يبدو أن المفاوضين من كل من إيران ومجموعة الخمس زائد واحد، الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا، في العاصمة النمساوية فيينا على شفا التوصل إلى اتفاق يحد بشكل كبير من البرنامج النووي الإيراني، ووضعه تحت رقابة دولية صارمة. ولكن ماذا لو فشلوا في تجاوز خلافاتهم في الساعات الأخيرة؟ أو ماذا لو بعثر الكونجرس الأمريكي الصفقة على الطريق؟، وهو احتمال وإن كان ضئيلا لكنه وارد ومثير للقلق. في الواقع، فإنه في ظل ترجيح هيمنة مبدأ أنه «لا اتفاق أفضل من اتفاق سيء» على أي نقاش في الكونغرس، فإن هذه لحظة جيدة لدراسة ما يمكن أن يكون عليه الشرق الأوسط من دون التوصل إلى اتفاق نووي.
الفشل في التوصل إلى توافق أو اتفاق من المرجح أن يتمخض عن إجراء أو أكثر من الإجراءات التالية: البرنامج النووي الإيراني الموسع، و/أو تآكل العقوبات الدولية واسعة النطاق دون أي فائدة للأمن الإقليمي والعالمي، و/أو احتمال تصاعد الصراع عسكري، و/أو فقدان فرص العمل في المجالات الرئيسية ذات الاهتمام المشترك لإيران والولايات المتحدة.
لا شك أن هناك مخاطر مرتبطة بالصفقة كذلك، بما في ذلك إمكانية أن إيران ستفشل في تنفيذ الاتفاق، وتستأنف البرنامج النووي ما ينهي الاتفاق النووي، أو تواصل سرا عناصر برنامجها خارج مراقبة المجتمع الدولي. كانت هناك تقديرات لا تحصى حول كل الأشياء التي يمكن أن تفشل، هذا هو السبب في أن المفاوضين في فيينا يعملون «بلا ثقة أو تحقق من» التدابير في أي اتفاق نهائي يمكن تصوره. لكن الجدل حول أي اتفاق من هذا القبيل يجب أن يتضمن تقييما للمخاطر وعدم وجود صفقة على الإطلاق.
السيناريو الأول والأكثر خطورة هو أن طهران يمكنها الخروج من الاتفاق النووي المؤقت، وخطة العمل المشتركة، التي جمدت أساسا البرنامج النووي الإيراني لمدة عامين تقريبا. ومع عدم وجود وعد متعلق باستمرار العقوبات أو تخفيفها بشكل ذات مغزى، فإن إيران قد تقرر استئناف برنامجها لتخصيب اليورانيوم عند مستويات تقلل الوقت المطلوب لتسليح برنامجها النووي. إيران ربما لا تزال في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ولكنها تقترب بشكل خطير من تطوير قدرات الانطلاق بسرعة إذا لم يكن هناك اتفاق دولي يضع مزيدا من القيود والتفتيش على أنشطتها.
وما يجعل الأمور أكثر سوءا، ما لم يكن واضحا أن إيران كانت مخطئة لانهيار المحادثات النووية، أن الدعم الدولي واسع النطاق الحالي لفرض عقوبات على إيران يمكن أن يضعف. وقد أثبتت العقوبات الأمريكية ضد إيران فعالية بسبب الدعم الذي حصدوه بين البلدان الرئيسية المستوردة للنفط مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان. وطبقا لبعض التقديرات، فإن العقوبات الدولية قلصت صادرات النفط الإيرانية بأكثر من النصف في السنوات الأخيرة، ما يكلف إيران حوالي 40 مليار دولار من العائدات سنويا.
استمرار العقوبات الأمريكية أحادية الجانب والعقوبات الأمريكية الثانوية على البلدان والمؤسسات التي تتعامل مع إيران في أعقاب انهيار الاتفاق المرجح يمكن أن يستمر للحفاظ على شركات أمريكية وأوروبية بعيدا عن إيران. لكن القوى الدولية الرئيسية الأخرى، وحتى البعض في أوروبا، قد يعاني من القيود التي فرضتها على نفسها، لا سيما إذا ظهر أن إيران تتفاوض بحسن نية. لذلك، يمكن أن تجد إيران نفسها أقل عزلة مع مرور الوقت، خاصة إذا رفض الكونغرس الصفقة، وهو ما يترك الولايات المتحدة مسؤولة عن الفشل. وفي الواقع، فإن هذا هو أسوأ النتائج العالمية فيما يتعلق بفرض قيود محدودة على برنامج إيران النووي وتشتيت الضغوط الدولية الخاصة بإيران.
العودة إلى التصعيد العسكري مع إيران أمر محتمل أيضا بصورة كبيرة في حالة أن هناك شرق أوسط بلا صفقة. حجج المتشددين الإيرانيين أن الغرب لم يكن مهتم حقا بالتوصل إلى اتفاق مع إيران سيظهر تبريره وتقويضه لنفوذ وتأثير الفصائل الإيرانية الأكثر برجماتية، والذين كانوا على صلة بالمفاوضات الفاشلة. وهذا يمكن أن يؤدي إلى التوسع في نشاط إقليمي من إيران لزعزعة الاستقرار بالفعل، لا سيما في العراق وسوريا، وعلاقتها مع حزب الله. ولا تشغل إسرائيل ولا حزب الله نفسها الآن بصراع آخر، ولكن ربما يتصور أن حزب الله قد يهاجم إسرائيل في الوقت المناسب لصرف الأنظار عن خسائره في سوريا. وقد تحركت إيران للوقوف بجوار حزب الله دعما بالصواريخ خلال التصعيد العسكري بين إسرائيل وحزب الله، ويمكن لهذا أن يتكرر وبسرعة. هجمات حزب الله على الجماعات السنية المسلحة التي تقاتل «نظام الأسد» بالقرب من الحدود الإسرائيلية يمكن أيضا عن طريق الخطأ أن تضرب هدفا إسرائيليا، ما سيدفع إسرائيل حتما للرد. وستكون إسرائيل أكثر قلقا بشأن الحفاظ على موقف الردع في سياق إقليمي حيث لم يتم التحقق من برنامج إيران النووي، ما يؤدي إلى انتقام قاسي ضد أي هجوم صاروخي يمكن أيضا أن يتصاعد بسرعة إلى صراع أوسع نطاقا.
وبطبيعة الحال، فمن المرجح أن يعود قادة إسرائيل لفتح تهديدات حول الخيارات العسكرية ضد المنشآت النووية الايرانية في حال أن طهران استأنفت برنامجها بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات تقربها من قدرة الأسلحة التي تجاوز الخطوط الحمراء الإسرائيلية. كما من المرجح أن تزداد الضغوط على الدول المجاورة للنظر في البرامج النووية، حتى لو كانت المخاوف بشأن النوايا وقدرة البلدان المجاورة مثل المملكة العربية السعودية على متابعة قدرات الأسلحة النووية المبالغ فيها إلى حد كبير.
وأخيرا، هناك أيضا تكلفة الفرصة البديلة لنتيجة اللا صفقة. ومن الصعب معرفة ما إذا كانت الصفقة سوف تجعل سلوك إيران الإقليمي أكثر اعتدالا أو تفضي إلى تحسين العلاقات الأمريكية الإيرانية والتعاون بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل مواجهة القوى المتطرفة السنية في أفغانستان والعراق. وربما يكون هناك المزيد من القيود على مثل هذه التحولات الجذرية في العلاقات الأمريكية الإيرانية من بعض الدعاة المؤيدين للصفقة. وللجيران الإقليميين سبب وجيه للقلق من أن علاقات إيران مع الجماعات التي تعمل على زعزعة الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة سوف تستمر.
ولكن ما هو مؤكد هو أن عدم التوصل إلى اتفاق سوف يضيع فرص عدة، منها إغلاق الأبواب حتى على محدودية التعاون، وإمكانية اعتدال السلوك الإيراني على مر الزمن. وكما أشار الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» في المناقشة التي تناولت مراجعة إدارته لسياسة كوبا، سياسات الضغط الحالية والعزل لم تنجح، على أنه منطقي للغاية أن نفرض نهجا جديدا. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن السياسة الأمريكية المتعلقة بإيران: إن سياسات العزل والعقوبات،والتي امتدت على مستوى الإدارات الديمقراطية والجمهورية في الولايات المتحدة، لم تتمخض عن إيران أكثر اعتدالا، سواء في الداخل أو في الخارج على مستوى المنطقة أو حتى العالم بأسره. وقد يكون الوقت قد حان لاختبار ما إذا كان الانخراط مع إيران مقيدة نوويا يمكن أن يعطي نتائج أفضل.
ويعيش الشرق الأوسط اليوم في حالة من الاضطراب الخطير وخيم العواقب. ومن ثم لا ينبغي أن يكون هناك أحد يعيش تحت وهم أنه حتى اتفاق حظر الانتشار سوف يمنع كل المسارات الممكنة نحو القنبلة الإيرانية أو أنه سوف يغير من أمر هذه المنطقة المضطربة. ولكن مع أخذ كل شيء في الاعتبار؛ فإن الشرق الأوسط سيكون أفضل حالا في ظل اتفاق نووي جيد أكثر من كونه بلا اتفاق.