالي عشرين فناناً، وهي معروضات تمكّن الزوار من إعادة اكتشاف تأثير الإسلام على الثقافة الأوروبية.
من جهته، يقول إيلي برنافي، رئيس اللجنة العلمية للمعرض إن “الإسلام هو جزء من الحمض النووي الأوروبي. ونحن نرى ذلك كل يوم من خلال العمارة والعادات الغذائية والموسيقى على سبيل المثال”.
ويعد القرار الأولي ببدء رحلة المعرض من بروكسل، قبل انتقاله إلى عدد من المدن الأوروبية، ذا أهمية رمزية. فـ”بروكسل هي حقاً مدينة متعددة الثقافات ونريد أن تستمر كذلك. يجب أن يسمح هذا المعرض للزائر بأن يطرح الأسئلة الصحيحة. يجب أن يعزّز الحوار ويكون فرصة للتفكير”، كما تقول كارين لالو، عضو بلدية مدينة بروكسل والمكلفة بشؤون السياحة والثقافة، لـ “العربي الجديد”.
يتمنى المنظمون أن يسهم هذا الحدث في “كسر الأفكار النمطية عن الإسلام والمسلمين وتغيير مواقف جزء من المواطنين”، وهو ما يذكره رئيس مقاطعة بروكسل رودي فيرفورت، حيث يقول: “إنه لأمر جيد لجميع الاتجاهات الدينية أو الثقافية. فإرث الإسلام في ثقافتنا هو موضوع مهم بالنسبة لمنطقة بروكسل”، مضيفاً: “بالنسبة لنا، الاعتراف الحقيقي بنجاح هذه المبادرة هو أن يأتي شباب من حي مولنبيك، الذين لم يعتادوا بشكل خاص على زيارة المعارض، على سبيل المثال، ويخرجون بشكل من الافتخار مضمونه: كل هذا هو أيضاً من إسهامنا في هذا التاريخ وفي هذه الحضارة”.
يتكوّن معرض “الإسلام جزء من تاريخنا أيضاً” من ثلاثة طوابق، وهو يدعو زوّاره لاكتشاف العلاقات المتشابكة بين الثقافات العربية الإسلامية والأوروبية. وذلك من خلال أعمال فنية قديمة أو معاصرة، وورش عمل، ومؤتمرات، وأفلام، وحتى حفلات موسيقية. وهكذا يستخدم هذا المعرض كل الوسائل الممكنة لتسليط الضوء على التراث الذي خلّفه العالم العربي الإسلامي في المجتمعات الأوروبية.
في هذا السياق، يقول ريميش (المدير الفني للمعرض): “في بلجيكا، على سبيل المثال، لا يبدأ وجود الثقافة الإسلامية بهجرة المغاربة والأتراك في القرن العشرين، بل قبل ذلك بكثير. والزوار مدعوّون إلى اكتشاف ذلك في هذا المعرض” مذكراً بأن “هذا التراث واضح في جنوب أوروبا خصوصاً على المستوى المعماري، وهو ما يمكن للزائر أن يكتشفه بنفسه من خلال سلسلة من الصور المعروضة، لكن في دول شمال القارة يجب البحث أكثر لمعرفة أصول هذه العلاقات القديمة”.
يضيف ريميش: “نريد إبراز الطابع متعدد الثقافات لأوروبا، وبروكسل على وجه الخصوص. من خلال المؤتمرات وورش العمل، نريد الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس، من مختلف الأعمار ومن جميع الطبقات الاجتماعية”.
ينقسم المعرض إلى ثلاثة محاور: التراث العربي والتراث العثماني وتأثير الدول المستعمَرَة على ثقافة المدن الكبرى. الجزء الأول منه أُنشئ على شكل مكتبة واسعة تكشف عن مختلف أصول المعرفة التي وصلت إلى أوروبا بفضل العرب عبر الأندلس: الهندسة المعمارية والفلسفة والطب والفلك.
يقول إلياس، وهو طالب في إحدى الثانويات البلجيكية كان يزور المعرض: “في الواقع، إذا اعتمدنا على ما قيل لنا في المدرسة، فإننا كنا نعتقد بأن الآخرين هم الذين اخترعوا كل شيء. ولكن المعرض أبرز لنا أننا أيضاً ساهمنا في هذه الاختراعات”.
كما نجد مجموعة من الأزياء التقليدية وقطعاً أثرية قديمة بالإضافة إلى خيمة أمازيغية، وبعض المقتنيات التي تستحضر إرث الإمبراطورية العثمانية، فضلاً عن الخيال الاستشراقي الذي ألهم دائماً الفنانين والكتّاب. عن ذلك يعلّق ريميش: “هدف المعرض هو أيضاً إثبات مدى الاختلاط في أوروبا على مدى العصور، فلم يكن هناك أبداً شعب أصلي”، ومن جهته يعبّر برنافي (رئيس اللجنة العلمية للمعرض) عن هذا الاختلاط بمثال لعبة الشطرنج التي “تم اختراعها في الهند. لكن العرب هم الذين جلبوها إلى أوروبا”.
يمكن للزوار أيضاً الاطلاع على تفاصيل حول التراث الحضاري المشترك المعاصر، من ذلك أن مصمّم الملابس الفرنسي إيف سان لوران كان يذهب مرّتين في السنة إلى المغرب لرسم منتجاته الجديدة كما يذكر دليل المعرض.
وقد تم اختيار أعمال خمسة عشر فنانا معاصراً للتعبير عن خمسة مواضيع ترتبط بالعلاقات بين العالمين الإسلامي والأوروبي، هي: الهجرة، وبين عالمين، ووزن التقاليد، وحرب يوغوسلافيا السابقة وأخيراً العيش معا.
بعض الأعمال أثارت نقاشات بين الزوّار، فيما تنتهي الزيارة بمزيج موسيقي يذكّر الكثير من الزوار المغاربة بقطع موسيقية تقليدية تسمع أحياناً في حفلات الزفاف. عن ذلك تعلّق شيماء، وهي زميلة إلياس في المدرسة الثانوية، “أعترف أنه في البداية كنت أتوقّع معرضاً مملاً بعض الشيء. لكن وجود صور كثيرة وجميلة وإبداعات مختلفة جعل الزيارة مثمرة”.
ويأمل إلياس، من جانبه، أن يساهم المعرض في تغيير النظرة عن الإسلام والمسلمين. يقول “الكثير من الناس يحكمون علينا حالياً دون معرفة أي شيء عن ديننا. من الجيد أن يكون هناك مثل هذا المعرض. إذ يمكن أن يساعد الآخرين للتعرّف علينا”. فيما تعتقد سلوى، الطالبة أيضاً، من جانبها أن “هناك مواطنين منفتحين وفضوليين يريدون اكتشاف هذه الأشياء عن الإسلام. ولكن بالنسبة لآخرين، فإن فقط كلمة إسلام على الملصق قد تدفع بهم إلى النفور من زيارة المعرض”.
وتضيف في حديثها إلى “العربي الجديد”: “في المدرسة، لا نتحدث سوى عن الرومان والإغريق. ففي العام الماضي، مثلاً، تحدثنا قليلاً عن تاريخ الإسلام، في حين أن تاريخ العصر الوسيط درسناه خلال أشهر. لقد اكتشفنا في المعرض أشياء كثيرة لم يحدثنا عنها أساتذتنا..”.
محاولة نطق بشكل صحيح
يخصّص معرض “الإسلام جزء من تاريخنا أيضاً” جزءاً من أروقته للتذكير بالكلمات المستمدة من اللغة العربية، والتي تنتشر في اللغات الأوروبية، خصوصاً في مجال الأغذية القادمة من شمال أفريقيا، ولكن أيضاً في علم الفلك أو الفلسفة وتأثير هذه الكلمات على الثقافة الأوروبية. إذ تظهر على إحدى شاشات التلفزيون كلمات مكتوبة باللاتينية لكنها من أصول عربية ويتسلى الزائرون بمحاولة نطقها بشكل صحيح.
لبيب فهمي
صحيفة العربي الجديد