عدنان الزرفي…. ماذا يعني الإختيار؟

عدنان الزرفي…. ماذا يعني الإختيار؟

في الساعات الأولى من يوم السابع عشر من آذار/مارس، قام الرئيس العراقي برهم صالح بتسمية المرشح المقبل لرئاسة الوزراء في البلاد، السياسي الشيعي عدنان الزرفي.
جاء هذا التكليف من خارج ترشيح الكتلة الاكبر لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، بعد نحو مئة يوم من الفراغ في هذا المنصب، نتيجة لاستقالة عادل عبد المهدي تحت ضغط الشارع المنتفض، وموقف المرجعية في النجف السلبي من اداء حكومته. هذه التطورات قد تعني أن الحياة السياسية العراقية باتت موزعة بين محورين تضيق مساحات التفاهم والتلاقي بينهما، وان الرئيس صالح قد حسم خياراته بالذهاب الى خيار المواجهة، منتقلاً الى الصف الأول للمحور الذي يرغب في حسم الامور والخروج من نفق الفراغ، والحد من هيمنة المحور المقابل ونفوذه، الذي لا يريد الإفراج عن رئاسة الوزراء إلا بالشروط التي يريدها وتضمن له مصالحه ومصالح الحليف الذي يدعمه.
وتعهد أقرب حلفاء إيران في مجلس النواب العراقي بمعارضة المصادقة البرلمانية بحلول 16 نيسان/أبريل، وقد يعترضون قانونياً على تسميته في غضون ذلك. وبالمثل، ردّ حلفاء ايران بهجماتهم الثالثة والرابعة والخامسة ضد قوات التحالف في غضون أسبوع، باستهدافهم السفارة الأمريكية وقاعدتي التدريب التاجي وبسماية بالقرب من بغداد. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: ماذا يعني هذا الاختيار؟
ترى التحليلات السياسية أن برهم صالح اختار الدخول في مواجهة مع المحور الإيراني بتكليف شخصية تنتمي الى “تحالف النصر” الذي يقوده رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، في ظل اجواء لدى شريحة واسعة من القوى والتيارات العراقية التي ترغب بأن تكون هذه الخيارات على العكس من المهمة المؤقتة التي جاءت بها الحكومة، أي أن تؤسس لمرحلة جديدة في العملية السياسية في العراق تسمح بالحد من تأثير وتغوّل القوى والجماعات المحسوبة على المحور الإيراني في الإمساك بمقدرات السلطة والعملية السياسية.
ردود الفعل المرحبة بهذا الخيار لم تتأخر، اذ أبدت القوى المدنية والجماعات الشبابية المؤثرة في ساحات الاعتراض ترحيبها بهذا التكليف، معتبرة انه يكسر الجمود الحاصل في العملية السياسية، ويدل على قدرة العراقيين في الخروج من الخيار الإيراني، خصوصاً وان هذا الترشيح شكل حافزاً للمكونات العراقية باعلان موقفها الداعم للزرفي في هذه المهمة، على العكس من سلفه محمد توفيق علاوي الذي اجمعت كل الاطراف على نزاهته ووطنيته، الا انها ابدت تخوفها من عدم قدرته في العبور بالعراق من الأزمة التي يمر بها، إذ نال الزرفي، وبعد ساعات من تكليفه، تأييد التحالف الكردستاني فضلاً عن القوى السنية، ما وفّر له ولمهمته، الغطاء الوطني الذي يمثل أهم المكونات العراقية المذهبية والدينية والقومية، على الرغم من التأييد الشيعي غير الشامل والذي يقتصر على “تحالف النصر” و”كتلة سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، إضافة الى عدد من النواب المتفرقين. وهذا يكشف حقائق عدة.
أما أمريكيًا لم يتردد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في المسارعة للترحيب “الحذر” بتكليف الزرفي، واضعاً المساعدة الأميركية للرئيس المكلف والحكومة العراقية، تحت شرط تنفيذ المطالب الدولية بالحياد والمحاسبة والدفاع عن الديمقراطية وتعزيز الدولة.
إذ ترى التحليلات السياسية الأمريكية أن العراق بحاجة ماسة إلى قيادة فعالة في وقت تتداخل فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية والصحية، ويبدو أن الزرفي قادر على توفيرها. ولزيادة فرصه للحصول على المصادقة، على الحكومة الأمريكية اعتماد موقف عسكري دفاعي بشكل مؤقت، و”تحضير” ضربات استجابية للمستقبل مع استخدام إجراءات دبلوماسية للتعامل مع هجمات الميليشيات في الوقت الحالي. وعلى الصعيد السياسي، من الضروري أن تساعد الولايات المتحدة العراق بشكل جلي على التعامل مع الأزمات المتعددة التي يواجهها لكن بصورة خفية مع كافة القضايا الأخرى. ولإظهار إيمانها بالزرفي، على واشنطن تجديد وإطالة الإعفاء من العقوبات في قطاع الطاقة.
وترى تلك التحليلات أيضًا، أن عدنان الزرفي مرشح مثير للاهتمام ومن غير المرجح أن يحظى بدعم جماعي من الفصائل الشيعية المدعومة من إيران على غرار “تحالف الفتح” بقيادة هادي العامري (الذي يضم 48 مقعداً من أصل 329 مقعداً في البرلمان) و”حركة عطاء” بقيادة فالح الفياض (8 مقاعد). وحيث كان محافظاً سابقاً للنجف، فلديه تاريخ من المشاحنات مع الأحزاب والميليشيات الإسلامية الشيعية والضغط عليها، ومع ذلك يبدو أنه قد تغلب على المخاوف من مقتدى الصدر وبعض القادة الشيعة الآخرين. والزرفي هو رجل أعمال وسياسي عاش في الولايات المتحدة بين عاميْ 1992 و2003 ويحمل الجنسية الأمريكية، لكن ذلك لم يمنعه من بناء علاقات مفيدة مع العديد من السياسيين العراقيين الذين تساورهم الشكوك حول الولايات المتحدة.
وترى التحليلات السياسية الغربية أن اختيار عدنان الزرفي لتشكيل حكومة العراق تعد تقدمًا مهمًا محتملاً للعراق، الذي يتعرض لسلسلة من الأزمات بدءاً من تفشي فيروس كورونا، مروراً بانخفاض أسعار النفط بواقع النصف، والاضطرابات الشعبية، وصولاً إلى استمرار أعمال العنف التي تمارسها الميليشيات. وأمام الزرفي الآن ما يصل إلى ثلاثين يوماً لتشكيل حكومة والحصول على المصادقة عليها من خلال نيل 165 صوتاً على الأقل في مجلس النواب. وكما هي عليه الأمور، فإن حظوظ نجاحه جيدة لأن بعض عناصر “تحالف الفتح” فقط مصممون على معارضته، كما أنه يتمتع بالروابط الضرورية لتفريق المعارضة المتبقية. ويتمثل التحدي الذي يواجهه في تجنب أية انشقاقات رئيسة في الأسابيع المقبلة، خاصة من قبل الصدر المتقلب الرأي. بإمكان الولايات المتحدة المساعدة في تقليل احتمالية حدوث تطورات معرقلة كبيرة من خلال تعديل سياساتها الحالية بصورة مؤقتة.
وترى التحليلات السياسية الأمريكية أن المقاربة الأخيرة التي انتهجتها واشنطن تجاه العراق عبارة عن حقيبة مختلطة من العصي، شملت شن هجمات بطائرات بدون طيار استهدفت جماعات محددة وفرض عقوبات إضافية. وقد وضع المسؤولون الأمريكيون العبئ على قادة العراق بشكل مباشر لضمان عملية شفافة لتشكيل حكومة من دون تدخل أية جهة خارجية. وحتى الآن، ردعت هذه المقاربة السياسيين في بغداد عن اتخاذ خيارات كارثية، ولكنها لم تدفعهم نحو اعتماد سياسة بناءة. وبالتالي، يتعيّن على واشنطن النظر في وسائل إضافية لتحصين الوسائل للتصرف باستقلالية في بغداد.
ومن بين الخطوات الأخرى التي يجب أن تكون على رأس جدول الأعمال هو إجراء تستطيع الولايات المتحدة القيام به بصورة فعالة عندما تركز عليه بشكل كاف وهو: حشد الدعم الدولي لإجراء انتخابات عراقية موثوقة. وتبقى “بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق” (“يونامي”) قناة شرعية وفعالة لمساعدة بغداد على إصلاح قانونها الانتخابي، وإجراء تقسيم جديد مناسب للدوائر الانتخابية، وتنظيم عملية إشراف دولية. ولتفادي المزيد من خيبات الأمل، من الأهمية بمكان تحسين الأمن وزيادة المساحة السياسية الحرة من الآن وحتى موعد الانتخابات المقبلة.
خلاصة القول ،إن إطالة عملية تشكيل الحكومة العراقية سيكون أمراً خطيراً في ضوء التحديات المتعددة والهائلة التي تواجهها البلاد – مسار مرتبك قد يؤدي إلى استئناف الاحتجاجات الجماهيرية بسرعة – بدءاً من ازدياد تفشي فيروس كورونا في العراق والدول المجاورة؛ وتجدد الأعمال العدائية العسكرية بين القوات الأمريكية والميليشيات الموالية لإيران؛ وصولاً إلى الإعسار المالي الذي يلوح في الأفق بسبب تدهور سوق النفط. ووفقاً للخبير المالي المتمرس أحمد الطبقجلي، فإن كل انخفاض للدولار الواحد في متوسط سعر النفط يكلّف العراق خسارة إيرادات سنوية بقيمة 1.5 مليار دولار – وهو رقم يبعث على الذهول نظراً لأن سعر خام برنت انخفض للتو من 68 دولاراً للبرميل إلى 27دولاراً.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية