أعداد الضحايا الشيعة تُظهر عمق تورّط إيران في المعارك في سوريا

أعداد الضحايا الشيعة تُظهر عمق تورّط إيران في المعارك في سوريا

SyriaShiiteForeignFighterAssadRTX15QE8-198x132

خلال خطاب عُرض من على شاشة التلفزيون السوري في 26 تموز/يوليو، أقرّ الرئيس السوري بشّار الأسد وللمرة الأولى أنّ نظامه يعاني من “نقص في الموارد البشرية” في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، معترفاً ضمناً بالضحايا التي لحقت بمختلف القوات [الأجنبية] التي تساعد قواته برعاية إيرانية. ومنذ إشارته إلى أنشطة «حزب الله» اللبناني في سوريا للمرة الأولى في أوائل عام 2013، نادراً ما أشاد بفضل هذه القوات المقاتلة بالنيابة عن إيران للدور “الهام” و”الفعال” الذي تؤديه في الحرب، مصراً بدلاً من ذلك على ادعائه بأنّ مشاركة طهران تقتصر على توفير “خبراء عسكريين” لا غير. وفي ذلك، ردد ما قاله مسؤولون إيرانيون، الذين يعلنون عادة أن المواطنين الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا ليسوا عناصر عسكرية نُشرت هناك من قبل الحكومة، بل متطوعين من «الشهداء المدافعين عن الحرم»، في اشارة الى مواقع الحج الشيعية في دمشق.

ولا يُعرف ما هي الأرقام المحددة لعدد الخسائر البشرية الإيرانية في سوريا، فلدى طهران أسباب كثيرة تدفعها إلى التقليل من قيمة مدى مشاركتها وخسائرها هناك. ومع ذلك، جرى مسح لمآتم المقاتلين الإيرانيين والأفغان والباكستانيين الشيعة الذين لاقوا حتفهم في الحرب على مرّ العامين والنصف المنصرمين، وهو يوفّر بعض المؤشّرات حول التورّط العسكري للجمهورية الإسلامية. ووفقاً لبيانات تم جمعها من أخبار مفتوحة المصدر باللغة الفارسية حول المآتم التي جرت في إيران، فقد قُتل 113 مواطناً إيرانياً و 121 من الرعايا الأفغان، و 20 من الرعايا الباكستانيين في المعارك التي جرت في سوريا منذ كانون الثاني/يناير 2013. (ولم يشمل هذا المسح العدد الهائل من الضحايا العراقيين واللبنانيين الشيعة؛ لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع، انظر “انتصار «حزب الله» في القلمون: كسب المعركة، خسارة الحرب“، و “المقاتلون الأجانب الشيعة العراقيون يبرزون مجدداً في سوريا).

وبشكل واضح، تشير الأخبار المتاحة للعامة إلى أنّ جميع الضحايا الإيرانيين الـ 113 كانوا قد خدموا في «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ولتحليل عدد الضحايا وفقاً لفروع «الحرس الثوري»، هناك 8 منهم خدموا في صفوف “القوات البرية” لـ «الحرس الثوري» الإيراني، وتم تحديد 8 آخرين كأعضاء في «قوة القدس»، و 3 خدموا في «ميليشيا الباسيج». كما تُظهر صور المآتم ولمحات سير الحياة أنّ الـ 94 الباقين كانوا أعضاءً في خدمة فعلية في «الحرس الثوري الإسلامي» أيضاً، رغم أنّه لا يُعرف اسم الفرع الذي خدموا فيه. وقد يعكس غياب المعلومات حول بعض هؤلاء الأفراد محاولة «الحرس الثوري الإسلامي» إخفاء خدمتهم في «قوة القدس»/«فيلق القدس» – وَحْدة خاصة تُركز على العمليات التي تتجاوز الحدود الإقليمية – أو التستر على نشر “القوات البرية” لـ «الحرس الثوري» الإيراني.

أما بالنسبة إلى المواطنين الأفغان والباكستانيين الذين قُتلوا في المعارك، فقد تَبيّن أنّ جميع الباكستانيين كانوا أعضاءً في “لواء الفاطميين”، بينما خدم الباكستانيون في “لواء الزينبيين”، علماً أنّ كلا هاتين الميليشيتين كانتا ترفعان التقارير على ما يبدو لـ «فيلق القدس» الذي كان يتولى تنظيمهما.

إلى ذلك، فإنّ أول نبأ عن سقوط مواطن إيراني في القتال في سوريا كان عن علي أصغري تقناكي البالغ الثلاثين من العمر وهو ناشط في «قوة القدس» قُتل في دمشق في 28 كانون الثاني/يناير عام 2013. كما أنّ عزيم فائزي كان أول شهيد أفغاني شيعي تم الإبلاغ عنه حيث قتل في مكان لم يتم الكشف عنه في سوريا في وقت ما قبل أيلول/سبتمبر 2013. وأول شهيد باكستاني شيعي تم الإبلاغ عنه كان حسين عادل الذي قُتل في دمشق في وقت ما قبل السادس من شباط/فبراير 2015.

(عَرْض أكبر)

وفي حين أنّ أوائل عناصر «الحرس الثوري الإسلامي» الذين قُتلوا في سوريا كانوا أعضاءً في «فيلق القدس»، تُشير الأخبار التي نشرتها الصحف منذ تموز/يوليو 2014 إلى ارتفاع عدد الخسائر البشرية في “القوات البرية” التابعة لـ «الحرس الثوري» الإيراني. ويبدو ذلك جلياً عند تحليل مكان دفن جثثهم في إيران: فأعضاء «قوة القدس» يتم تجنيدهم من جميع أنحاء البلاد، ويُدفنون بشكل فردي في المحافظات التي وُلدوا فيها، إلا أن “القوات البرية” يتم تنظيمها وفقاً للتقسيمات الإدارية الإيرانية، حيث أن هناك وحدة محلية تابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي» مخصصة لكل محافظة. لذلك، تشير إقامة مآتم جماعية في محافظة معينة إلى أنّه تم إرسال وحدة من “القوات البرية” من تلك المحافظة إلى سوريا.

(عَرْض أكبر)

وقد جرى نشر “القوات البرية “على ما يبدو في أعقاب تزايد الضحايا في أوساط «فيلق القدس» الذي يشكّل وحدةً صغيرةً نسبياً، الأمر الذي لم يُبقي أمام «الحرس الثوري» الإيراني أي خيار سوى نشر قواته “النظامية” في سوريا.

وفي المقابل، يبدو أنّه كان قد تم التخطيط لنشر لواءي “الفاطميون” و “الزينبيون” في مرحلة مبكرة من النزاع، وربما في أواخر عام 2012، حينما أدرك «حزب الله» وإيران المحنة التي يمرّ بها نظام الأسد. وتتماشى هذه الخطوة مع تلك التي اعتمدتها «قوة القدس» لتزويد الأفغان والباكستانيين الشيعة بالخبرة القتالية – أيّ أنّ نشرها لم يأتي كرد فعل لارتفاع عدد الخسائر البشرية الإيرانية. ومع ذلك، فإنّ الإبقاء على لواء “الفاطميين” في سوريا على الرغم من ضحاياه العالية، قد يعكس نقص القوى البشرية الذي يعاني منه «الحرس الثوري الإسلامي» وحاجة نظام الأسد المستمرة للقوات.

وقد كشف مسح حول رتب الضحايا ومهاراتهم التقنية عن وجود اختلافات ربما تكون كبيرةً بين المقاتلين الإيرانيين وغير الإيرانيين. فمن بين الإيرانيين الـ 113، تم إحياء ذكرى 10 منهم على أنّهم “سردار” وهو لقب يُطلق على الضباط من ذوي الرتب العالية في «الحرس الثوري» الإيراني. واستناداً إلى تعليقات القرّاء في المواقع الإلكترونية التي أحيت ذكرى الشهداء، فقد كان من بين هؤلاء مستشارين تقنيين، ومدرِّبين في القتال، وأفراداً مشاركين في القتال (من بينهم سائق دبابة واحد)، وقوات العمليات الخاصة، وضباط مخابرات، وحتى صحفيين ومعدّي أفلام تلفزيونية وثائقية. وفي المقابل، يبدو أنّ المواطنين الأفغان والباكستانيين خدموا كجنود مشاة لا غير، باستثناء أربعة عناصر هم: قائد لواء علي رضا توسلي (متطوع أفغاني قاتل في الحرب بين إيران والعراق) ونائبه رضا بخشي، وقائد سرية مهدي صابري، ورجل الدين محمد رضائي. وتم تعريف بعض الضحايا الأفغان على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، حيث وُصفوا بأنّهم “قنّاصين”، غير أنّ ذلك قد يعكس تأثير الثقافة الشعبية الغربية أكثر من الخبرة الفعلية لهؤلاء “القنّاصة”.

هناك القليل جداً من المعلومات المتاحة عن العمليات المحددة التي انخرط فيها هؤلاء المقاتلون. ولزيادة الأمور تعقيداً، فقد ذُكر مكان مقتل معظمهم على أنّه “سوريا” أو “الضريح في دمشق”، الأمر الذي يُقصد منه دعم رواية استشهادهم وهم يدافعون عن مواقع الحج الشيعية – بدلاً من القتال في حلب، على سبيل المثال، بعيداً نحو شمال البلاد. وقد اعترف أحد المصادر أن “لواء الفاطميون” مُني بخسائر فادحة خلال الإستيلاء الأولي للجيش السوري على بلدة “الدُخانية” شرق دمشق، ثم انسحابه منها في تشرين الأول/أكتوبر 2014. وأفاد المصدر ذاته أن هذا اللواء تورَّط في هجوم غير ناجح للجيش السوري ضد حلب، من المحتمل أنه كان قد وقع في شباط/فبراير 2015.

المحصلة

ينتشر «فيلق القدس» ومجندوه من أفغانستان وباكستان بشكل غير مكثّف، ووقع بينهم عدد كبير من الضحايا، مما دفع بدوره إلى زيادة انتشار “القوات البرية” لـ «الحرس الثوري الإسلامي» في سوريا. ولكن، حتى مع ذلك، فمن غير المرجّح أن تتخلى إيران عن التزامها لنظامها العميل في دمشق على المدى القصير. فالجمهورية الإسلامية بشكل عام، و «الحرس الثوري» بشكل خاص، قد أسفكا الكثير من الدماء واستثمرا الكثير من المال في هذه الحرب ولم يعودا يعتقدان أن بمقدورهما سحب دعمهما. بيد، يمكن القول إنّ سهولة نفاذ إيران إلى العملات الأجنبية في أعقاب الاتفاق النووي [التي تم التوصل إليه مع طهران] بقيادة الولايات المتحدة سوف تترجم بزيادة في تمويل عمليات «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا. وبالنظر إلى المستقبل، فإنّ جهود «قوة القدس» لتزويد الأفغان والباكستانيين الشيعة بالخبرة القتالية هو بمثابة تحذير مسبق بشأن الأمور التي ستزداد سوءاً في أفغانستان في المستقبل عندما يعود هؤلاء المقاتلون إلى ديارهم.

علي آلفونه

معهد واشنطن