ليس دخول تركيا المباشر، بجيشها وطيرانها، على خط الصراع في سورية أمراً يمكن تجاهله أو الاستهانة بنتائجه. ولا يمكن للقوى التي تعارض دور تركيا الجديد، والمعترضة علانية عليه، أن تغمض عينيها عن أبعادها الانقلابية بالنسبة إليها، كجهات تحمي النظام، وتشاركه معركته ضد شعبه: “الطرف السوري الآخر” الذي قررت تركيا التدخل لدعمه، بتأييد من حلف الأطلسي وأميركا، بما يمكن أن يعنيه الانخراط المباشر لقوى دولية جبارة في الصراع من تبدلات تحولية على صعيده الخاص، وعلى علاقاتها وخياراتها المختلفة ومصالحها المتعارضة، وما يمكن أن تفضي إليه أية حسابات خاطئة من أعباء إضافية، سيحملها المجتمع السوري المهشم، ودولته المدمرة، قد تودي بوجوده من حيث تريد إنقاذه من مأساته.
ثمة سؤالان يطرحهما التطور الجديد الذي يتخطى كثيراً المسألة السورية، هما: 1- إلى أي مدى سيصل تدخل تركيا في سورية، وهل ستقبل دولة كبيرة وقوية مثلها الانخراط في حرب استنزاف طويلة، تقتصر على منطقة محددة تسميها منطقة آمنة، أم أنها ستستخدم هذه المنطقة قاعدة انطلاق لعمليات كبيرة ونوعية في العمق السوري، من شأنها قلب موازين القوى لصالح الثورة، وتعزيز الخيار الذي يرفض تقسيم سورية وحكمها من جهات أصولية/ إرهابية، بعد التخلص من الأسد ونظامه؟ وبالنتيجة: هل سيقتصر التعامل التركي الذي سيغطي المرحلة المقبلة على تشكيلات عسكرية/ سياسية سورية بعينها، أم أنه سيتسع ليشمل مكونات عديدة من مجتمعنا، لم تلعب إلى اليوم دورها الحيوي في إخراج بلادنا من المآزق التي حشرها النظام فيها، بدعم يومي من إيران وروسيا؟ وهل هناك مدى زمني محدد “للبرنامج التركي”، أم أن زمنه مفتوح؟ وهل سيستهدف تنظيمات تمثل خطراً على اسطنبول، مثل (داعش) والحزب، أم سيتسع ليشمل قوات النظام ومن يساندها من مرتزقة إيرانيين وروس ولبنانيين وعراقيين، ومن يقودهم من جنرالات طهران وموسكو؟
2ـ ما الذي سيحدث في حال قررت طهران الرد بالمثل، وتوسيع تدخلها المباشر في سورية، وإذا ما مارست روسيا ضغوطاً مكثفة على أنقرة، انطلاقا من معارضتها القديمة تدخل تركيا المباشر في القضية السورية؟ وما عساه يكون رد الفعل الأميركي في حالة كهذه؟ وماذا سيكون مصير سورية: هل سيكون باستطاعتها تحمل نتائج عراك دولي كبير عليها، وفي ساحتها، أم أن إنقاذها سيكون مستحيلاً، بعد كل ما عانته في الأعوام الكارثية الماضية؟
أحدث التدخل التركي المباشر في القضية السورية تبدلاً كبيراً في علاقات القوى الإقليمية والمحلية ومتعلقاتها الدولية. وجاء في وقت يوحي بأن واشنطن خدعت إيران، عندما وافقت، مباشرة بعد أخذ برنامجها النووي منها، على دور تركي عسكري مباشر في سورية، يضاف إلى ما كانت قد وافقت عليه قبل أشهر من دور سعودي/ عربي/ إسلامي مماثل في اليمن، واستغلت الاتفاق لتوريطها في حربين استنزافيتين كبيرتين، لن تقوى على مواجهة نتائجهما، بدل أن تكافئها على تفاهمها معها، وتمنحها دورا استراتيجيا خاصاً، يغطي المنطقة كلها، الأمر الذي توجس كاتب هذه الأسطر منه مرات عديدة، لاعتقاده أن دورا كهذا سيكون مصلحة أميركية عليا. والآن، يطرح نفسه السؤال: هل تقبل إيران هزيمة تنزل بها من دون أن تقاومها؟ وماذا يمكن أن يكون رد فعل تركيا، في حال قررت توسيع انخراطها العسكري المباشر في القتال إلى جانب الأسد؟ هل ستكتفي تركيا عندئذ بالمنطقة العازلة، أم أنها ستوسع تدخلها بدورها، لكي تواجهها، وماذا سيكون انعكاس مواجهة كهذه على سورية وشعبها ووحدتها؟
أعتقد أن ما يحدث لن يكون في صالح أحد، إن كان يتم خارج أي جهد عربي/ إقليمي/ دولي، لإيجاد حل سياسي متوافق عليه للمعضلة السورية التي تتحول إلى معضلة دولية عنيفة، بكل معنى الكلمة، تحمل من الأخطار على أمن العالم وسلامه ما لم يسبق لأية معضلة أخرى أن حملته في العقود الأخيرة. هل نحن أمام احتمال كهذا، سيأتينا بالسلام محمولاً على جنازير الدبابات؟ أعتقد أن نجاة بلادنا صارت رهنا بخطوة سلمية كهذه. أرجو شخصياً أن يكون التفكير فيها والإقدام عليها قد سبق الخطوات والتعقيدات الجديدة، وأن نرى نتائجه في وقت غير بعيد.
ميشيل الكيلو
صحيفة العربي الجديد