جمعت الحرب في سوريا أطرافا كثيرة ذات مصالح متباينة، وبدأت الحرب الاقتصادية بينها تتكشف بعد توسع سيطرة النظام وحلفائه، وتم مؤخرا إبرام عشرات العقود والاتفاقات لتقاسم المكاسب الاقتصادية بشكل يعكس نفوذ كل طرف ونطاق امتيازاته وتوجهاته للمرحلة القادمة.
فقد وقعت شركات روسية العديد من العقود مع النظام السوري، منها عقد “عمريت” الذي يتيح لشركة “سبوز” التنقيب عن النفط والغاز لمدة 25 عاما جنوب طرطوس وصولاً إلى مدينة بانياس وبعمق شاطئ يقدر بنحو 70 كلم، بمساحة تقدر بنحو 2200 كلم2. ومنها عقد آخر مع الشركة ذاتها للتنقيب عن النفط والغاز في حقل قارة بريف حمص، وهو أحد أغنى المناطق بالغاز الطبيعي.
كما وقعت شركة “ستروي ترانس غاز” في وقت سابق عقدا مع “المؤسسة العامة للجيولوجيا” حظي بموافقة رئاسة الجمهورية السورية، وبنت بموجبه الشركة محطة لمعالجة الغاز الطبيعي. وينص العقد على حق استخراج الفوسفات من مناجم تدمر الشرقية لفترة 50 عاما، وبحجم إنتاج يُقدر بنحو 2.2 مليون طن سنوياً، تبلغ الحصة السورية منه 30%.
ولم تتوقف العقود الروسية على النفط، حيث جرى اتفاق روسي مع النظام لتوسيع مرفأ طرطوس ضمن إستراتيجية المرفأ والخطط الخمسية والخطة السنوية، وهو ضمن ورقة العمل الخاصة بالتعاون المشترك مع الجانب الروسي.
يقول الباحث السياسي والعسكري أحمد حمادة إن “الروس كان حلمهم الوصول إلى المياه الدافئة، ووفر لهم بشار الأسد هذه الفرصة بدون مقابل كقواعد واستثمار اقتصادي يأخذ أولوية لديهم الغاز والنفط وإعادة الإعمار ثمنا لما قدموه للنظام من جهد عسكري وفيتو لحمايته”.
نفوذ إيران
من جهتها اتجهت إيران لتوقيع عقود مع النظام في القطاع الزراعي والصناعي والتجاري، فوقعت شركات إيرانية عقودا لتوريد الآلات الزراعية والمنتجات الغذائية والدوائية التي بدأت تغزو الأسواق السورية. ومن أبرز الصفقات عقد إعمار بساتين خلف الرازي بدمشق، والإعداد لإنشاء سكة حديدة تربط سوريا بالعراق وإيران، بالإضافة إلى الحديث عن تأسيس شركات اقتصادية مشتركة وبنوك إيرانية بدمشق.
لكن طموحات إيران تتجاوز المكاسب الاقتصادية وتتركز على فرض نفسها في إعادة إعمار سوريا لكسب السيطرة على مناطق حساسة في محيط العاصمة دمشق انطلاقاً من حي السيدة زينب، في إطار خطط التغيير الديمغرافية في محيط دمشق.
ويرى الصحفي والكاتب السوري عدنان عبد الرزاق أن الطلب الإسرائيلي بتحجيم الوجود العسكري الإيراني في سوريا، سيدفع نظام الأسد لترضيتها عبر مشروعات ضمن ما يسمى إعادة الاعمار، وإن كانت طهران تفكر في تصدير مشروعها الديني والسياسي أكثر من الاهتمام بمشروعها الاقتصادي الخارجي الذي لا تمتلك مقوماته أصلا.
تركيا وأميركا
في المقابل اقتصرت مكاسب تركيا وأميركا على الجانب السياسي والعسكري، إذ أبعدت أنقرة وحدات حماية الشعب عن حدودها الجنوبية وحالت دون إنشاء الأكراد دولتهم، وذلك عبر دعم الجيش الحر حليفها في الشمال السوري، بالإضافة إلى إنشاء قواعد عسكرية لها في المنطقة، بينما أنشأت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في شمال شرق سوريا في مناطق حليفتها قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب قوامها الرئيسي.
ويقول باحثون في الاقتصاد إن تقاسم الاستثمارات بين الروس والإيرانيين الذين حصلوا على عقود لتوريد المنتجات الصناعية والزراعية والاستثمار في النفط، سيشكل سبباً في تراجع الاقتصاد السوري ومن ثم انهياره، وهو ما سيكون الصفعة الأكبر لداعمي نظام الأسد، وستغدو سوريا مجرد سوق لتصريف البضائع الإيرانية ومركز تصدير النفط والمنتجات الزراعية لروسيا بأقل الأثمان.
المصدر : الجزيرة