المغرب وإقليم الصحراء.. استراتيجية التغيير

المغرب وإقليم الصحراء.. استراتيجية التغيير

ملامح تغيير تطغى على استراتيجية المغرب في التعامل مع قضية إقليم الصحراء المتنازع عليه مع “جبهة البوليساريو”، وانعكست على المستويات الدبلوماسية والاستثمارية والقانونية.

التغيير تجلى من خلال افتتاح عدد من البلدان الإفريقية قنصليات لها في الإقليم، مرورا برصد الرباط استثمارات لتنميته، وصولا إلى مدّ ترسيم الحدود البحرية المغربية لتشمل “الصحراء”.

ويشهد إقليم الصحراء، منذ 1975، نزاعا بين المغرب وجبهة “البوليساريو”، وذلك بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين، توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية أممية.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تدعو “البوليساريو” إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين من الإقليم.

افتتاح قنصليات بالإقليم
تعمل الرباط على إقناع عدد من الدول بسحب الاعتراف بـ”البوليساريو”، كما عادت إلى العمل من داخل أروقة الاتحاد الأفريقي، بعد سياسة الكرسي الفارغ التي اعتمدتها منذ مغادرتها التكتل عام 1984 بعدما قبلت بعضوية جبهة البوليساريو.

وعملت الدبلوماسية المغربية على مد يدها لدول تخالفها الرأي حول الملف، ونجحت في إقناع عدد منها ببدء علاقات جديدة.
ومؤخرا، افتتحت 5 دول أفريقية قنصليات بإقليم الصحراء، ليرتفع بذلك عدد القنصليات الأجنبية بإقليم الصحراء إلى 6.

وقال وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في تصريحات إعلامية في 17 يناير/ كانون ثاني الماضي، بمناسبة افتتاح الغابون قنصلية عامة بمدينة العيون بإقليم الصحراء، إن “قنصلية الغابون تعد ثالث تمثيلية دبلوماسية بالعيون بعد القنصلية الشرفية لكوت ديفوار التي افتتحت في يونيو/ حزيران الماضي، وقنصلية جمهورية جزر القمر التي شرعت في تقديم خدماتها في ديسمبر/ كانون الأول الماضي”.

ولفت بوريطة إلى أن “مدينة الداخلة بالإقليم تحتضن قنصليتين عامتين لكل من غامبيا وغينيا”.

وفي 23 يناير الماضي، افتتحت إفريقيا الوسطى قنصلية في مدينة العيون.

استثمارات ومؤتمرات
في 23 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أعلنت الرباط إطلاق 68 مشروعا استثماريا، بقيمة 57.65 مليار درهم (6.1 مليارات دولار)، قالت إن 29 في المئة منها ستنفذ في إقليم الصحراء.
وبحسب أرقام رسمية صادرة في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، فإن عدد المشاريع المنجزة في إطار برنامج تنمية إقليم الصحراء بلغت 87 مشروعا، بميزانية تناهز نحو 723 مليون دولار.
ومن المنتظر إطلاق مشاريع أخرى خلال السنة الحالية.

كما اختار المغرب الإقليم، وخصوصا مدينتيْ العيون والداخلة، لاستضافة عدد من المؤتمرات والمسابقات.

وفي تصريحات سابقة، أعلن بوريطة أن اجتماع وزراء خارجية المغرب ودول المحيط الهادي الـ12 سيعقد يوم 22 فبراير/شباط الجاري بمدينة العيون.

وأشار إلى أن هذا الاجتماع الذي سيتناول مختلف جوانب التعاون بين المملكة وبلدان المحيط الهادي، يعد “بداية لتكريس هذه الحقيقة الدبلوماسية التي تميزت بافتتاح عديد من قنصليات دول أجنبية بمدينتي العيون والداخلة”.

من جانبه، اختار الاتحاد المغربي لكرة القدم مدينة العيون حيث انتظمت نهائيات كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة، بين 28 يناير الماضي و7 فبراير الجاري.

وتحتضن مدينة الداخلة منتدى “كروس منتانا” (منظمة دولية غير حكومية مقرها سويسرا)، منذ سنوات، ويستضيف هذا المنتدى الذي يتناول عددا من القضايا والمواضيع الدولية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، زعماء دول ورؤساء حكومات.

مد ترسيم الحدود
هو الجانب القانوني الذي لجأ إليه المغرب في إطار استراتيجيته الجديدة حول ملف إقليم الصحراء.
وفي 22 يناير الماضي، صادق مجلس النواب المغربي على مشروعي قانونين لمد ترسيم الحدود البحرية لتشمل إقليم الصحراء، رغم معارضة كل من إسبانيا وجبهة “البوليساريو”.
وعقب التصويت، وصف وزير الخارجية ناصر بوريطة، ذلك اليوم بـ”التاريخي”.

وأضاف في تصريحات إعلامية، أن “هذه الخطوة تكرس الهوية المجالية للبلاد التي تمتد من طنجة (أقصى الشمال) إلى الكويرة (جنوبي إقليم الصحراء/ تحت إدارة موريتانيا حاليا) على طول المحيط الأطلسي”.

وفي وقت سابق، أعلن الحزب الاشتراكي الحاكم في إسبانيا، أن “ترسيم الحدود المائية المغربية المجاورة لجزر الكناري (إسبانية ذاتية الحكم) ولمدينتي سبتة ومليلية (تحت السيادة الإسبانية وتطالب بهما الرباط)، ينبغي أن يتم في إطار اتفاق مشترك”.

فيما رد بوريطة بالقول إن “الحوار والدبلوماسية والتفاوض بإمكانها إيجاد حل للخلاف حول تحديد المجالات مع إسبانيا”، مشددا على أن المملكة “تمارس حقها السيادي ويدها ممدودة لمدريد إذا كان هناك تداخل في تحديد المجالات على مستوى المياه”.

كما نقلت تقارير إعلامية استنكار جبهة “البوليساريو” لمشروعي القانونين.

سحب الاعتراف بـ”البوليساريو”

وفي يوليو/ تموز الماضي، قال مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة المغربية، إن “مسلسل سحب الاعتراف بالبوليساريو متواصل”.

وأوضح الخلفي، بمدينة مراكش (غرب): “بعدما كانت 84 دولة تعترف بالبوليساريو في ثمانينيات القرن الماضي، أصبح عدد الدول التي سحبت اعترافها إلى الآن أكثر من 50 آخرها السلفادور والباربادوس”.

وأضاف: “خلال الدورة 41 لحقوق الإنسان في جنيف، نهاية يونيو الماضي وبداية هذا الشهر (يوليو)، لم تجد البوليساريو إلى جانبها إلا 8 دول إفريقية وأربعة من أمريكا اللاتينية ودولة من آسيا”.

وفي يناير 2017، صادقت قمة الاتحاد الإفريقي رسميا على عودة المغرب لعضويته بعد أكثر من ثلاثة عقود من انسحابه.

وأشارت الخارجية المغربية، في حصيلة عملها لعام 2019، إلى “عدم تبني قمتي الاتحاد الإفريقي لشهري فبراير ويوليو بالعام نفسه لأي قرار يخص القضية الوطنية، بالإضافة إلى حذف الفقرات الخاصة بقضية الصحراء من تقرير مجلس السلم والأمن الإفريقي لسنة 2019”.

(الأناضول)