خلال مسيرتها النضالية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود، ارتكبت حركة حماس ثلاثة أخطاء استراتيجية، ينبغي التوقف عندها والتنبه لها ودراستها بشكل معمق بعد الاعتراف بها، وهي أخطاء غيرت من مسار الحركة بشكل كامل، ومن شكل علاقاتها الدولية ومكانتها في المنطقة والعالم، ولذا يجب أن تكون محل اهتمام من ذوي العقل والحكمة والمنطق من أبناء الحركة.
ما يُعيد الحديث عن هذه الأخطاء أو لنقل المنعطفات في تاريخ الحركة هو، الجدل الذي ثار مؤخراً بسبب التعزية التي قدمها وفد رفيع لإيران بعد اغتيال الحاج قاسم سليماني، وهي تعزية أثارت جدلاً واسعاً وأعادت حركة حماس إلى واجهة الإعلام والجدل، وجددت الحديث عن طبيعة العلاقة بين الحركة وإيران، وذلك كله على الرغم من كون المسألة هامشية، ولا تستحق كل هذا الجدل، خاصة أن واجب التعزية معلوم بالضرورة بين قوى محسوبة على المعسكر ذاته. الجدل الذي ثار مؤخراً يعيد التذكير بضرورة مراجعة السياسات التي انتهجتها حركة حماس خلال السنوات الماضية، على أن هذه المراجعة تستوجب دراسة المآلات والنتائج والتحولات في المسار العام.
ومن يدرس تاريخ حركة حماس منذ التأسيس في أواخر عام 1987 وحتى الآن يجد أن ثمة ثلاثة أخطاء استراتيجية ارتكبتها قيادة حركة حماس، تستوجب المراجعة والدراسة، قبل المضي في أي شيء آخر، وهذه الأخطاء الاستراتيجية الثلاثة كالتالي:
*أولاً: المشاركة في انتخابات عام 2006، حيث شكلت تلك الانتخابات انتكاسة استراتيجية كبيرة في مسار الحركة، إذ تحولت حماس الى حزب سياسي يُنافس على سلطة لا تحكم، ويتنافس على مؤسسات قابعة تحت الاحتلال الاسرائيلي. وبعد أن كانت حماس قد جرّت حركة فتح الى مربع المقاومة في عام ألفين، فإن العكس حدث بعد سنوات قليلة، عندما انجرت حماس نحو مربع السلطة في عام 2006، وهي السلطة التي كانت حماس أصلاً لا تعترف بها، بحكم أنها حصيلة لاتفاق «أوسلو» الذي لا تعترف به حماس أيضاً.
من يظن أن حركة حماس يمكن أن تتنفس أو تعيش، بدون ظهير في المنطقة يحميها ويقدم لها الدعم والرعاية فهو واهم
*ثانياً: فض التحالف مع سوريا والتأييد العلني للانتفاضة السورية ضد النظام، وحدث ذلك في عام 2012، وكان واضحاً أن هذا ناتج عن سوء في تقدير الموقف، إذ كان الخروج من سوريا وتأييد المعارضة ضد النظام، يعني في الحقيقة فض التحالف مع كل من إيران وحزب الله، في الوقت الذي لم يكن ثمة بدائل لهذا التحالف. فضلاً عن أن التحالف مع إيران وحزب الله يجب أن يكون بالنسبة لحركة مثل حماس، أمراً استراتيجياً ومصيرياً، إذ لا يوجد أي غطاء بديل أو ظهير آخر للحركة في حال انتهت العلاقة مع هذا المحور.
*ثالثاً: صدور ما يُسمى «الوثيقة السياسية»، وهي الوثيقة التي تحمل جملة من التناقضات التي لا معنى لها، لكن أخطر ما فيها أمران، الأول أنها تتضمن قبول حركة حماس بدولة على أراضي الـ67، وهذا تنازل لم تقبض الحركة مقابله أي ثمن سياسي، أما الأمر الآخر فهو الإبقاء على ميثاق الحركة إلى جانب الوثيقة بما يُبقي على منتقدي الميثاق، فلا استطاعت الحركة أن ترضي من انتقد الميثاق، ولا استطاعت أن تبقي من يعارض دولة على أراضي الـ67، وبين هذا وذاك لم يفهم أحد لماذا صدرت تلك الوثيقة الغامضة، ولا ما أهميتها، ولا ما تأثيرها على العلاقات الدولية للحركة.
هذه المنعطفات الاستراتيجية الثلاثة كانت ذات تأثير بالغ على مسار حركة حماس، وهذه المنعطفات لا تزال ذات تأثير على واقع الحركة ومستقبلها، ويتوجب أن تجد حركة حماس اليوم من يقوم بمراجعة هذه الملفات الثلاثة وإصلاح ما يمكن إصلاحه منها، وبالأخص ملف العلاقة مع سوريا وإيران وحزب الله. من يظن أن حركة حماس يمكن أن تتنفس أو تعيش، من دون أن يكون لها ظهير في المنطقة يحميها ويقدم لها الدعم والرعاية فهو واهم، ومن يظن أن ثمة حليف محتمل للحركة غير إيران فهو واهم أيضاً، كما أن الجغرافيا تلعبُ دوراً مهماً في هذا الملف، وهنا نتحدث عن سوريا وحزب الله اللذين لولاهما لانتهت حركة حماس في عام 1997.
الخلاصة هنا هي أن المصالح هي أساس التحالفات وأساس السياسة، واليوم ثمة مشروعان في المنطقة لا ثالث لهما، الأول إيراني والثاني إسرائيلي أمريكي، وعلى حركة حماس أن تختار بين الانضمام لمحور المقاومة، الذي يتمترس مناضلو «السوشيال ميديا» خلف شاشات هواتفهم لتوجيه الشتائم له.. أو الانتحار والارتماء في أحضان تل أبيب.
محمد عايش
القدس العربي