“الاتفاق النووي” وأثره على الأزمة السورية

“الاتفاق النووي” وأثره على الأزمة السورية

580

طرحت أسئلة كثيرة حول الآثار المترتبة على الاتفاق النووي، وما يتعلق بدور إيران في منطقة الشرق الأوسط، وقضايا المنطقة العربية، وتأثيراته بشكل أخص على الأزمة السورية التي سببها تعامل النظام السوري مع أغلبية شعبه منذ أكثر من أربع سنوات.

اختلاف المواقف
اختلفت وجهات نظر السوريين عموما ومواقفهم من هذا الاتفاق، ومدى تأثيره على قضيتهم، فالمؤيدون للنظام اعتبروه إنجازا ونصرا ظنا منهم أن رفع العقوبات الدولية والغربية المفروضة على إيران والأموال المجمدة التي ستتدفق إليها ستصب في إطار تقديم المزيد من الدعم الإيراني للنظام السوري.

ويعتبر ساسة النظام السوري ومؤيدوه أن الاتفاق سيجعل إيران في موقع يعزز دعمها لدول ومليشيات “محور الممانعة” و”الممانعين الأشاوس” بالمنطقة، وما توقيع إيران صفقة الاتفاق النووي إلا مقايضة للمخالب النووية بأياد وأذرع تدخلية إقليمية تمتد من بغداد إلى صنعاء ودمشق وصولا إلى بيروت وما بعدها.

ولعل إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن ترجيح أولوية النفوذ الإقليمي لبلاده ما دامت “لا تنوي” أساسا و”لا تسعى أبدا” إلى امتلاك سلاح نووي هو بمثابة طمأنة وإنعاش في الوقت نفسه للممانعين والمناضلين والمدافعين عن “الشعوب المظلومة” يحملان معهما مليارات الدولارات التي ستضخ في الخزينة الإيرانية فور رفع العقوبات الدولية، لكن هذا النضال والدفاع ليس ضد “الشيطان الأكبر” الذي تحول لديهم إلى حليف وربما سيتحول في ما بعد إلى “الأخ الأكبر”، وسبحان مغير الأحوال.

أما المعارضون للنظام فقد توجس معظمهم من الاتفاق كونهم يرونه نجاحا إيرانيا في رفع العقوبات الدولية عنها، واعترافا دوليا بدور إيران في المنطقة العربية، مما يعني أنها ستتمادى في تدخلها في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن، بل يذهب بعضهم إلى القول إن هذا الاتفاق هو على حساب العرب وقضاياهم، خاصة أن ساسة الولايات المتحدة كانوا ينسقون على الدوام مع ملالي إيران في كافة قضايا المنطقة.

فقد قدمت الولايات المتحدة خدمات كبيرة لإيران، وعملت على تقوية دورها التدخلي، أو على الأقل لم تمانع في المشروع التوسعي الإيراني بوصفه مشروعا توسعيا، ومنتجا رئيسيا للإرهاب والحروب والنزعات المذهبية والطائفية.

يرى الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض الدكتور برهان غليون أن “هذا الاتفاق تم من دون ارتباط مع مسألة تعديل سياسات إيران الإقليمية، وبالتالي عزز موقف إيران في أي مفاوضات إقليمية مقبلة”، وباتت إيران شريكا مقبولا في العالم بعد أن كانت معزولة، كما أصبحت طرفا أساسيا في حل كل النزاعات الإقليمية التي كانت وراءها، ولا تزال تغذيها وتستخدمها لتحقيق مصالح نظامها.

ويذهب غليون إلى القول إن الغرب ضمن بهذا الاتفاق مصالحه واتقى شرور طهران، ورمى قنبلتها التخريبية على أصحاب المنطقة أنفسهم. وعليه، فإن الغرب الذي خلق المشكلة الإيرانية -بحصاره لها- تخلى عن مسؤولياته، وترك للشعوب المنكوبة في الشرق الأوسط مهمة معالجتها، وهذا ما فعله من قبل عندما رمى قنبلة المسألة اليهودية التي ولدتها سياساته العنصرية على الشعوب العربية لتتعامل معها.

أما الناطق الرسمي السابق باسم الائتلاف الوطني السوري المعارض الدكتور لؤي صافي فينفي أن يكون للاتفاق النووي الإيراني تأثير مباشر في الصراع الدائر بسوريا كونه لا يعطي إيران صلاحيات إضافية لزيادة نفوذها في منطقة المشرق كما يشاع في الإعلام العربي، وبالتالي فإن “زيادة النفوذ ربما تأتي كنتيجة طبيعية في حال استطاعت إيران تطوير اقتصادها، لكن آثار الاتفاق الاقتصادية لن تتجلى مباشرة بل ستحتاج بعض الوقت، وستتوقف على قدرة إيران تطوير اقتصادها المحلي، وسن قوانين تسمح بتبادل تجاري حر وباستثمارات خارجية في الاقتصاد الإيراني”.

ويعتبر صافي أن قدرة إيران على توسيع نفوذها في سوريا وسواها مرتبطة بصورة أكبر بالصراعات البينية الخفية بين الدول المناهضة للتوسع الإيراني، وبشكل خاص التوترات القائمة بين تركيا والدول العربية، والتوترات بين الدول العربية عموما، وغياب إستراتيجية بعيدة المدى للتعاطي مع الخطر الإيراني لدى دول مجلس التعاون الخليجي، التحالف الأكثر فاعلية اليوم على الساحة العربية الممزقة.

لا شك أن تغيرات ستحصل في المنطقة العربية بعد الاتفاق النووي الإيراني، لكن الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض هادي البحرة يرى أن المنطقة العربية باتت مهيأة “للدخول في أخطر مرحلة مرت على الشرق الأوسط منذ العام 1918 بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، حيث ستختلف التحالفات والاصطفافات في شكل لم يكن متوقعا، وستتسارع الأحداث نحو شفير الهاوية”.

قانونية “التدخلية”
المشكلة هي أن ساسة إيران يرون أن التوقيع على الاتفاق أعطى تدخلهم في الشؤون والقضايا العربية الغطاء القانوني، وبالتالي يبرر ما فعلوه في البلدان العربية منذ احتلال الولايات المتحدة العراق في 2003 وصولا إلى أيامنا هذه، حيث راحوا يتفاخرون بأنهم باتوا يسيطرون على أربع عواصم عربية، وأنهم يقارعون “الاستكبار العالمي” الذي رضخ لتدخلاتهم مقابل التخلي أو “تأجيل” طموحاتهم النووية، وباتوا يمثلون لاعبا شرعيا إقليميا، بل وربما شريكا محتملا في الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش والمنظمات المتشددة الأخرى في سوريا والعراق وسواهما.

ويأتي تأكيد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن التصديق على الاتفاق النووي مع الدول الغربية لن يدفع بلاده إلى التخلي عن “الحكومة والشعب” في سوريا، كي يرسل رسالة للممانعين والمناضلين على استمرار التدخلية الإيرانية ضد طموحات أغلبية الشعب السوري، وبما يطمئنهم على عدم “السماح باستغلال الاتفاق النووي، لأننا لن نتخلى عن دعم أصدقائنا في المنطقة”، لذلك سارعت خارجية النظام السوري إلى تهنئة ملالي إيران بالتوصل إلى الاتفاق النووي، معتبرة أن “هذا الإنجاز الذي تحقق بفضل الدبلوماسية الإيرانية ودعم الشعب الإيراني لها سينعكس إيجابا على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم”.
يبقى أن العامل الثابت في “التدخلية” الإيرانية بالمنطقة العربية هو ما يتعلق بمستقبل سوريا، حيث إن الأولوية لدى ملالي إيران فيها هي دعم بشار الأسد، والحفاظ على نظامه، وهو عامل لم يتغير منذ أكثر من ثلاثين عاما، وأرسيت دعائمه في عهد الأسد الأب، وبات فاقعا ومكشوفا للجميع في عهد الأسد الابن.

وهو أمر يشي بأن هذا الثبات في الدعم بات محورا مركزيا في سياسة حكام إيران، ليس بوصفه فقط عامل تلاقي مصالح ومنافع لطغم حاكمة ومستبدة على حساب قهر الشعوب، بل لأنه يستند إلى أساس مذهبي قبل أي شيء، تجسده نزعة شيعية ممزوجة بنزعة قومية فارسية ذات أذرع تدخلية واسعة في المنطقة، وتسلك نهجا قائما على العداء التاريخي للعرب وللشعوب العربية، خاصة للجماعة العربية المسلمة.

غياب التفاؤل
ورغم أن النظام الإيراني يعيش إخفاقات داخلية على مختلف الصعد -خاصة الاقتصادية والاجتماعية- جعلته يقدم تنازلات واسعة في الملف النووي فإنه لن يتوقف عن مد الأذرع التدخلية، واللعب على وتر العصبية القومية المصبوغة بنزعة التفوق الآري الممزوجة بوهم التميز المذهبي وولاية الفقيه، وما ينتج عن ذلك من إذكاء نزعات عنصرية قومية دينية مركبة يبيعها النظام بدلا من أن يلتفت إلى حاجات ومشاكل أغلبية الإيرانيين المسحوقين، والتصالح مع عالم اليوم على أسس المصالح المشتركة، واحترام حقوق الإنسان، والديمقراطية، وسائر قيم العصر.
وفي ظل غياب التفاؤل في إمكانية انتقال إيران إلى لعب دور إيجابي في سوريا فإن المراهنة تبدو خاسرة لدى من يعتقد أن الولايات المتحدة ستدفع الإيرانيين في مرحلة قادمة إلى الضغط على الأسد، وحثه على الذهاب إلى طاولة فليس المعروف عن ساسة إيران جنوحهم إلى السلام، والاستفادة من فرص الحل السياسي، بل اعتاشوا منذ ثمانينيات القرن العشرين وحتى يومنا هذا على الحروب وإشعالها وتسعيرها، وعلى الشحن الطائفي، وتغذية النعرات والنزعات المذهبية.
والناظر في النهج الذي اتبعه ملالي إيران في معاداة الثورة السورية مقابل الدعم الهائل للنظام السوري -قرين نظامهم في النهج والممارسة والتوجهات- يذهل من حجم التورط والتورم الذي أصابهم كي يحافظوا على نسيج شبكتهم المذهبية التي نسجوها في المشرق العربي، ورفعوا عليها يافطة “محور الممانعة”.
وهي يافطة كشفت الثورة السورية زيفها وتهافتها بعد أن أدخلت النظام السوري وحلفاءه في دائرة بركان ثائر لن تهدأ حممه وحمولاته إلا بإسقاطه، ولن يتمكن من تثبيت حكمه أصحاب الرؤوس الحامية في طهران الذين يتصرفون وكأنهم قادة دول عظمى، في وقت لا تظهر عظمتهم إلا على شعوبهم في صورة إقصاء وقمع وخراب وقتل العزل.

عمر كوش

الجزيرة نت