لم تكن عودةُ الشركات الأمنية الأمريكية للعراق للمساعدة في الحرب ضد داعش قُبيل نهاية أبريل 2015، سوى أحد تجليات تصاعد خصخصة الأمن في بعض دول الإقليم، وقيام الشركات الأمنية بأدوار مركزية في بعض المجالات الأمنية والعسكرية منذ استعانة الولايات المتحدة بها في العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق، وهو ما يُثير تساؤلات حول أبعاد ومخاطر الاعتماد على الشركات الأمنية الخاصة في دول الإقليم.
تطور دور الشركات الأمنية
لا يوجد اتفاق حول تعريف المقصود بالشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فقد استخدم الدارسون العديدَ من المصطلحات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الشركات العسكرية الخاصة Private Military Companies، والشركات الأمنية الخاصة Private Security Companies، والشركات العسكرية الخاصة Private Military Firms، ومقدمو الخدمات العسكرية Private Military Providers، ومتعاقدو الخدمات العسكرية/الأمنية الخاصة Private Military/Security Contractors، وهو ما خلق مزيدًا من الجدل في الأدبيات التي تناولت هذا الموضوع.
وبصورة عامة، يُشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة إلى شركات تجارية تبرم عقودًا قانونية، تهدف بالأساس إلى تحقيق الربح مقابل ما تقدمه من خدمات عسكرية وأمنية، وتشمل الخدمات العسكرية: الخدمات المتخصصة المتعلقة بالتخطيط الاستراتيجي، والاستخبارات، والتحقيق، والاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وعمليات الطيران أيًّا كان نوعها، والدعم المادي والتقني للقوات المسلحة، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.
بينما تشملُ الخدمات الأمنية بوجه خاص، توفير الحراسة والحماية المسلحتين للأشخاص والممتلكات، مثل القوافل والمنشآت والأماكن الأخرى، وصيانة نظم الأسلحة وتشغيلها، واحتجاز السجناء، وتقديم المشورة أو التدريب للقوات المحلية ولموظفي الأمن.
وتعمل الشركات الأمنية الخاصة في إطار قيام مؤسسات الدولة بعمليات “الإسناد للغير” Outsourcing، والتي تتضمن تأسيس علاقة عمل قصيرة المدى تقوم على الحصول على خدمات أمنية أو عسكرية من الشركات الخاصة بمقابل مادي لفترة زمنية محددة، وبضوابط يتم التوافق عليها في إطار الالتزام بالقوانين والتشريعات المنظمة لعمل هذه الشركات في الدولة، مما يجعل مؤسسات الدولة في موقع الهيمنة على عمل هذه الشركات التي تخضع لشروط التعاقد.
ومن الصعوبة بمكان الحسم ببداية نشأة وظهور الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، ككيانات تجارية لها وضع قانوني تُمارس من خلاله نشاطها الخاص في المجال العام، فالبعض يرجع نشأة هذه الشركات إلى عام 1946، وتحديدًا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما تأسست شركة DynCorp من قبل عدد من المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية، وكان نشاط الشركة وقتئذ هو توفير أفراد يمتلكون خبرات فنية في مجال صيانة الطائرات العسكرية.
بينما يُرجع البعض نشأة هذه الشركات إلى الستينيات عندما قام الكولونيل ديفيد ستيرلينج David Stirling بتأسيس شركة WatchGuard International عام 1967 التي اعتمدت على توظيف أفراد سابقين من القوات الجوية الخاصة، للقيام بتدريب عسكري لأفراد قوات دول أجنبية في إفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وشرق آسيا.
محفزات خصخصة الأمن عالميًّا
يرتبط انتشار الشركات الأمنية الخاصة عالميًّا وأدائها أدوارًا متعددة في النطاقات الأمنية والعسكرية بالتغيرات التي تبعت نهاية الحرب الباردة، والتي تمثل أهمها فيما يلي:
1- تراجع الإنفاق العسكري: حيث اتجهت بعض الدول الأوروبية لتقليص الإنفاق على الأمن والإنفاق العسكري، وتقليص أعداد قوات الشرطة، وهو ما أدى لتصاعد دور الشركات الأمنية التي بات يتم إسناد عمليات التأمين إليها، وبعض العمليات العسكرية في إطار الحرب على الإرهاب.
2- صعود الخصخصة: أدى تزايد الاتجاه العالمي نحو الخصخصة، باعتبارها إحدى آليات السوق التي تحقق الكفاءة وتقليص الإنفاق العام، إلى تزايد خصخصة الخدمات الأمنية، والاعتماد على القطاع الخاص في القطاعات الأمنية المختلفة التي نجحت في استقطاب الكفاءات العسكرية والأمنية السابقة، وباتت تعتمد على نفس تقنيات التدريب والتأهيل المستخدمة في الجيوش النظامية وقوات النخبة في مؤسسات الشرطة.
3- التقدم التكنولوجي: أدت الطفرة التكنولوجية إلى تصاعد التعاون بين المؤسسات الأمنية والعسكرية وشركات السلاح التي تنتج أنظمة التسلح الحديثة، وقد أدى ارتفاع تكلفة التدريب على هذه التكنولوجيا، والحاجة إلى تعليم أفراد القوات المسلحة الوطنية كيفية عملها لوقت طويل، إلى سعي حكومات بعض الدول لتعزيز قدرات دفاعها بالتعاقد مع الشركات الخاصة التي تقدم الدعم لجيشها، مثل التكنولوجيا التي قدمتها شركة Aerospatiale في فرنسا، وشركة Rolls Royce في المملكة المتحدة.
وهو ما أشار إليه وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس Robert Gates بعد ما أثاره سيناتور جيم ويب Sen. Jim Webb عضو لجنة القوات المسلحة عن دور المقاولين في القطاع الخاص، وتحديدًا شركة Black Water في جميع أنحاء العالم، والتي افتتحت مركز تدريب جديدًا لمكافحة الإرهاب في سان دييغو San Diego في عام 2015 على الرغم من معارضة المسئولين في المدينة.
أدوار الشركات الأمنية في الشرق الأوسط
أدى تدهور الأوضاع الأمنية في دول عديدة بالإقليم إلى تزايد الطلب على خدمات الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، إذ لم يعد دور الشركات الأمنية الخاصة مقصورًا على النطاقات المحدودة التي كانت تحكم نشاطها سابقًا، في ظل التوسع الطاغي في أنماطها وقدراتها العسكرية، وفي ظل تصاعد احتياجات دول الإقليم لخدماتها. وفي هذا الإطار يُمكن التفرقة بين عدة أدوار رئيسية:
1- تقييم المخاطر: وهي خدمات ترتبط بحجم ما يتوفر من معلومات صحيحة، فعلى سبيل المثال تعاقدت وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة Department for International Development(DFID) مع شركة Control risks لتوفير المعلومات الاستخباراتية والتحليلات للحكومة العراقية لدعم جهودها في محاربة الإرهاب.
2- تقديم الاستشارات الأمنية: فعلى سبيل المثال، قامت شركات مثل DynCorp، وMilitary Professional Resources Inc.(MPRI)، وErinys Iraq التابعة لشركة Erinys International، وArmorGroup بتدريب قوات الشرطة والجيش العراقي، كما تعاقدت الأمم المتحدة مع الفرع الأفغاني للشركة البريطانية ISG Security LTD لتدعيم القدرات العسكرية والقتالية لأفراد الشرطة الأفغانية الوطنية. وشاركت شركة DynCorp في دعم بعثة الأمم المتحدة في السودان من خلال عمليات إنفاذ القانون، وكمستشارين في القضاء، وفي تدريب وتجهيز وتوجيه قوة الشرطة السودانية، وذلك عبر وجودها كجزء من القوات الأمريكية التي زاد عدد أفرادها عن 15 فردًا.
وينطبق الأمر ذاته على قيام شركة U.S.Vinnell بتدريب قوات الجيش العراقي بعد إعادة تشكيله عقب الاحتلال الأمريكي، وقيام شركة Cubic بتدريب بعض الوحدات لتتطابق مع معايير حلف شمال الأطلسي، فضلا عن شركة استراتيجيات المخاطر العالمية Global Risk التي قدمت استشارات أمنية للعراق وأفغانستان خلال مرحلة إعادة بناء جيوشهم الوطنية.
3- حماية القيادات: مثل ما قدمته شركة O’Gara Protective Services من خدمات أمنية لبعض القيادات السياسية في دول الإقليم، أيضًا ما قامت به شركة Global Risk International من توفير حراسة للمسئولين الأمريكيين في العراق، كما قامت شركة دين كوبر الأمريكية -على سبيل المثال- بحماية الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي وكبار رجال الحكومة الأفغانية على مدار فترة طويلة، يُضاف إلى ذلك قيام شركة أوجارا بتوفير الحماية للرموز السياسية والمجتمعية في بعض الدول العربية، وشركة سيكيور بلس Secure Plus التي كانت تقوم بتأمين رموز تيار المستقبل السني في لبنان.
4- تأمين المنشآت: تؤدي بعض الشركات الأمنية أنشطة تأمين المنشآت العامة ونقل الأموال مثل شركة Armor Corp البريطانية التي تقوم بتأمين مطار بغداد، وهو نفس الاتجاه الذي تبنته شركة موانئ العراق لتأمين ميناء أم القصر، وتعمل في هذا المجال أيضًا شركات محلية، مثل شركات الأمن الخاصة في مصر التي تقوم بعمليات نقل الأموال والتأمين وحراسة المنشآت، ففي مصر، تعاقدت وزارة التعليم العالي مع شركة فالكون للخدمات الأمنية على حراسة 15 جامعة مصرية، الأمر ذاته ينطبق على شركة التأمين الخاصة بمؤسسة سوناطراك النفطية الجزائرية التي تسعى لتوسيع قواعدها الأمنية لتشمل 10 آلاف عنصر أمني مدرب خلال خمس سنوات. وفي السياق ذاته، أعلن وزير الصناعة والتجارة المغربي في مارس 2015 عن وجود عروض من شركات أمريكية لتقديم خدمات تأمين البنية التحتية والمنشآت والموانئ والمطارات بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة.
5- العمليات العسكرية: وهي الصيغة الأكثر حدية لنشاط الشركات الأمنية، بحيث تصبح قريبة من أنشطة المرتزقة في بؤر النزاعات المسلحة، وتعتبر شركة “بلاك ووتر” الأمريكية المثال الأبرز على هذا النمط؛ حيث شاركت في الأعمال العسكرية بالعراق وأفغانستان لصالح الولايات المتحدة، وتؤدي الآن عمليات تأمين في المغرب للمنشآت النفطية؛ حيث تملك قاعدة بيانات ما يقرب من 21000 جندي سابق من القوات الخاصة تستطيع الاستناد لخدماتهم، ولديها تجهيزات عسكرية متطورة تُشبه ما تمتلكه الجيوش النظامية، الأمر ذاته ينطبق على شركات مثل “يجال” الإسرائيلية و”ساند لاين” الدولية Sand line International التي تمارس أنشطة عسكرية في القارة الإفريقية، وينسب إلى هذه الفئة دعم نظام القذافي بالميليشيات المسلحة من الأفارقة التي ساندت النظام قُبيل سقوطه، والتي قدرت أعدادها بالآلاف المتمركزين في شرق ليبيا، خاصة في مدينة بني غازي وفي العاصمة طرابلس وفق تصريحات عضو محكمة الجنائية الدولية الهادي شلوف في أبريل 2013.
وفي مارس 2015، كشفت مصادر عراقية عن تجدد دور الشركات الأمنية الخاصة، وقيامها بمساعدة القوات العراقية في عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش بدعم من الولايات المتحدة. وتخصص هذه القوات في عمليات حروب العصابات، ومكافحة الإرهاب، وتأمين المنشآت والشخصيات العامة، وتعمل في كل من إقليم كردستان العراق، والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية، وفي تأمين المنشآت النفطية والمطارات والموانئ.
تهديدات خصخصة الأمن
على الرغم من أن ظاهرة خصخصة الأمن لا تعد أحد مستجدات الأوضاع الراهنة في دول الإقليم، فإنها أضحت مصدرًا لتهديدات غاية في الخطورة على الأمن القومي في بعض الدول في ظل افتقادها للأطر القانونية اللازمة لضبط أدوارها، والإشراف على أنشطتها، بحيث بدت أهم تلك التهديدات في الآتي:
1- منازعة اختصاصات الدولة: يؤدي الاعتماد على شركات الأمن الخاصة إلى خلق حالة من “الاعتمادية”، لأنها تقوم بوظائف الأمن التي تعجز السلطات المحلية عن القيام بها، مما يترتب عليه ضعف قطاع الأمن الوطني في هذه القطاعات، ومن جهة أخرى، يُشكل العمل في الشركات العسكرية والأمنية الخاصة جذبًا ماليًّا للأفراد حتى بالنسبة للذين لا يزالون يخدمون في القوات المسلحة الوطنية، خاصةً أن بعض الشركات العسكرية والأمنية الخاصة مُدرجة في قائمة أسواق الأسهم والسندات، وتحقق أرباحًا لمستثمريها، الأمر الذي يدفع العاملين في قطاع الأمن الوطني إلى تقديم استقالتهم، والسعي للعمل لصالح هذه الشركات، وهو ما يخلق إشكاليةً كبيرة في حالة الدول الضعيفة التي تحاول إعادة بناء قواتها، كما هو الحال في أفغانستان.
2- السعي لتحقيق الربح: فالشركات العسكرية والأمنية الخاصة كيانات تستهدف تحقيق الربح بالأساس، والفرص التي تحقق الربح هي التي تحدد سلوك الشركات في مناطق الصراعات المسلحة، لذا من الضرورة بمكان لفهم تأثير هذه الشركات على ديناميكيات الصراع النظر إلى البيئة التي تعمل خلالها، وهيكل السوق الذي يحدد كيفية توليد المكاسب التي يمكنها الحصول عليها. فإطالة الصراع ليس دائمًا هو الخيار الأمثل بالنسبة للشركات العسكرية الخاصة، فمثلا عندما تحصل الشركات على أجرها مقابل الخدمات التي تقدمها من خلال حصولها على امتياز استخراج موارد طبيعية؛ فإن مصلحتها تكون في وقف العنف، لأن البيئة السلمية تُمكنها من تعظيم مكاسبها. لكن في حال كان وجودها مرتبطًا بصراعات أهلية، فقد تُغذي فتيل هذه الصراعات على نحو يحفظ بقاءها.
3- ارتكاب الجرائم والانتهاكات: حيث يُنسب لبعض الشركات ارتكاب جرائم بحق الإنسانية، ما أدى لاتخاذ إجراءات ضدها في الدول المضيفة. ففي العراق ارتكبت عناصر أمنية تنتمي لشركة بلاك ووتر جرائم قتل بحق 17 مدنيًّا عراقيًّا بساحة النسور في بغداد، بما كلف الشركة غرامة قيمتها 7.5 ملايين دولار، فضلا عن منعها من العمل في العراق بنهاية عام 2011، وتعديل قانون عمل الشركات الأمنية في منتصف عام 2012.
والأمر ذاته ينطبق على تورط عملاء شركتي “كاس إنكوربوريشن” و”تيان كوربوريشن” في جرائم تعذيب السجناء في سجن أبو غريب، وفي أفغانستان، في ظل قيامهما بإمداد قوات التحالف بخبراء متخصصين في أعمال الاستجواب، بما يمثل نموذجًا للانتهاكات التي يُمكن أن يرتكبها المنتسبون لشركات الأمن الخاصة في حالة توسيع نطاق اختصاصهم.
4- تصاعد عدم الاستقرار: فالشركات الأمنية الخاصة لا تستطيع تحقيق الاستقرار بالنظر إلى أن الصراعات الداخلية عادة ما تكون لها جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية، من جهة أخرى، لا يتم التعاقد مع هذه الشركات دائمًا من قبل فاعلين معترف بهم دوليًّا، وبالتالي قد يؤدي تعاقدها مع جماعات متطرفة أو عصابات إجرامية في بؤر الفوضى والصراعات المسلحة إلى إطالة أمد الصراع.
وفي هذا الصدد يُنسب لبعض العناصر الأمنية التي دعمت بقاء نظام القذافي في السلطة المسئولية عن إثارة الفوضى الأمنية عقب سقوط النظام، بما دفع بعض الشركات النفطية للاستعانة بهم في أعمال التأمين، وتأسيس شركات أمنية بهدف احتواء دورهم، ومنعهم من السيطرة على المنشآت النفطية، وهو ما أدى إلى انتشار الميليشيات المسلحة في ليبيا، وصراعها للحصول على عقود تأمين المنشآت النفطية.
على مستوى آخر، تواجه بعض الشركات الأمنية اتهامات بضعف الاقتدار الأمني في حماية المنشآت الحيوية، فعلى الرغم من استعانة شركة سوناطراك الجزائرية بشركات تأمين خاصة، فإن ذلك لم يمنع اقتحام منشآتها النفطية في عين صالح في المنطقة الجنوبية على الحدود مع ليبيا من جانب عناصر تابعة لخلية القيادي بالقاعدة مختار بلمختار في نهاية يناير 2013، فضلا عن حادث احتجاز الرهائن في منشأة عين أمناس النفطية بالجزائر.
5- التورط في الصراعات الطائفية: حيث دفع الانفراد العسكري لحزب الله اللبناني بحمل السلاح مختلف الطوائف اللبنانية لتشكيل شركات أمنية لحماية مناطق تمركزها ومصالحها مع تصاعد الاشتباكات الطائفية على وقع الانقسامات السياسية المزمنة، حيث قام تيار المستقبل بتأسيس شركة أمنية بمسمى المستقبل، والاستعانة بخدمات شركة سيكيور بلس Secure Plus لتأمين تحركات قياداته والمنشآت الحيوية الخاصة به، والأمر ذاته ينطبق على حزب الكتائب، حيث تضاعف عدد هذه الشركات ليصل إلى ما يقارب 50 شركة تديرها قيادات عسكرية وأمنية سابقة بعيدًا عن سيطرة الدولة اللبنانية.
6- ضعف البنية القانونية: حيث إن دولا عديدة في الإقليم ليست لديها منظومة قانونية تمكنها من تنظيم عمل هذه الشركات، ومحاسبة أفرادها في حال ارتكابهم انتهاكات، فضلا عن التعامل مع إشكاليات وجود شركات دولية تعمل على أراضيها. كما أن بعض الدول التي تعاني من صراعات أهلية -مثل سوريا- تُثير مسألة تقنين وجود هذه الشركات فيها قضية أن يكون الترخيص لإنشائها مرتبطًا بانحيازها لأطراف دون أخرى، وتتصاعد تحديات إخضاع الشركات العسكرية والأمنية الخاصة للمساءلة في ظل سعيها للحفاظ على سرية عقودها لتعزيز قدراتها التنافسية، واجتذاب مزيدٍ من العملاء.
7- التعاقد من الباطن: وهو أحد التحديات التي يواجهها تحديد نطاق مسئولية الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، فقد يتم التعاقد مع شركة لها سمعة جيدة، ثم تقوم هذه الشركة بالتعاقد من الباطن مع شركة أخرى تقوم بتأدية الأعمال التي تم التعاقد معها على تأديتها، والتي يمكن لها (الأخيرة) بطبيعة الحال أن تتعاقد مع شركة أخرى لتؤدي تلك المهام، وهكذا، ومن ثَمَّ تصبح هناك صعوبة حقيقية في تحديد الأفراد المسئولين عن هذه المهام، وإحالتهم للقضاء.
وختامًا، يرتبط تصاعد التهديدات النابعة من الاعتماد المتصاعد على الشركات الأمنية الخاصة من الافتقاد لأطر قانونية ضابطة لنشاط تلك الشركات والممارسات السابقة لبعض شركات الأمن الخاصة الأجنبية والتي تثير رفضًا مجتمعيًّا متصاعدًا لقيامها بمهام الأمن، في مقابل الاحتياج المتصاعد لتوفير الأمن في ظل تفكك المؤسسات الأمنية الوطنية في بعض دول الإقليم، وإخفاقها في أداء وظائفها في خضم تداعي سيطرة الدولة على أنشطة الفاعلين داخلها، والترابط المتصاعد بين تلك الشركات والميليشيات المسلحة والطوائف المتناحرة والتيارات السياسية الساعية لعسكرة الصراع مع خصومها، ومن ثم يُمكن من الضروري ضبط ممارسات هذه الشركات، وقصرها على أنشطة الاستشارات والتأمين والتدريب، وهو ما يفرض على دول الإقليم وضع تشريعات قانونية حاكمة لنشاط الشركات الأمنية تضمن الرقابة المستمرة على أنشطتها، وفرض قيود على تسليح العناصر الأمنية التابعة لتلك الشركات حسب المهمة الموكلة إليها.
رضوى عمار
المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية