الإقليم السني في العراق ضرورة فرضتها المرحلة أم لعبة مصالح

الإقليم السني في العراق ضرورة فرضتها المرحلة أم لعبة مصالح

ظهر منذ سنوات حديث عن رسم خارطة عراقية جديدة تتضمن إقليما سنيّا عربيّا واضح المعالم والحدود. لكن، خفّ صدى ذلك الحديث، واختفى، ليعود إلى الظهور بين الفينة والأخرى وفق ما تقتضيه المرحلة. ومؤخرا صعدت هذه الدعوة إلى السطح لتزيد من الضجيج القادم من الساحة العراقية، وترفع من حرارة المشهد الذي يمرّ بمرحلة حاسمة تسطرها عملية الشدّ والجذب بين المتظاهرين والسلطة العراقية، وإيران.

بغداد – وسط زخم الأحداث، التي يعيشها العراق، منذ بداية الاحتجاجات في أكتوبر 2019، وتطورها من مطالب اجتماعية إلى تظاهرات ضد الوجود الإيراني في البلاد، مع الأحداث التي أعقبت مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، ونائب الحشد الشعبي أبومهدي المهندس، والحديث عن انسحاب القوات الأميركية، فتحت أبواب جدل آخر مع نفض بعض السياسيين في العراق الغبار على سيناريو “الإقليم العربي السنّي”.

ارتكز هذا الطرح على خطر التمدد الإيراني عبر الميليشيات التي تتجه نحو المزيد من الهيمنة على القرار السياسي في بغداد. وذكرت تقارير أن لقاءات جمعت شخصيات سنية وازنة انعقدت في الخارج، بهدف إعادة إحياء هذا المشروع الذي ظل، منذ ظهر بعد الاحتلال الأميركي للعراق، يعلو ويخبو وفق المرحلة.

ويربط خبراء بين توقيت الحديث عن “الإقليم السنّي” وما يجري في العراق، خاصة على مستوى الاحتجاجات. ويعتبرون أن محاولة تجييش السنّة في مثل هذا الوقت، ليست سوى ورقة أخرى يلعبها المسؤولون في العراق من أجل التأثير في الاحتجاجات، وتوجيه دفّتها نحو قضايا أخرى بعيدا عن التركيز على الحكومة والمسؤولين وإيران وأنصارها.

وهنا، لا يختلف هذا الطرح “السنّي”، عند البعض من المتابعين، عن محاولة أخرى تستهدف إضعاف صفّ المحتجّين، قادها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وإن اتخذت طريقا مختلفا، وذلك من خلال دعوته إلى تظاهرة مليونية الجمعة ضد التواجد الأميركي في العراق.

ويقضي المشروع بضمّ محافظات شمال وغربي البلاد، تحت البند الخامس من الدستور العراقي الجديد، الذي يتيح للمحافظة أو عدة محافظات المطالبة بإقليم إداري ضمن نظام العراق الاتحادي الفيدرالي، على غرار إقليم كردستان.

ردود الفعل
دفع الجدل الذي أثاره الحديث عن هذا التقسيم، بعض الزعامات السنية إلى النأي بنفسها عمّا يدور بشأن الإقليم السني والتشكيك وحتى التنديد به. لكن هذا النفي جاء، وفق مراقبين، دفعا للإحراج خصوصا وأنّ من الأسماء التي وردت في قائمة المجتمعين رأس هرم المؤسسة البرلمانية محمد الحلبوسي، والذي يُعرف بعلاقاته الجيدة بطهران.

وحذّر خالد الملا، رئيس تجمّع علماء العراق، من الترويج لهذا المشروع. كما اعتبر البرلماني السابق عبدالرحمن اللويزي أن تزامن قضيتي الإقليم السني وإخراج القوات الأميركية مناورة سياسية تستهدف إبقاء القوات الأميركية داخل ذلك الإقليم المفترض.

ورد الحلبوسي مستبعدا وجود أي طرح يتعلّق بتشكيل الأقاليم في العراق. ودعم حديثه تأكيد رئيس حركة الحل جمال الكربولي في تغريدة له بأن “لا مجال أخلاقيا ولا وطنيا لمناقشة أطروحات الأقاليم”. إلا أن ذلك لم يمنع استمرار تداول الأخبار والتحليلات المتعلقة بمشروع الإقليم السنّي، واعتباره ورقة سياسية، تحركها دوافع خاصة.

متابعون يعتبرون تزامن قضيتي الإقليم السني والدعوة إلى إخراج القوات الأميركية مناورة سياسية تستهدف حرف مسار الاحتجاجات

وأعلنت جبهة الإنقاذ السنية التي يتزعمها أسامة النجيفي، التي اعتبرت أن الوقت غير مناسب لقيام الإقليم السنّي الذي هو “حق دستوري وقانوني لكن لا تتوفر الآليات التي يمكن أن تسهّل إقامته في ظل هذه الظروف”.

واعتبر مراقبون عراقيون أن موقف أسامة النجيفي مرده الأساسي أن هذا المشروع المفترض يقوده حاليا غرماء له في الوسط السياسي السنّي بينهم الحلبوسي.

وكان اتحاد القوى السنية من أكثر الداعين إلى قيام “إقليم عربي سنّي” تزامنا مع دعوة إقليم كردستان إلى الاستفتاء على الاستقلال عن العراق عام 2016. وقرّر هذا التجمّع السياسي السنّي برئاسة أسامة النجيفي تشكيل مجلس قيادي لـ6 محافظات سنية وتنسيق المواقف بشأن الإقليم السنّي، وسط مباركات من بعض السياسيين السنّة للاستفتاء الكردي حيث وصفه البرلماني السابق ناجح الميزان بأنه “ضرورة استغلال الحدث والخروج من عباءة حكومة بغداد”، معتبرا أن الحكومة الاتحادية التي تتحدث باسم السنّة تمثّل إرادة ولاية الفقيه وكردستان تمثّل إرادة شعب.

وكانت القوى السنية تعتقد أنها أمام فرصة لإرغام حكومة حيدر العبادي على قبول مشروع “إقليم سني” يحقّق استقلالا ذاتيا لمحافظاتهم ولتخفيف تذمّر أهالي المحافظات من ممارسات الحكومة ومجموعات الحشد الشعبي. وعكست تلك الخطوة في حينه تعويلا متناميا في الأوساط السُنيّة على آمالها بتطور الخلاف الشيعي الكردي لإيجاد صيغة “اتحادية جديدة” تحكم معادلة السلطة، ويكون السنّة فيها أحد اللاعبين الثلاثة الكبار، لكن تلك الآمال فشلت بفشل مشروع الاستفتاء.

تغييرات مطلوبة

شعور العرب السنّة في العراق بتهميشهم يرتبط بهيمنة السياسيين الشيعة على الحكم عام 2003. لكن تحليلات فكرية سياسية تشير إلى أن هذا الشعور تحوّل إلى متلازمة “مرضية” لدى القيادات العربية السنية.

وفشلت عدة محاولات لجمع شتات السنة على مرجعية سياسية أو دينية منذ تشكيل مجلس شورى أهل السنة والجماعة نهاية 2003 إلى جبهة التوافق العراقية في 2005 إلى القائمة العراقية في انتخابات 2010 وهيئة علماء المسلمين في 2003 والحراك الشعبي السنّي في 2012.

ويرى عدد من الباحثين في شأن السنّة في العراق بأن عليهم إدراك التحوّلات الإستراتيجية، وأن يستفيدوا من التجربة الكردية. وهذا ما ذهب إليه الباحث ونائب البرلمان السابق عمر عبدالستار الذي طالب “بأن يتحوّل هذا الإدراك إلى إرادة تتجسد فكريا وعمليا بعدم التصادم مع الواقع الدولي أولا. وثانيا بربط الهوية بالأرض وليس بأي عامل فكري أو قومي أو ديني عابر للحدود، والقبول بالنموذج الفيدرالي العلماني والتعاطي مع الدستور وفق النموذج الكردي”.

وطالب عبدالستار السنّة باعترافهم بالهزيمة وإعادة تشكيل عقليتهم ومنظوماتهم السياسية، وذلك كفيل بنقلهم من كونهم لاعبا غير قادر على المنافسة إلى لاعب قادر أن ينافس في ساحة العراق السياسية المضطربة.

وذهب عمر النداوي، محلل الشؤون العراقية بمعهد واشنطن، إلى أكثر من ذلك في بحثه المعنون “حالة النزاع السنّي في العراق”، مشيرا إلى أن العرب السنّة يفتقدون إلى المرجعية الدينية والسياسية ويتميّزون بتعدد الرعاة الإقليميين بعكس الشيعة.

ويلفت إلى أن الفرص تتقلص أمام القيادات السنية العربية المجزأة لتقديم رؤية موحدة عن دورها وأهدافها المستقبلية في العراق، وإنه آن الأوان لإيلاء الأولوية للمسائل المتعلقة بالحكم والتسوية السياسية لفترة ما بعد تنظيم داعش. ويضيف النداوي أن التاريخ يشهد أن السنّة العرب يفتقرون إلى مرجعية دينية مركزية تتمكّن من الاضطلاع بالدور عينه الذي تؤديه مرجعية النجف في صفوف الشيعة.

العرب