ضعف حكومة بغداد يغري أردوغان بمد نفوذه إلى العراق

ضعف حكومة بغداد يغري أردوغان بمد نفوذه إلى العراق

نبرةُ الوثوق الشديد بالنفس التي غالبا ما تميّز حديث الرئيس التركي عن العراق وكأن البلد ما يزال ولاية عثمانية، تكشف حقيقة نظرة رجب طيب أردوغان إلى الساحة العراقية باعتبارها خاصرة رخوة وأرضا طيعة لمدّ النفوذ، خصوصا وأنّ زعيم حزب العدالة التنمية لم يحقّق نجاحا حقيقيا في تثبيت نفوذ حقيقي لبلاده في أهم الساحات العربية التي عمل على اختراقها.

بغداد – تكشف تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن العراق أنّ الأخير ماثل بقوّة ضمن أجندة أنقرة لمدّ نفوذها وتوسيعه في بلدان الإقليم، لاسيما تلك التي كانت جزءا من خارطة الإمبراطورية العثمانية التي يعتبر أردوغان نفسه امتدادا لها وحاملا للواء إحياء “مجدها” الضائع.

ويخوض أردوغان صراع نفوذ في ساحات عربية متعدّدة ومتباعدة من ليبيا إلى السودان والصومال واليمن وسوريا دون التوصّل إلى إنجازات حقيقية عدا عن بعض الاختراقات الجزئية والظرفية، الأمر الذي يجعل من الساحة العراقية مطمعا مغريا له نظرا إلى ضعف الدولة العراقية في الوقت الحالي وقلّة ممانعتها للتدخلات الخارجية.

وكشف أردوغان عن قراره، من جانب واحد، غزو العراق بسلسلة قنصليات تعزّز نفوذ أنقرة السياسي والاقتصادي في ساحة جارها الذي يتأرجح بين أزمات سياسية وأمنية لا تنتهي، الأمر الذي يفتح الباب لدخول لاعب آخر إلى حلبة الصراع الإقليمي والدولي على النفوذ في العراق الذي تبدو قيادته في حالة من الاستسلام لمختلف اللاعبين وعلى رأسهم إيران والولايات المتّحدة.

ومنذ 2003 أجبرت تركيا العراق على منحها معاملة تفضيلية حتى تدخل أسواقه وتدفع بشركاتها للمساهمة في عملية بناء بناه التحتية، بعد أعوام من العزلة والحصار الاقتصادي والحروب المدمرة.

وتبنت الحكومات العراقية المتعاقبة إجراءات مجحفة بحقّ العراق كي تمنح الفرصة للشركات التركية والإيرانية على قدم المساواة متسببة بارتهان قراره الاقتصادي وضرب إنتاجه المحلّي عبر إغراق سوقه المحلية ببضائع مستوردة رديئة ورخيصة الثمن في معظم الأحيان، ما منع الصناعة المحلية من التقاط أنفاسها.

أعلن أردوغان، الخميس، عن نوايا بلاده إعادة افتتاح قنصليتين لها في كل من البصرة والموصل ثاني وثالث أكبر مدن العراق على مستوى الاستهلاك التجاري، مؤكدا العمل أيضا على افتتاح قنصليتين جديدتين في كل من النجف وكركوك.

ومن وجهة نظر الرئيس التركي، فإن تحرّكه الجديد نحو العراق، يعني أن بلاده “تفتتح أبواب عهد جديد للنهضة عبر تعزيز الإنتاج والتصدير وتوفير فرص العمل وحماية حقوقها في الساحة الدولية وخاصة في البحر الأبيض المتوسط”.

ويبدو العراق وفق المنظور التركي إحدى الساحات الملائمة لتحقيق طموحات أردوغان الخائض بشهية مفتوحة للنزاعات في المتوسط وليبيا، حيث يعتقد أنه يحرز انتصارات استراتيجية.

وفي ظل الانقسامات السياسية العميقة في العراق، فإن من المستبعد صعود مشروع سياسي داخلي لمواجهة الطموح التركي في استعادة التجربة العثمانية بالبلاد التي مزقتها الصراعات الطائفية والفساد السياسي والاقتصادي وارتهان اللاعبين السياسيين لرؤى خارجية.

وبسبب عوامل جغرافية، وأخرى سياسية، توغلت الشركات التركية في عمق القرار الاقتصادي لمنطقة إقليم كردستان العراق، التي يقطنها الأكراد، وحوّلت هذه المنطقة خلال أعوام إلى تابع يعتاش على مبادرات أنقرة.

وحاليا، تستولي تركيا على حقوق تصدير معظم النفط المستخرج من المناطق الخاضعة لسلطة الأحزاب الكردية في إقليم كردستان، وتوجهه نحو أسواق معيّنة، بهدف الحصول على عمولات ضخمة، حتى إذا تطلب الأمر بيعه بأسعار منخفضة جدا.

عملت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 على المساواة في منح الفرصة للشركات التركية والإيرانية على حساب الاقتصاد العراقي

وتعتقد تركيا أن بالإمكان تعزيز وضعها الاقتصادي في العراق من خلال تشغيل أربع قنصليات في الشمال والوسط والجنوب، فضلا عن وضعها الاستثنائي في إقليم كردستان، حيث تدير شركاتها الجانب الأكبر من الحركة الاقتصادية والتجارية لثلاث محافظات كردية، تستهلك قرابة 17 بالمئة من موازنة العراق التي لا تقلّ سنويا عن 100 مليار دولار.

وتقول مصادر في قطاع السياحة، إن توجه تركيا نحو تعزيز وجودها الدبلوماسي في مدن البصرة والنجف والموصل يعود إلى رغبتها في منح شركة الخطوط الجوية التركية فرصا أفضل في المنافسة، لاسيما أن المدن التركية هي أبرز الوجهات المفضلة لدى المسافر العراقي.

وفضلا عن ذلك، أقنع ممثلو شركات تركية، آلاف العراقيين بتملك عقارات في إسطنبول ومدن سياحية تركية أخرى، لذلك تحتاج أنقرة إلى إدامة تواصلها مع مختلف شرائح المجتمع العراقي، عبر القنصليات القديمة والجديدة.

وتحجز البضائع التركية على مستوى الأجهزة الكهربائية والملابس والأغذية والجلود، جزءا كبيرا من السوق العراقية، إذ تتصدر المتاجر التركية واجهات المجمعات التجارية الكبرى في بغداد ومحافظات إقليم كردستان. لكن أنقرة تريد نقل هذه الظاهرة إلى محافظات معروفة بقدراتها الاستهلاكية الكبرى، كالموصل والبصرة.

ولا يمكن تصوّر أن تكون حمّى الانفتاح التركي على العراق هي مجرد خطة لتحقيق الانتفاع التجاري، إذ أن الاقتصاد هو مدخل رئيسي للتأثير في السياسية، في بلد كالعراق.

ويقول مراقبون إن التوغل التركي في الاقتصاد العراقي، سيسهم في ارتهان قرار بغداد للاعب إقليمي جديد، في ظل تراجع تأثير كل من الولايات المتحدة بسبب السياسات المتناقضة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، وإيران بعد مقتل جنرالها البارز قاسم سليماني. ويمكن أن يمنح هذا الواقع، فرصة كبرى لتركيا، لأن تعزز مساحة نفوذها في العراق خلال المرحلة المقبلة، ما من شأنه إرضاء غرور أردوغان.

وتمارس تركيا نشاطا عسكريا شبه دائم على أرض العراق من خلال توغّلها البري في أراضيه وانتهاك طيرانها المستمّر لمجاله الجوّي بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني الذين يتخذون من بعض المناطق العراقية ملاذا لهم. كما تحتفظ في منطقة بعشيقة بالشمال العراقي بقاعدة عسكرية أنشأتها بالاتفاق مع سلطات إقليم كردستان العراق ودون علم الحكومة المركزية وترفض إخلاءها رغم إلحاح الحكومة العراقية على ذلك.

العرب