منذ انطلاق الاحتجاجات في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي في العراق، اعتمدت السلطة والأحزاب السياسية على مواجهة التظاهرات بأساليب عدة عبر مراحل متدرجة.
أول هذه الأساليب تمثل في تصعيد القمع الذي خلّف مئات القتلى وآلاف الجرحى، مرورا بالاعتقالات غير المسبوقة، ثم إطلاق حملات تشويه بحق المتظاهرين، ومن ثم حرق المباني وافتعال أعمال تخريب، وصولا إلى دخول أنصار الأحزاب على خط التظاهر ضمن لعبة الشارع المضاد، ثم مواجهة المتظاهرين بعمليات الطعن والترهيب، وانتهاءً بتصعيد جديد من القمع على شكل عمليات اختطاف واغتيال لناشطين في محاولة لثنيهم عن مواصلة الاعتصام في ساحات التظاهر.
إحباط المخططات
ولكن المحتجين -ولا سيما في العاصمة بغداد- تمكنوا من تخطي ما اعتُبر فخا أعدته أحزاب السلطة والفصائل المسلحة لحرف مسار التظاهرات عن سلميتها، وذلك بعد تحشيد أعلنت عنه الأسبوع الماضي جهات مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لـ”مليونية”، ودعوتها إلى اقتحام المنطقة الخضراء التي تضم السفارتين الأميركية والبريطانية، فضلا عن مقرات الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية ووزارات سيادية، قبل أن تعلن لجان التنسيقيات ومن خلال بيانات أذيعت في ساحات التظاهر ومواقع التواصل، براءتها من تلك الدعوات ورفع شعار “لا عبرة في العبور”، في إشارة إلى عبور جسر الجمهورية لاقتحام المنطقة الخضراء.
ناشطون بارزون في التظاهرات أشاروا -في حديث للجزيرة نت- إلى أنهم نجحوا في إحباط مسعى لتشويه سلمية الاحتجاجات، بعد مخطط لقوى سياسية كان الهدف منه اقتحام المنطقة الخضراء بهدف دفع الجيش إلى الرد، وهو ما سيعطي الغطاء الكافي والحجة للقضاء على التظاهرات.
وحدة وطنية
وقال الناشط في التظاهرات محمد الجبوري إن “ساحة التحرير في بغداد ومختلف ساحات التظاهر في محافظات الوسط والجنوب، تضم نسيجا مجتمعيا من مختلف المذاهب والأديان والمكونات”.
وأضاف أن “أكثر ما يثير مخاوف أحزاب السلطة اليوم هي الوحدة الوطنية التي شهدتها ساحات التظاهر، خصوصا أن هذه الأحزاب كانت معتادة على زرع بذور التفرقة بين أبناء الشعب الواحد على أساس المكون والدين والعقائد، في محاولة لثنيهم عن ملاحقة ومتابعة فسادها وسوء استخدامها للسلطة”.
وتابع “سنواصل حراكنا السلمي حتى تنفيذ مطالبنا المتعلقة بتغيير نظام الحكم وإعادة كتابة الدستور في ساحة التحرير، ومحاسبة القتلة والسارقين للمال العام من السياسيين بل حتى زعماء المليشيات المتورطين في سفك دماء المتظاهرين والمدنيين العزل”.
أما الناشط المدني علي وجيه فأشار خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن “أعظم ثمار الاحتجاجات في العراق هي ثمار اجتماعية، أبرزها إعادة ترسيم الوعي السياسي العراقي الشعبي، وضرورة تغيير قواعد اللعبة السياسية”.
اعلان
ونبّه وجيه إلى أن “الحراك الشعبي اليوم أعاد ترسيم علاقة العراق مع الدول الإقليمية، وأشار بشكل واضح إلى تدخلات جميع الدول بالشأن العراقي وعلى رأسها إيران والسعودية والولايات المتحدة”.
وعن الفئة العمرية المشاركة في الاحتجاجات العراقية الأوسع منذ سنوات، أكد وجيه أن “هذا الحراك منح القوة لجيل شبابي جديد كان يتصور نفسه على الهامش، لكنه أصبح هو المتن في الحركة الاحتجاجية”.
ولفت إلى أن “الاحتجاجات دفعت القوى السياسية أيضا إلى إعادة ترتيب أوراقها، وإلى محاولة تقديم ما يرضي الشارع المنتفض”، مشيرا إلى أن “الثقة التي يشعر بها هذا الجيل بنفسه، هي أعظم ثمار الاحتجاجات على الإطلاق، وهي التي ستكون الطريق نحو تحقيق إنجازات كثيرة في الأوقات المقبلة”.
حاجز الخوف
بدوره رأى عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق علي البياتي أن “الاحتجاجات الأخيرة كسرت حاجز الخوف لدى شباب العراق بشكل خاص، والجماهير العراقية بشكل عام”.
وأوضح البياتي في حديث للجزيرة نت أن “الجرأة الحقيقية في الاحتجاجات الحالية هي المطالبة بالحقوق والاستفادة من الآليات الديمقراطية المتاحة في العملية السياسية العراقية التي بقيت جامدة وغير مفعلة منذ 2003”.
ولفت إلى أن “التظاهرات كشفت الوجه الحقيقي لشباب العراق الذي عبر عن حبه للوطن واستعداده للدفاع عنه وعن أرضه وسيادته، وتوج ذلك عام 2014 عندما توجه للدفاع عن أرض العراق بعد اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية أجزاء منها، وقدم الغالي والنفيس من أجل ذلك”.
اعلان
وتابع البياتي أن الجيل الشبابي عبر عن ذلك بالتظاهر والاحتجاج لمدة تجاوزت الشهرين من أجل الحفاظ على النظام السياسي العراقي والعملية الديمقراطية، بعد أن أصبحت مهددة بسبب الفساد الإداري والمالي والمحاصصة.
المصدر : الجزيرة