تصاعد اتجاه داخل دول الإقليم للإفادة من احتياطيات الغاز والنفط الصخري المتراكمة لديها في محاولة لمواجهة أزمات الطاقة الناجمة عن تضاعف معدلات الاستهلاك وثبات الموارد والتقلبات في أسعار النفط، بيد أن التداعيات البيئية والمجتمعية لعمليات استخراج الغاز الصخري أدت إلى اندلاع مظاهرات واسعة النطاق في بعض الدول، لا سيما الجزائر التي شهدت تواصل العصيان المدني في ولايات الجنوب خاصةً في ورقلة وعين الصالح على مدار الأشهر الثلاثة الماضية احتجاجًا على أنشطة استخراج الغاز الصخري، وهو ما يزيد من احتمالات ظهور تهديدات جديدة للأمن والاستقرار في دول الإقليم نتيجة التوسع في الاعتماد على الغاز والزيت الصخري.
انتشار عالمي:
لم ينقطع الجدل العالمي حول استخراج النفط والغاز الصخري باعتباره أحد أهم بدائل الطاقة التي باتت تعتمد عليها بعض الدول في الاستهلاك المحلي في ظل تذبذب أسعار مصادر الطاقة التقليدية واحتمالات تعرضها للنضوب والاستنزاف نتيجة تصاعد معدلات استهلاك الطاقة، إذ يعد النفط والغاز الصخري نوعًا غير تقليدي من مصادر الطاقة يتواجد داخل الأحواض الصخرية الرسوبية على أعماق بعيدة، وهو ما يتطلب توظيف تكنولوجيا التكسير الهيدروكلوريكي التي تقوم على ضخ المياه والرمال والكيماويات داخل الصخور لاستخلاص النفط أو الغاز من داخلها.
وقد تصدرت الولايات المتحدة الدول التي تعتمد على الغاز الصخري وأنتجت ما لا يقل عن 33 مليار قدم مكعب من الغاز الصخري في عام 2014 تمثل حوالي 40% من إنتاجها من الغاز الطبيعي وفق تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الصادر في نوفمبر 2014 مما قد يؤهلها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز وربما التصدير بحلول عام 2020. كما اتجهت الصين لزيادة استثماراتها في الغاز الصخري إلي حوالي 20 مليار يوان لاستغلال 54 حقل غاز صخري محتمل، حيث تجاوز الإنتاج الصيني من الغاز الصخري بنهاية العام الماضي 1.5 مليار متر مكعب مما يمثل سبعة أضعاف الإنتاج عام 2013، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج بنهاية عام 2015 إلى حوالي 6.5 مليار متر مكعب، أما كندا فقد وصلت معدلات الإنتاج بها حوالي 3 مليار متر مكعب من الغاز الصخري.
وعلى مستوي آخر، بدأت بعض دول العالم تعزيز جهودها لاستخراج الغاز الصخري، حيث أعلنت شركة “توتال” الفرنسية، في عام 2014، عن سعيها للاستثمار في الغاز الصخري في شمال بريطانيا في ظل وجود احتياطات تقدر بحوالي 1300 تريليون قدم مكعب من الغاز ودعم الحكومة البريطانية لاستخراج احتياطات الغاز الصخري لسد الاحتياجات المحلية المتصاعدة من الغاز.
ويرتبط هذا الاتجاه للإفادة من الغاز الصخري بوجود احتياطيات هائلة غير مستغلة من النفط الصخري والغاز الصخري في مختلف دول العالم وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية والتي وصلت إلي حوالي 345 مليون برميل من النفط وحوالي 7201 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهو ما يمثل 10% من إجمالي الاحتياطيات العالمية للنفط وحوالي 32% من الاحتياطيات العالمية للغاز.
تصاعد إقليمي:
لم تكن دول الإقليم بمعزل عن الاتجاهات العالمية سالفة الذكر، حيث اتجهت دول عديدة بالإقليم لمحاولة استغلال الاحتياطيات من الغاز الصخري باعتبارها أحد مصادر الطاقة المستقبلية المتاحة في حالة تراجع احتياطيات النفط والغاز، فوفقًا لبيانات الإدارة الأمريكية لمعلومات الطاقة في عام 2014، تتمتع دول الشرق الأوسط باحتياطيات كبيرة من النفط والغاز الصخريين قد تمثل مصدرًا محتملا للطاقة مستقبلا.
فقد حددت مصر، في مطلع مارس 2015، سعراً للغاز الصخري المستخرج من أراضيها يقدر بحوالي 5.45 دولار لكل مليون وحدة حرارية، بعد أن تعاقدت مع شركتي “أباتشي” الأمريكية و”شل مصر” على استخراج الغاز الصخري من ثلاثة مواقع بالصحراء الغربية على أعماق 14 ألف قدم باستثمارات تتراوح بين 30 و40 مليون دولار.
وفي السياق ذاته، أكد الرئيس التنفيذي لـ”الشركة القابضة للنفط والغاز” البحرينية، في 11 مارس 2015، على أنه لدى البحرين برنامجًا لاستكشاف الغاز الصخري في حقل البحرين، حيث يتم الحفر إلى مستويات عميقة جدًا تصل إلى 16 ألف قدم، وقد منحت البحرين شركة “أوكسي” عقد امتياز للتنقيب عن الغاز الصخري ووصل إلي مراحل متطورة لاستكشاف الاحتياطيات المتاحة من الغاز الصخري، كما قررت شركة “أرامكو” السعودية، في مطلع فبراير 2015، زيادة استثماراتها في عمليات استخرج الغاز الصخري بصحراء الربع الخالي والمنطقة الجنوبية ومناطق الشمال الغربي للمملكة لتصل إلي حوالي 7 مليار دولار.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن بداية الاستثمار في الغاز الصخري بالسعودية ترجع إلي مارس 2013 حينما تم الإعلان عن خطط لحفر 7 آبار لاستخراج الغاز الصخري بالمملكة ووجود احتياطيات غير مثبتة بالمملكة تقدر بحوالي 600 تريليون قدم مكعب وهي احتياطيات يمكن الإفادة منها خاصة في ظل وصول استهلاك الكهرباء إلي 49 جيجاوات، ومن ثم سعت “أرامكو” لإنتاج 200 مليون قدم مكعب من الغاز بحلول عام 2018 تستخدمها لإمداد الطاقة لمحطة كهرباء جديدة تصل طاقتها لحوالي 1000 ميجاوات ومشروع فوسفات جديد في مدينة وعد الشمال التعدينية.
أما المغرب فقد بدأت في استكشاف احتياطيات النفط والغاز الصخري بمنح خمس شركات عالمية في مقدمتها شركة “شل” تراخيص التنقيب والاستكشاف منذ مارس 2013، حيث قدر المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن الصخر الزيتي في المغرب بما يعادل حوالي 50 مليار برميل من النفط تتركز في الجنوب بالمناطق المحاذية للحدود الجزائرية المغربية وفي الغرب بمحاذاة جبال أطلس، كما بدأت شركة “سوناطراك” الجزائرية في حفر عدة آبار استكشافية للغاز الصخري في مدن عين الصالح وورقلة منذ ديسمبر 2014، وهو ما أثار احتجاجات شعبية غير مسبوقة في الجزائر.
وفي الإطار ذاته، وقعت الأردن، في مارس 2014، اتفاقًا بلغت قيمته حوالي ملياري دولار مع “الشركة السعودية للصخر الزيتي” لاستخراج النفط الصخري المتواجد بوسط وجنوب الأردن، حيث ستبدأ الشركة في دراسة احتياطات النفط الصخري بمنطقة عطارات أم الغدران وبدء الإنتاج بحلول عام 2017، كما أكد نضال الحافظ القيادي السابق بسلطة المصادر الطبيعية الأردنية على وجود احتياطيات تقدر بحوالي 61 تريليون قدم مكعب في الأردن تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 469 مليار دولار.
أما إسرائيل فبدأت في استكشاف الاحتياطيات من الغاز الصخري في عام 2006 ببدء بعض العمليات الاستكشافية في حيفا وأشدود وصحراء النقب، وفي عام 2011 بدأت “مبادرة إسرائيل للطاقة” وشركة “جيني” للطاقة في العمل بمنطقة شيفيل للبحث عن النفط الصخري، حيث من المتوقع أن تبدأ الإنتاج بحلول عام 2017، بينما تعمل شركات أخري في صحراء النقب وإقاليم ميشوم روتن وأورنون لاستكشاف احتياطيات النفط الصخري.
التهديدات السياسية:
علي الرغم من المنافع الاقتصادية الناتجة عن استغلال الغاز الصخري، إلا أن استغلاله ينطوي على عدة مخاطر بيئية يتمثل أهمها في استنزاف الموارد المائية العذبة اللازمة لعملية تكسير الصخور وإصابة طبقات الأرض بالخلل مما يتسبب في تكرار حدوث زلازل تتراوح قوتها ما بين 2 إلي 5 درجات، فضلا عن التلوث البيئي الناجم عن التخلص من مخلفات الاستخراج، حيث لا تصبح المناطق التي يتم منها استخراج الغاز الصخري صالحة لإقامة السكان في مرحلة لاحقة بسبب انتشار التلوث الكيميائي، ومن ثم تثير هذه التداعيات مخاوف مجتمعية قد تتحول إلي ضغوط سياسية على نظم الحكم لمنعها من التوسع في استكشاف الغاز الصخري، وفي هذا الإطار تتمثل أهم التداعيات السياسية لاستخراج الغاز الصخري فيما يلي:
1- العصيان المدني: تشهد الجزائر، منذ مطلع يناير 2015، احتجاجات متصاعدة في مدن ورقلة وعين الصالح وصلت إلي حد الاعتصام في الميادين العامة والعصيان المدني، والاشتباكات مع قوات الشرطة التي كان آخرها في مطلع مارس 2015، حيث أسفرت الاشتباكات وأعمال العنف عن إصابة 40 شرطيًا جزائريًا، وعلي الرغم من وساطة بعض قيادات الجيش لتهدئة المتظاهرين، إلا أن الاحتجاجات تصاعدت، في منتصف مارس الجاري، نتيجة عمليات الحشد التي قادتها اللجنة الشعبية لمناهضة الغاز الصخري.
2- تسييس الحركات البيئية: تؤدي عمليات استخراج الغاز الصخري إلى تسييس دور التنظيمات والحركات البيئية على الرغم من أن دورها يفترض أن يقتصر على أنشطة التوعية لحماية البيئة، إلا أنها تتحول نتيجة السياسات الحكومية لحركات احتجاجية تقود وتنظم الاحتجاجات المناهضة لسياسات الطاقة الخاصة بالدولة، حيث تكشف الخبرة الإسرائيلية عن أن التظاهرات المناهضة للغاز الصخري التي امتدت بين عامي 2012 و2013 قادتها منظمات من قبيل “اتحاد إسرائيل للدفاع عن البيئة” و”تجمع حماية الطبيعة في إسرائيل” و”التحالف الصهيوني للخضر”، على غرار الاحتجاجات التي شهدتها منطقة “أدولام” التي تتركز بها بعض عمليات استكشاف الغاز الصخري، والأمر ذاته ينطبق على اللجنة الشعبية لمناهضة الغاز الصخري في الجزائر والتنظيمات الحقوقية، ولا ينفصل ذلك عن دور التنظيمات الحقوقية في تونس في دفع الحكومة التونسية للحذر من البدء في مشروعات استكشاف احتياطيات الغاز الصخري وتصريحات وزير الصناعة التونسي، في أكتوبر 2014، عن أن استخراج الغاز الصخري في تونس يتطلب حوارًا مجتمعيًا واسع النطاق ولا يمكن البدء فيه حاليًا.
3- نشاط المعارضة السياسية: تستغل أحزاب المعارضة السياسية حالة الغضب الشعبي في محاولة توسيع قواعدها المجتمعية من خلال التضامن مع الحركات الاحتجاجية في مناطق استخراج الغاز الصخري، ففي الجزائر استغلت أحزاب المعارضة حالة الحراك الاحتجاجي في انتقاد نظام الحكم الجزائري وقامت أحزاب “تكتل التنسيقية من أجل الحريات والانتقال الديمقراطي” المعارضة وكذلك أحزاب “النهضة” و”جيل جديد” و”فجر جديد” وغيرها من الأحزاب بالمشاركة في الاحتجاجات، مما دفع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في 20 مارس الجاري، لاتهام “أطراف داخلية بالسعي للحكم من خلال سياسة الأرض المحروقة ولو كان على أنقاض الدولة” في تعليق على دعوة بعض الأحزاب لانتخابات مبكرة بدعوي تدهور حالة الرئيس الصحية.
ولم تكن الحالة الجزائرية السابقة الأولي التي تم خلالها تسييس الاحتجاجات البيئية، حيث شهدت احتجاجات ميدان تقسيم في تركيا في مارس 2013 تحول المظاهرات التي قادها الناشطون البيئيون احتجاجًا على إزالة الأشجار في ميدان تقسيم إلي احتجاجات سياسية واسعة النطاق ضد حكومة حزب العدالة والتنمية مع تضامن أحزاب المعارضة السياسية مع الاحتجاجات وتفجر الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في مايو 2013.
4- التدخل الخارجي: قد يؤدي تصاعد الاحتجاجات الداخلية على عمليات استخراج الغاز الصخري إلى سعي بعض التيارات السياسية لتدويل قضايا الاحتجاجات باللجوء للمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل منظمة هيومان رايتس واتش ومنظمة العفو الدولية وحركات السلام الأخضر العالمية، وكذلك بعض المنظمات الدولية الحكومية التابعة للأمم المتحدة، وهو ما شهدته الجزائر، إذ اتجهت بعض الحركات الاحتجاجية للتواصل مع المنظمات الدولية للضغط على الحكومة الجزائرية لوقف عمليات استكشاف الغاز الصخري، على مستوي آخر وجهت بعض وسائل الإعلام الجزائرية اتهامات لبعض دول الجوار بالتدخل في الشئون الجزائرية ودعم التظاهرات لمنع عمليات استخراج الغاز الصخري في الجزائر في ظل حالة الاحتقان في العلاقات المغربية الجزائرية والخلافات حول وضع الصحراء الغربية والموارد على الحدود بين الدولتين.
إجمالا، يمكن القول إن عمليات استخراج الغاز الصخري ينبغي أن تراعي عدة مشروطيات لتجنب المخاطر السياسية الناجمة عن الحراك البيئي: أولها، التركيز على المناطق الصحراوية والجبلية غير المأهولة بالسكان لتجنب إثارة الاحتجاجات السياسية. وثانيها، مراعاة المعايير البيئية في عمليات الاستخراج والتخلص من المخلفات حتى لا تتسبب في ضرر مجتمعي واسع النطاق. وثالثها، دراسة التكلفة والعائد من عمليات استخراج الغاز الصخري، خاصةً وأن تكلفة الغاز الصخري قد تكون مرتفعة للغاية بصورة تفوق تكلفة الاستيراد من الخارج مما يمثل تبديدًا للموارد قد يدفع لإثارة الاحتجاجات السياسية خاصة في الدول التي تعاني من ندرة الموارد المائية العذبة والتي تستخدم بكثافة في عمليات الاستخراج. ورابعها، إدارة حوار مجتمعي واسع النطاق حول أمن الطاقة قبل اللجوء لاستخراج الغاز الصخري وتوعية المواطنين بالعوائد الناجمة عن استغلال احتياطياته مستقبلا.
وحدة التحولات الداخلية
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية