ينسجم ما أكده عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، موسى أبو مرزوق، في مقابلة مع موقع «الجزيرة. نت»، بشأن توقف المساعدات الإيرانية للحركة وقطاع غزة، مع المعلومات عن تعسّر في العلاقات والتمويل من قبل طهران لحركة «الجهاد الإسلامي» أيضا، وبما يفتح باب التساؤل: هل هذا من نتائج الاتفاق النووي الإيراني-الدولي؛ أم تزامن غير مقصود، وفي سياق المتغيرات الإقليمية؟
توقفت المساعدات الإيرانية أو تقلصت كثيرا، منذ العام الماضي على الأقل. وهذا يعزز، بالتالي، فرضية أنّ المتغيرات الإقليمية هي الأساس في هذا التراجع، وليس الاتفاق النووي الأخير، وإن كان يمكن توقع أن تصبح هناك استراتيجية إيرانية جديدة بعد الاتفاق، أكثر تشدداً في اختيار الحلفاء. ويثبت توقف الدعم الإيراني للجهاد وحماس أنّ محور الاستراتيجية الإيرانية وأولويتها ليس فكرة الممانعة والمقاومة، بل هو شبكة تحالفاتها الإقليمية التي تريدها جزءا من مشروع نفوذ وتمدد.
ومن هنا تساوت «الجهاد الإسلامي» و«حماس» رغم ميل الأولى للحفاظ بقدر أكبر، نسبياً، على الصمت والحياد إزاء مشكلات الربيع العربي التي تزعج إيران، مثل سورية واليمن. فالحياد، بأي درجة، غير مقبول من قبل طهران، وهي تطلب الانحياز، ولا تعتقد أنّ فلسطين والفلسطينيين يسمح لهم بأن يقفوا على الحياد خدمة لقضيتهم التي يفترض أنّها قضية إسلامية مركزية.
والخوف من أن تزيد إيران، بعد الاتفاق النووي الأخير، من تركيزها على تعزيز مواقفها في المحيط العربي. وتقديم الدعم فقط لمن يوافق مخططاتها واضح في حديث أبو مرزوق، عندما يقول: «إيران الآن بلا شك على مفترق طرق، والاتفاق (النووي) يتضمن اعترافا بأنها دولة إقليمية كبيرة ودولة مؤثرة ودولة لا يستطيع أحد أن يتجاوز القرار فيها (…)، لكن يجب أن تراعي ألا تغريها حالة الفراغ الموجودة في المنطقة بأي حال من الأحوال بمزيد من المغامرات الموجودة، فالمنطقة بحاجة إلى كثير من الاستقرار والكثير من السياسات التي تخرجها من أزماتها الداخلية في الوقت الحاضر، وتستطيع إيران أن يكون لها دور إيجابي في هذا السياق».
تتهم الأوساط الإيرانية «حماس» بأنّه مع صعود الإخوان المسلمين سياسياً إبان ثورات الربيع العربي، اعتقدت بإمكانية نقل الاعتماد على الإخوان المسلمين، بدل الإيرانيين. وهو أمر أزعج الإيرانيين، خصوصاً عندما اتخذ نظام محمد مرسي الإخواني في مصر موقفا مناهضا جداً للنظام السوري، فيما يتوقع أنّه كان في جزء منه رداً على الاتهامات والمخاوف من تحالف إيراني-إخواني، وهو ما كان سيزعج جدا دول الخليج العربية والغرب، وحتى جزءا من الشارع. والآن، تأتي زيارة (أو زيارات) «حماس» للسعودية لتغذي خوفا إيرانيا من أن يتجه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، لتحالف يعيد الإخوان المسلمين ومعهم “حماس” للاصطفاف ضمن محاور مناهضة لإيران، أو على الأقل بعيدة عنها، وغير معتمدة (مع ترجيح سعي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» إلى النأي بالنفس عن كل الصراعات).
إذا كانت «حماس» و«الجهاد» ستخسران من توقف الدعم الإيراني، وهو دعم مهم لهما، فإنهما ستخسران أكثر لو باعتا مواقفهما السياسية مقابل الدعم؛ ستخسران شعبياً ووطنيا وإقليميا.
أحد السيناريوهات الحالية، أن تدعم إيران أجنحة أو منشقين في «حماس» وعن «الجهاد الإسلامي»، أو حركات جديدة منافسة لهما، مثل الحديث عن دعم حركة تسمى «الصابرين» في غزة، يقودها أعضاء كانوا في «الجهاد»؛ والحديث عن خصوصية العلاقة بين الجناح العسكري في «حماس» وطهران. ولكن الانشقاقات في هذه الحالة قلما تنجح، خصوصاً عندما تأتي على خلفية مكاسب واعتبارات مالية.
هذه الأزمات تؤكد أنّ البيت الفلسطيني القوي داخليا هو الحل الوحيد للجميع. والجميع (فتح وحماس والجهاد)، بحاجة لطريقة تفكير جديدة. ورغم بوادر يأس سعودي من أداء الفلسطينيين في موضوع المصالحة، يرافقه انشغال في قضايا أخرى، ورغم أجندة مصرية مختلفة، فإنّ إقناع هذه الأطراف ببذل جهد جديد (خصوصا في سياق خروج العامل الإيراني من المعادلة) يجب أن يكون أولوية، ولا يجب أن يؤدي التحرك المرتقب على صعيد المفاوضات (خصوصا دخول عامل الأفكار الفرنسية للمعادلة) إلى تأجيل أو إعاقة المصالحة.
ببيت فلسطيني موحد يسهل مواجهة الأطراف الدولية والإقليمية التي تريد توظيف الفلسطينيين في معادلاتها.
أحمد جميل عزم
صحيفة الغد