طرابلس – بدأ يطرح النقاش حول النظام السياسي الأنسب لليبيا بشكل مكثف في السنوات الأخيرة خصوصا مع عجز البلاد عن الخروج من حالة الفوضى، والانقسام السياسي الذي زاد مشكلاتها تعقيدا. وكان هذا المدخل الذي مهدّ لصعود الدعوات والمطالبات بعودة الملكية التي أسقطتها الجماهيرية منذ عقود والتي أطاحت بها بدورها ثورة 2011.
وتتعدّد المبادرات المدنية والافتراضية في ليبيا المُطالبة بالعودة إلى الملكية. ويرى أصحاب هذه المبادرات أن الدستور الليبي الذي تم سنّه في العام 1951 عندما تحصلت ليبيا على استقلالها هو الضامن الوحيد للمّ شمل الليبيين ووحدتهم. ومن بين آخر هذه المبادرات حراك نسائي تم الإعلان عنه مطلع الشهر الحالي أكد بشكل علني أنه يرفض وضع دستور جديد للبلاد ويعتبر أن الفراغ السياسي يمكن حلّه فقط بعودة النظام الملكي. وتطرح هذه الدعوات بقوة سؤالا جوهريا حول ما إذا كانت الأزمة الليبية أزمة نظام سياسي أم أزمة مؤسسات وثقافة سياسية؟ الإجابة على هذا التساؤل تحيلنا بدورها إلى جدل واسع في هذا الشأن، حيث تنقسم الآراء بين من يرى أن الأزمة في هذا البلد الغارق في الفوضى والانقسام والاقتتال لا تحل حتى لو تغيّر النظام السياسي إلى نظام ملكي باعتبار تشتّت الولاءات بحسب المناطق. وتستمد هذه الرؤية عنوانها الكبير من الاختلافات بين شرق البلاد وغربها، أو بسبب الانتماءات القبلية أو فوضى الحسابات السياسية وغيرها.
وتشدّد المواقف المعارضة لعودة الملكية بأي شكل من الأشكال على أن معضلة ليبيا الحقيقة تكمن في غياب الثقافة السياسية وفي تركيبة المجتمع الذي أفرز ميليشيات مسلحة تتكلم باسم كل قبيلة أو مجموعة وتدافع عن مصالحها دون اعتبار لشرعية المؤسسات الرسمية التي ضربت بها عرض الحائط. ويرى هؤلاء أن حالة الانقسام والفوضى التي تغرق فيها ليبيا لا يمكن أن ينهيها مجرد تغيير للنظام السياسي.
وفي المقابل تبرز مواقف أخرى تعتقد بأن الشرعية التي تتوفر عليها الملكية يمكن أن تمثل منطلقا جيدا لإرساء حوار حقيقي يؤدي إلى بناء مؤسسات للدولة تمتلك شرعية متفقا عليها ومعترفا بها من كافة الليبيين.
ويرى أصحاب هذا الطرح أن الملكية في تجاربها المختلفة تترك هامشا كبيرا للاختلاف السياسي والتنوع، ما ينتج نهضة فكرية وثقافية وفنية. وتعد هذه حجة رئيسية لدى المطالبين بعودة الملكية في ليبيا والذين يستحضرون مناخ الحرية والأمن الذي كانت تنعم به البلاد في ظل العهد السنوسي.
العرب