عمدت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في ولايتها الثانية، إلى تسريع الجهود الرامية إلى إضعاف مسلمي الهند. ورغم أنّ المسلمين يُعدّون على نطاق واسع أفقر المجتمعات الدينية بالهند، وهذا يعود في جزء منه إلى خلل إحصائي، نظراً إلى أن الكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى المسلمة انتقلوا إلى باكستان عند الانفصال. فإن “حزب بهاراتيا جاناتا” (BJP)الحاكم يعتقد أن الأحزاب الأخرى، لا سيما حزب المؤتمر الذي كان مهيمناً في فترة من الفترات، فضّلت المسلمين على الهندوس لعقود من الزمن.
كان أوّل الحقوق الذي انتزع من المسلمين هو “الوضع الخاص” لولاية جامو وكشمير ذات الغالبية المسلمة في الهند، ومن بين الأحكام التي ألغيت تلك المتعلقة بشراء الأرض في الولاية من قِبل “الأجانب”، وقد رأت الحكومة أنّ تلك الأحكام أضرّت بالتنمية الاقتصادية. إلا أنّ الغريب في الأمر هو أنه ليس لدى الحكومة خطط لإلغاء إجراءات حمائية مماثلة ممنوحة لعدة مناطق في شمال شرق الهند.
بعد ذلك، جاءت الضربة المزدوجة المتمثلة في “السجل الوطني للمواطنين” (NRC) و”قانون تعديل الجنسية” (CAA)، واقترحت الحكومة بدء العمل في جميع أنحاء البلاد بالسجل الوطني للمواطنين، وهو إجراء يهدف إلى ضبط المهاجرين غير الشرعيين في آسام، وذكرت تقارير أنها طلبت من الولايات الهندية البدء في بناء مراكز احتجاز.
ومن المرجّح أن يكون إثبات الجنسية، في بلد يفتقر فيه 38 في المئة من الأطفال من دون سن الخامسة إلى شهادات ميلاد، أصعب مما تعتقد الحكومة، كما أنّ أولئك الذين سيعانون، لن يكونوا على الأرجح من المسلمين فقط.
وهنا يأتي دور قانون تعديل الجنسية، الذي يَعتبر من يمارسون الديانات الخمس، أي الهندوس والسيخ والبوذيين والجاينيين والبارسيين، إلى جانب المسيحيين، “هنوداً أصليين” مؤهلين للحصول على الجنسية الهندية.
وينطبق هذا الإجراء على الهاربين من الاضطهاد في أفغانستان وبنغلاديش وباكستان. لكن كيف يمكن لأشخاص لا يستطيعون إثبات أنهم هنود أن يثبتوا أنهم من مكان آخر؟ يُعتبر المسلمون، الذين لا يحملون وثائق ثبوتية، بشكل خاص غير مؤهلين للحصول على الجنسية.
أكّد عددٌ من الوزراء مراراً أنّ لا مبرر لأن يخشى المسلمون الهنود شيئاً. بيد أنّ الحشود الغاضبة إذا بدأت بمهاجمة المسلمين وحرق منازلهم، كما حدث في دلهي الأسبوع الماضي، فقد تكون إحدى نتائج ذلك هي تدمير وثائقهم الثبوتية، لذلك على الرغم من تأكيدات الحكومة، ليس من الصعب تصوّر سيناريو يُنقل فيه جزءٌ من مسلمي الهند إلى مراكز الاحتجاز.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الهند لن تكون بتاتاً أول دولة في محيطها تفعل ذلك للأقلية المسلمة. ففي الصين، يُعتقد أن نحو مليون من اليوغور يقبعون في معسكرات لإعادة التربية والاحتجاز، بينما نُقل مسلمو الروهينغايا في ميانمار أولاً إلى معسكارت قبل فرارهم إلى بنغلاديش.
وقد تتمثل الخطوة التالية في وضع قانون مدني موحد، فمنذ الاستقلال، كان لكل مجموعة دينية قانونها الخاص، المتعلق بالزواج والطلاق، على سبيل المثال، وسيكون استبدال قانون موحد بهذه القوانين الخاصة إجراءً مبرراً تماماً، لا سيما أن من الممكن اعتبار النظام الحالي تمييزيّاً ضد المرأة المسلمة.
وبمجرد الانتهاء من تقليص حقوق المسلمين، يمكن الافتراض أن وضعهم الثانوي سيكون واضحاً.
فماذا بعد؟ من المرجّح أن تخضع الحصانة النسبية للمسلمين الهنود ضد التطرف لاختبار صعب. تاريخياً، أُلقيت مسؤولية الهجمات الإرهابية في الهند على الجماعات المُرتبطة بباكستان. لكن يمكن للإرهاب “الناشئ من الداخل” أن يوفّر مبرراً لمزيدٍ من القمع الحكومي.
وتشير التغيرات الاجتماعية أيضاً إلى أن العنف الذي شهدته دلهي قد يكون نذيراً لما سيأتي. فالبطالة بين الشباب تبلغ نحو 10 في المئة وفقاً لمنظمة العمل الدولية، رغم أنّ بعض الدراسات يفيد بأنّ الرقم أعلى من ذلك بكثير.
ومما يثير القلق بصورة مماثلة التداعيات الاجتماعية للتفاوت الشديد بين نسبة الذكور الإناث في الهند (كما في الصين أيضاً)، وهو ناجم عن وأد البنات. ومن المحتمل أنّ وجود هذه “الأغصان العارية”، أي العازبين الذين لا يضيفون ذرية جديدة إلى شجرة العائلة، سيؤدي إلى تفاقم “عدم الاستقرار الاجتماعي والجريمة العنيفة وتكوين العصابات”، حسبما حذّر مقال استشرافي نُشر في عام 2004.
وكما قال دونالد ترمب خلال زيارته الأخيرة، فإنّ الهند “كانت تحظى دائماً بالإعجاب في جميع أنحاء الأرض، باعتبارها المكان الذي يعبد فيه الملايين والملايين من الهندوس والمسلمين والسيخ والجاينيين والبوذيين والمسيحيين واليهود جنباً إلى جنب في انسجام”. لذا فإنه في حال استمرت الهند في مسارها الحالي، ربما يصبح هذا الانسجام أشبه بسلعة نادرة.
غاريث برايس
اندبندت عربي