بعد أكثر من شهر على «عاصفة الحزم» بدأت الأصوات والدعوات المطالبة بضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي تتعالى، وهي أصوات خليط من التفاعل والانفعال المتسرع مع إفرازات الحرب الدائرة في اليمن، التي يرون فيها مدخلا لإعادة ترتيب وضع الداخل اليمني في إطار إعادة تحقيق التوازن، ويعتبرونها ضرورة لتأمين المملكة العربية السعودية ودول الخليج من المخاطر المحتملة من توسع انتشار وسيطرة الحركة الحوثية على الوضع في اليمن من جهة، وكسر شوكة إيران في الجزيرة والخليج، والحد من تهورها في إثارة المشكلات المذهبية والطائفية في المنطقة العربية من جهة أخرى.
المتفاعلون مع تطورات «العاصفة»، وهم يمثلون مجموع القيادات اليمنية الموجودة في الرياض، يرون في ضم اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن فرصة ذهبية لن تتكرر، لأن استدعاءهم لتدخل المملكة ودول الخليج استهدف فيما استهدفه، استعادة ما سلبه الحوثيون منهم، وإعادة «شرعيتهم» بقيادة الرئيس هادي ونائبه (بحاح)، ثم إذا ما سمح لفرضية ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي أن تتحقق، فهي على أمل أن تستعيد لهم شيئا من الحضور والشعبية في الداخل، وتضمن بالتالي السير باتجاه تنفيذ المبادرة الخليجية، التي تلاعب بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر، وفقدت مسارها الصحيح.
لكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه هو، هل الظروف الحالية في اليمن أصبحت فعلا مواتية لضمه لعضوية مجلس التعاون الخليجي؟!
قد يكون الحوار المتوقع انعقاده في الرياض في 17 من مايو (أيار) الحالي بين الأطراف التي تتقاطر إلى الرياض مدخلا للحديث الرسمي بشأن ضم اليمن إلى دول المجلس، لكن اليمن مثله مثل العراق، والأردن، اللذين تضمهما جغرافية الجزيرة والخليج كانا قد أعلنا رغبتهما من وقت مبكر في الالتحاق بمجلس التعاون الخليجي عقب تأسيسه في مايو (أيار)1981م، إلا أن التناقضات السياسية والاقتصادية – كما قيل حينها – حالت دون ذلك، ليتم على أثره تأسيس مجلس التعاون العربي في فبراير (شباط) 1989م، الذي ضم العراق، ومصر، والأردن، واليمن، لكنه كان المجلس الذي ولد ميتا، فهو لم يستمر لأكثر من عام لينفرط عقده بغزو العراق للكويت في العام التالي 1990.
اليمن، الذي ظل يمثل قلقا سياسيا وأمنيا لجارته الشمالية السعودية، أشرك في العام 2006 بعضوية بعض لجان مجلس التعاون الخليجي (التعليم، الصحة، الشباب، والمواصفات والمقاييس… إلخ)، لكنها ظلت عضوية شكلية، شرفية، ليس لها معنى في السياسات الأمنية والاقتصادية لدول المجلس، ذلك لأن انضمام اليمن إلى عضوية التعاون الخليجي لن يكتسب أهميته إلا في بعده الاقتصادي، فاليمن بلد فقير، وحاجته للتنمية الاقتصادية تتصدر قائمة مشكلاته، ومعالجة مشكلته الاقتصادية سيعني بالضرورة معالجة المشكلات السياسية والأمنية، وسيحول البلد من حاضن ومولد للإرهاب إلى بلد منتج، يمثل مصدر أمن ورخاء واستقرار لدول منطقة الجزيرة والخليج.
اليوم، يعاني اليمن من أزمة إنسانية حقيقية، فهناك نقص في الماء، والغذاء، والدواء، والطاقة، والمواد الأساسية الضرورية بسبب الحرب والحصار الخانق لمنافذه البرية، والبحرية، والجوية، والمواطن اليمني في ظل هذه الظروف القاسية والمعقدة ليس في وارد الحديث أو الاهتمام بعضوية بلاده في مجلس التعاون الخليجي، بقدر ما هو غارق في صراخه الصامت بحثا عن إنسانيته، تمزقه جراحاته وينزف أسى على كرامته، فالقوى المتصارعة في الداخل والخارج تقتله، وتستبيح دمه، وتدمر بيته، دون وازع من دين أو ضمير أو إنسانية.
أي أن الحديث هنا، عن ضم أو انضمام اليمن إلى عضوية مجلس التعاون الخليجي في ظل هذه الظروف المأساوية التي يعيشها اليمنيون هو حديث ترفي، ينقصه المنطق، ويفكر فيه أناس يعيشون حياة هادئة هانئة، بعيدا عن الصخب والغبار، وبعيدا عن أزيز الطائرات وأصوات المدافع، فذلك أبعد من أن يؤذيهم، فاليمنيون يفكرون اليوم كيف يأكلون ويشربون، وكيف يوقفون حرب الشوارع، والقصف اليومي، والقتل والتدمير الذي تشهده مدنهم في تعز، وعدن، وأبين، ومأرب والضالع، وصنعاء، والحديدة، وحرض.. وذلك هو أقصى ما يفكر فيه اليمنيون اليوم.
ربما اليمن هو بحاجة إلى الانضمام لعضوية مجلس التعاون الخليجي، للمساعدة في إعادة بناء ما دمرته الحرب، ومساعدته في التنمية الاقتصادية، لكن، وحتى لا يصاب اليمنيون بصدمة حضارية، فليتم إلحاقهم بالمجلس على مراحل تدريجية، فهناك أولويات، ولعل أبرزها يكمن في التالي:
– وقف الحرب والاقتتال، وسحب السلاح من الميليشيات والقبائل المسلحة بكل اتجاهاتها وانتماءاتها وولاءاتها السياسية، والفكرية، والدينية، والمذهبية، وإعادة الأطفال إلى مدارسهم، وفتح الجامعات، وتشغيل المستشفيات، وإصلاح الجسور والطرقات، ومد المواطنين بسبل العيش الإنساني المتواضع.
– الاستعادة التدريجية للأشكال التقليدية لهيئات ومؤسسات الدولة، ومنحها فرصة الثقة بنفسها وبالذات المؤسسة الأمنية، التي يبدو أن اليمنيين سيكتفون بالاحتفاظ بها، والتخلي عن مؤسسة الجيش بحكم فشلهم في الحفاظ عليها، وحاجتهم إلى دولة مدنية حديثة منزوعة السلاح.
– وفي المرحلة الثالثة، العمل على إعادة تأهل اليمن كما فعلت أوروبا بإسبانيا، وتفعل منذ سنين باليونان، وهو عمل كبير وجبار يتطلب وقتا طويلا، ليصبح اليمن بعده كامل الأهلية، يمكنه الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي.
وهكذا، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تفكر ليس فقط بضم اليمن الذي أقلقها بصراعاته لعضوية المجلس، وإنما أصبحت معنية أيضا بالتفكير بحماية الأمن الإقليمي من المخاطر المحتملة، وذلك عبر توسيع عضوية مجلسها وفتح بابه لدول الجزيرة والخليج التي تضم العراق والأردن واليمن، ليتوسع بعدها ويضم أيضا الدول العربية المطلة على البحر الأحمر كمصر، والسودان، والصومال، وجيبوتي، ليصبح المجلس تكتلا إقليميا يمثل كيانا سياسيا واقتصاديا عملاقا في منطقة الشرق الأوسط.
د. عبد الوهاب الروحاني
الشرق الاوسط