من المفترض أن يكون الاتفاق الأخير بين إيران ومجموعة 5 + 1، قد وضع مسألة السلاح النووي الإيراني جانبًا على مدى السنوات العشر القادمة، أو لفترة أطول ربما. ولكن رغم ذلك، لا تزال إيران تحتفظ بمجموعة من الأدوات الفتاكة لمتابعة تحقيق مصالحها في الشرق الأوسط. وقد تجاوز الوجود الإقليمي لإيران دائمًا تهديد الأسلحة النووية؛ وقبل الثورة، لعبت إيران دورًا محوريًا في سياسات المنطقة؛ وبعد الثورة، استمرت طهران في لعب هذا الدور، لكن بشكل تخريبي أكثر بكثير.
وفيما يلي خمس “أدوات” قاتلة تستطيع طهران استخدامها في حماية مكانتها، وتعزيز أهدافها ونفوذها:
الحرب غير النظامية
كافحت إيران في سبيل إبعاد قواتها العسكرية التقليدية عن مختلف الحروب التي اشتعلت في المنطقة منذ وقت مبكر من العقد الماضي. ولكن هذا لا يعني أن إيران بقيت بمنأى عن هذه الصراعات؛ بل بدلًا من ذلك، رعت إيران حروبًا غير نظامية، من خلال التدريب، وتوريد الأسلحة، وتوريد النقد، في كل من العراق، وسوريا، وأفغانستان، وأماكن أخرى. ويعمل الحرس الثوري الإيراني بشكل عام كوسيلة لإيصال هذا الدعم.
وكان الدور الإيراني أقرب إلى التوجيه، والتدخل العسكري الرسمي، في سوريا، حيث أنفقت طهران بقوة للحفاظ على نظام الأسد في السلطة، ولتقييد انتشار داعش، وقد قتل قائد من فيلق القدس في دمشق.
ومنذ الغزو الأمريكي للعراق، تدخل الإيرانيون أيضًا في الشؤون السياسية والعسكرية العراقية، وحدث هذا عادة من خلال رعاية الميليشيات الشيعية هناك. ولا يزال مدى أهمية الدعم الإيراني للجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى، بما في ذلك المتمردين الحوثيين في اليمن، محل خلاف، ولكن ليس هناك شك كبير في أن إيران أظهرت استعدادها للخوض في الصراعات الإقليمية من خلال التدريب والتسليح.
بطاقة إسرائيل
يجادل البعض بأن التسامح الظاهر حديثًا من قبل الدبلوماسيين السعوديين تجاه إسرائيل يمثل القشة التي قصمت الظهر فيما يتعلق بتخلي الدول السنية في الشرق الأوسط عن تحرير فلسطين. وعلى مدى العقد الماضي على الأقل، ملأت إيران هذا الفراغ من خلال دعمها لحزب الله، وحماس، فضلاً عن منظمات فلسطينية أخرى. ويمنح دعم هذه المنظمات لطهران ميزات دبلوماسية وأيديولوجية في المنطقة، ويقدم أيضًا بعض التوازن ضد الهيمنة العسكرية التقليدية الساحقة لإسرائيل.
وهناك جدل كبير حول إلى أي مدى قد يذهب قادة حماس، وحزب الله، والجماعات الفلسطينية الأخرى، نيابةً عن إيران؛ وتستطيع قوات الدفاع الإسرائيلي أن تضر بهذه الجماعات على نحو أكثر فعالية بكثير من قدرتها على إلحاق الضرر بإيران. ومع ذلك، يعد استمرار وجود هذه المنظمات مصدر قلق دائم بالنسبة للحكومة الإسرائيلية.
الصواريخ الباليستية
لا تزال قوة إيران الصاروخية أخطر تهديد عسكري تقليدي ضد المنطقة تمتلكه الجمهورية الإسلامية. وتعد هذه الصواريخ الباليستية قادرة على توجيه ضربات دقيقة ضد الأهداف السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، في منطقة الخليج، وتشكل تهديدًا حقيقيًا بإلحاق أضرار جسيمة بالنظام الإقليمي. وبهذا المعنى، توفر الصواريخ البالستية تحقيق هدف الردع الذي قد يوفره البرنامج النووي، ولكن بشكل أكثر مصداقية بكثير.
وقد لا تستطيع الضربات الصاروخية البالستية تدمير إنتاج النفط، أو البنية التحتية لنقل النفط، في منطقة الخليج، على الرغم من أن التحسينات في دقة هذه الصواريخ على مدى السنوات القليلة الماضية قد زادت بلا شك من قدرتها على التدمير. وسوف تستدعي الضربات الصاروخية بلا شك انتقامًا كبيرًا من المملكة العربية السعودية وحلفائها، إلا أن هذه الصواريخ يمكنها التسبب بحالة من الفوضى والاضطراب بكل تأكيد، وهو ما يجعلها تشكل رادعًا فعالًا.
اتفاقيات النفط
سوف يفتح الاتفاق مع P5 + 1 الباب أمام الاستثمار في صناعات النفط والغاز الطبيعي الإيرانية، وهو الاستثمار الذي سوف يساعد في إعادة بناء البنية التحتية للطاقة المصابة بالشيخوخة والمتهالكة في البلاد. وستأتي كميات كبيرة من الأموال للاستثمار من قبل الشركات الأجنبية. ومتحررةً من القلق بشأن العقوبات، ومن التعرض للانتقام القانوني من قبل الحكومة الأمريكية، سوف توقع هذه الشركات اتفاقيات تعاون في المجالات المختلفة مع الحكومة الإيرانية.
ومن الواضح أن القدرة على إجراء اتفاقيات مع شركات دولية لإعادة إعمار قطاع الطاقة لا ترقى إلى مستوى الفتك الذي تمتلكه الصواريخ الباليستية أو مقاتلي فيلق القدس. إلا أن هذه الاتفاقيات تستوفي في المقابل اثنين من أهداف السياسة الخارجية لطهران، هما: أولًا، توفير أساس مالي لإعادة إعمار القدرات العسكرية الإيرانية التقليدية وغير التقليدية؛ وثانيًا، جعل الشركات الأجنبية، وبالتالي الحكومات الأجنبية، تعتمد على تكامل إيران طويل الأجل في المجتمع الدولي.
وبالتالي، سيكون لإعادة بناء قطاع الطاقة في إيران تداعيات اقتصادية وسياسية، وتداعيات عسكرية ذات صلة على حد سواء.
التخريب السياسي
يخفف الاتفاق النووي بعض العقوبات على إيران، ويحرر أيضًا مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج. ويعترف مؤيدو الصفقة في الغرب بأن إيران قد تستخدم بعض هذه الأموال لمواصلة دعمها للمنظمات “التخريبية” في جميع أنحاء المنطقة. ولدى هذه المجموعات القدرة على زعزعة استقرار الحكومات المحلية، وإنتاج الحروب الأهلية، وحتى الحرب التقليدية، أو على الأقل، المزيد من التخريب.
وقد قررت دول الخليج على وجه الخصوص إيجاد بعبع إيراني وراء كل مجموعة معارضة داخلية. واتهمت الحكومة الأفغانية إيران بالأمر نفسه أيضًا. وعلى الرغم من أن إلقاء اللوم في حدوث الاضطرابات على الجهات الفاعلة الخارجية تكتيك قديم تستخدمه الحكومات الاستبدادية وغير المستقرة، إلا أن هذا من النادر حدوثه، ما يعني أن إيران بريئة من دعم النشاط التخريبي في هذه الدول. وتعتمد إيران في دعمها للوكلاء عادةً على قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني.
وفي النهاية، قد تكون، أو لا تكون، الصفقة مع إيران خلقت وضعاً راهناً أفضل فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي. ولكنها في جميع الأحوال لم تؤد للقضاء على التوترات الاستراتيجية التي لا تزال محورية في المنطقة.
ولا يزال هناك عدم اتفاق بين إيران، ودول الخليج، وإسرائيل، ناهيك عن الولايات المتحدة، حول الأسئلة الأساسية المتعلقة بكيفية تنظيم الحياة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومن المرجح أن جميع هذه الأطراف سوف تستمر في استخدام القوة للضغط من أجل قضاياها؛ وسوف تستمر طهران في استخدام أدوات النفوذ التي طورتها خلال الخمسة وثلاثين عامًا الماضية من العزلة.
التقرير