بينما سعت العديد من الدراسات إلى شرح ظاهرة «الحشد الشعبي» («الحشد»)، يملأ هذا التقرير فجوة أساسية من خلال النظر بعمقٍ كبيرٍ إلى هذه القوّات كمؤسسة عسكرية. إنه ليس معجماً جغرافيّاً شاملاً لمجموعة تلو الأخرى من الوحدات الفرعية في «الحشد الشعبي»، على الرغم من ترابط قدر كبير من البيانات الخاصة بالوحدات طوال فترة الدراسة. وبدلاً من ذلك ، يُقصَد من هذه الدراسة أن تكون بمثابة تمهيدٍ لأي وكالة دولية أو عراقية تفكّر في برامج تُعنى بـ «الحشد الشعبي» لإصلاح قطاع الأمن أو نزع السلاح، والتسريح، وإعادة الإدماج. والخطوة الأولى في تطوير برامج فعّالة من هذا النوع لهذه القوات هي الحصول على رؤية واضحة عن هذه المؤسسة والقلق المحيط بها. ويتطلّب إصلاح «الحشد الشعبي» فهماً آليّاً دقيقاً لهذه القوات كمؤسسة. وفي عام 2019، قال أحد السياسيين العراقيين الرفيعي المستوى لأحد الكتّاب إنّ «الحشد الشعبي» بحاجة إلى “التكريم والاحتواء”. وتختتم هذه الدراسة بأفكارٍ تتعلّق بما يمكن وما يجب القيام به للحفاظ على الجوانب الإيجابية لـ «الحشد الشعبي» مع التقليل من الجوانب السلبية إلى أدنى حد.
أُنجِزت الدراسة على مدى فترة طويلة شهدت توحيداً كبيراً لقوة «الحشد الشعبي» على يد نائب رئيسها، أبو مهدي المهندس، الذي قُتل في غارة جوّيّة أمريكية في 3 كانون الثاني/يناير 2020، إلى جانب راعيه من «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني»، قاسم سليماني. وتمّ تحديث هذه الدراسة بالكامل لتعكس مقتل المهندس وسليماني، بما في ذلك الاحتمال الكبير بأن يتم تفكيك قاعدة قوة المهندس من قبل قواعد القوى الرئيسية في «منظمة بدر» – أي هادي العامري، وأبو علي البصري، وأبو منتظر الحسيني، ومحمد سالم الغبان، وقاسم الأعرجي – وأيضاً من قبل «كتائب حزب الله»، و«عصائب أهل الحق»، و«سرايا السلام»، وفصائل أصغر حجماً من «الحشد الشعبي». وكانت “نواة المهندس”، في جوهرها، مركز ثقلٍ قويٍّ يتألّف من رجلٍ موثوقٍ وفعّالٍ (المهندس)، يدعمه اللاعب الأكثر ديناميكية في النظام الإيراني (سليماني). ولن تكون إعادة بناء هذا النوع من مركز الثقل في قلب «الحشد الشعبي» عمليةً سهلةً أو سريعةً، وسرعان ما سيتحرّك أولئك الذين استاءوا من قوة المهندس لسحق قاعدته. ويمكن أن يتم دفع هذه الفصائل في الوقت المناسب نحو التماسك من خلال ظهور قائدٍ جديدٍ، أو من خلال التهديد بتسريح «الحشد الشعبي»، أو خفض ميزانيته أو تنظيمه. وتسعى هذه الدراسة إلى توفير أساس قيّم ومناسب التوقيت لفهم كيفية تطوّر «الحشد الشعبي» في غياب كلٍّ من المهندس وسليماني.
ملخّص الجزء الأول: القاعدة القانونية والتنظيمية لـ «الحشد الشعبي»
كما يشير التقرير، يستند «الحشد الشعبي» حالياً إلى إطارٍ تنظيميٍّ ضعيفٍ منطقيّاً، يصل إلى أقل من عشرين صفحة من القوانين الخاصة بـ «الحشد» والأوامر التنفيذية المُعلَنة للجمهور ومراسيم مجلس الوزراء. وتتغير هذه النظرة إذا طبّق العراق تشريعات قائمة مثل “قانون الخدمة والتقاعد العسكري رقم 3 لسنة 2010” أو “قانون العقوبات العسكري رقم 19 لعام 2007”.
تتواجد بنية تنظيمية شاملة لـ «الحشد الشعبي» على الورق، على الرغم من أن العديد من عناصرها بالٍ وقليل الموارد في الواقع. فأصبحت وظائف «الحشد الشعبي» الأكثر حساسية وأهمية – المالية، والاستخبارات، والشؤون الداخلية، والتلقين الديني، وبعض الأسلحة الثقيلة – مفرطة في المركزيّة تحت حُكم الزعيم الرئيسي الراحل لهذه القوات أبو مهدي المهندس. وفي غضون ذلك، بقيَت قوات عمليات «الحشد الشعبي» مقسّمة ضمن إمارات وإقطاعيات محلّيّة شبيهة بالميليشيات. وفي عام 2019، أصبح “الأمر التنفيذي رقم 331” يشكّل الجهد الأوّل لإنشاء بنية هرميّة لأي تعقيد كان لقوات «الحشد الشعبي»، وهذا الجهد هو فقط في بدايته. وليس من الواضح تماماً ما إذا كان “الأمر التنفيذي رقم 331” سيتم تنفيذه بالكامل في أي وقت.
إن «الحشد الشعبي» هو منظّمة شابّة وديناميكية ومشكَّلة جزئيّاً، تشمل كلّاً من هيئتها المدنية في مكتب رئيس الوزراء («هيئة الحشد الشعبي») وقوّاتها المسلّحة الميدانية («قوات الحشد الشعبي»). وهي غير متجانسة في تكوينها الفصائلي، ومع ذلك يمكن القول أيضاً إنها أصبحت أكثر مركزية إلى حد ما في قادة من فصيل واحد مدعوم من «الحرس الثوري الإيراني» – هو «كتائب حزب الله» – وحلفائه المقرّبين. ومن الأمور المبتذلة المتعلّقة بـ «الحشد الشعبي» هي أنه غير متجانس وغير وحدوي، وهذا صحيحٌ إلى حدٍّ ما، لكنّه يمكن أن يُخفي واقع أنّ بنية «هيئة الحشد الشعبي» قد وفّرت آليّةً تَمكن من خلالها المهندس وحلفاؤه من تعزيز قوتهم بشدّة بحلول أواخر عام 2019. كما أنّ معسكر المهندس كان يهيمن في وقت وفاته على القوة القتالية للألوية القتالية المرقمة التابعة لـ «الحشد الشعبي».
ملخص الجزء الثاني: حقوق أعضاء «الحشد الشعبي» وواجباتهم
يبحث هذا الجزء من الدراسة في حقوق وواجبات أفراد «الحشد الشعبي» كأعضاء في قوّات الأمن العراقية. ويرفض المدافعون عن «الحشد الشعبي» كمؤسسة أمنيّة منفصلة الفكرة بأنّ «الحشد الشعبي» هو ميليشيا أو مجموعة من الميليشيات (المحظورة بموجب الدستور)، وبدلاً من ذلك يشيرون إلى أنّ سلسلةً من الأوامر التنفيذية، ومراسيم مجلس الوزراء، وقانون «الحشد الشعبي» تحدّد هذه المنظّمة كجزءٍ رسميٍّ من قوّات الأمن. ومن خلال تبنّي وجهة النظر هذه والإشارة إلى أنّ «الحشد الشعبي» مشمول قانونيّاً بنفس التشريع التنفيذي الذي يغطّي كافة قوات الأمن العراقية الأخرى، تتساءل الدراسة عما إذا ما كان أعضاء «الحشد الشعبي» يحصلون حاليّاً على حقوقهم، وما إذا كانوا على النحو نفسه يفون بالتزاماتهم حالياً كأعضاء في قوات الأمن.
تشير تغطية التقرير لحقوق أعضاء «الحشد الشعبي» وامتيازاتهم أولاً إلى الصعوبة التاريخية المتمثلة في تحديد من يخدم بالضبط في «الحشد الشعبي» في أيّ وقتٍ معيّن. وإلى أن يتم تحديد عضوية «الحشد الشعبي» بشكل جيد وثابت وشفاف، فإن أي تدقيق لسلوك أعضائه سيكون صعباً. وإذا تمّ الشروع بعمليات تدقيق شاملة وعند إجرائها، فيجب أن تتم من قبل هيئة مستقلّة وليس «الحشد الشعبي» بنفسه. ويشير القسم الخاص بحقوق الخدمة العسكرية والتقاعد العسكري إلى أنّ أفراد «الحشد الشعبي» تمتّعوا ببعض المزايا على قوات الأمن النظامية بسبب الافتقار إلى التنظيم والانضباط، لكنّ هؤلاء الأعضاء عانوا أيضاً من انخفاض الأجور، وشهدوا المزيد من التدريب والمعدّاتٍ الأقلّ تطوّراً، ودعماً لوجستيّاً وحياتيّاً محدوداً جدّاً. إن «الحشد الشعبي» بحاجة ماسّة إلى الطابع الاحترافي، كما أن عموم جنوده هم من بين أكثر القوات التي تعاني من نقص الخدمة في البنية الدفاعية العراقية.
على الجانب الآخر من المقياس، لا يفي «الحشد الشعبي» بالعديد من متطلبات العضوية في قوات الأمن العراقية. وتم إعفاء قوّات «الحشد الشعبي» منذ تأسيسها من معظم مسؤوليات الجنود الآخرين وقوّات مكافحة الإرهاب وضباط الشرطة أو واجباتهم أو التزاماتهم. ويتمتع «الحشد الشعبي» بثقافة عسكرية مختلفة عن ثقافة الجيش العراقي، أو “جهاز مكافحة الإرهاب”، أو “الشرطة الاتّحادية”. فهو يبدو ويتصرّف كميليشيا. ويشير تاريخ بعض عناصر «الحشد الشعبي» إلى انتهاكهم الصارخ لمنع أعضاء قوات الأمن من ممارسة الأنشطة السياسية. والأخطر من ذلك، أنّ «الحشد الشعبي» يتمتّع بسجلٍّ ضعيفٍ من الانضباط العسكري وتاريخٍ طويلٍ فعلاً من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ضد المدنيين العراقيين والانخراط في أنشطة خارجية غير مصرح بها في سوريا. ومؤخّراً، شارك «الحشد الشعبي» بشكلٍ بارزٍ في هجمات مميتة على محتجّين مدنيّين عزل في مناطق ذات أغلبية شيعية مثل بغداد وجنوب العراق. وإذ ضبطَ «الحشد الشعبي» انتهاكاته الخاصة دون رقابة، فقد أصبح يشكّل سلطةً قانونيّةً في حد ذاته.
ملخّص الجزء الثالث: القيادة والسيطرة والعمليات في «الحشد الشعبي»
يطرح هذا الجزء من الدراسة هذيْن السؤاليْن الأساسييْن: من الذي يقود «الحشد الشعبي» ويسيطر عليه، وما هي الأدوار والمهام التي ينفّذها «الحشد الشعبي» حاليّاً على الأرض في العراق؟ فيما يتعلق بمسألة القيادة والسيطرة، من الواضح أن الحكومة العراقية – بما فيها رئيس الوزراء، الذي يحمل لقب القائد العام للقوات المسلحة – تفتقر تاريخيّاً إلى قبضة قوية على قوات «الحشد الشعبي». وتتمتع قيادة «الحشد الشعبي» بسجل حافل في تشغيل نظامٍ موازٍ للقيادة والسيطرة يمكنه رفض الأوامر القانونية الصادرة عن رئيس الوزراء، وذلك يتجاوز سلطاته بانتظام، وبشكل شبه دائم. وتتصرّف قيادة «الحشد الشعبي» كدولة موازية: فهي تدير نظاماً قضائيّاً موازياً وسجوناً موازية، واقتصاداً موازياً غير شرعي، وجهداً حربيّاً موازياً يقوّض وحدة القيادة عبر جميع قوات الأمن العراقية.
من ناحية السيطرة العملياتية والتكتيكية والعمليات المحلّيّة، يضم «الحشد الشعبي» ثلاثة أنواع رئيسية من الوحدات. الأولى هي وحدات «الحشد الشعبي» المحلّيّة التي يتم تجنيدها محلّيّاً وتخدم فقط في مناطقها الأصلية. والفئة الثانية هي وحدات «الحشد الشعبي» “المزروعة”، التي يتمّ تجنيدها غالباً في جنوب العراق، ولكنها استقرت وادّعت أن بعض مواقع العمليات في شمال وغرب العراق هي من مجالٍ اختصاصها. والنوع الأخير هو وحدة «الحشد الشعبي» “السائبة”، التي غالباً ما تضم الميليشيات المدعومة من إيران التي كانت قائمة قبل عام 2014. وترسل هذه الوحدات السائبة كتائب إلى جميع مناطق العراق (وسوريا) تقريباً كما تشاء، وغالباً ما تؤدي مهام خاصة أو تدرّب ألويةً أصغر حجماً من «الحشد الشعبي» وتقدّم المشورة لها. وفي ظلّ غياب هدف صريح أو أي توجيهات بشأن الأدوار والمهام، يتصرّف قادة «الحشد الشعبي» إلى حدٍّ كبير كما يشاؤون، مما يؤكد الحاجة إلى إنشاء أدوار ومهام محددة لـ «الحشد الشعبي».
أولويات سياسات الولايات المتحدة والتحالف المتعلّقة بـ «الحشد الشعبي»
يتوخّى قسم المشورة المتعلق بالسياسات أن يكون مفيداً لجميع شركاء العراق الدوليين ولا يتبنى نظرة أمريكية محددة. والهدف من ذلك هو تحديد قضايا الإجماع – داخل العراق وخارجه – والتي تمثّل الثمرة الأسهل منالاً لجهود الإصلاح، وكذلك التمييز بين القضايا الأكثر شائكة الطويلة المدى التي يجب معالجتها لاحقاً.
يتناول قسم السياسات ثلاث نقاط أساسية. أوّلاً، يجب تجميد نموّ «الحشد الشعبي». وإذا لم يتمّ ذلك، فهناك خطر من إمكانية تطوّر الجوانب السلبية لـ «الحشد الشعبي» بسرعة كبيرة تتجاوز القدرة على صدّها من خلال عملية تدريجية لإصلاح قطاع الأمن. يجب عدم السماح للجهات الفاعلة السلبية داخل «الحشد الشعبي» بإنشاء وقائع جديدة على الأرض. وفي هذه المرحلة، يبقى كلٌّ من عمل «الحشد الشعبي» وميزانيته وبنيته التحتية المؤسسية محدوداً، وينبغي أن تكون الأولوية هي تجميده عند هذا المستوى من أجل الحفاظ على خيارات العراق طوال عملية إصلاح قطاع الأمن التي تمتد من خمس إلى عشر سنوات.
ثانياً، حالياً ليس الوقت المناسب – ليس لمصالح الولايات المتحدة أو التحالف ولا للمصالح العراقية – لمحاولة حل القضايا الكبرى المحيطة بـ «الحشد الشعبي» بشكلٍ كامل أو اتّخاذ قرارات رئيسية. فبسبب التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، وإسرائيل وإيران، وبسبب عدم الاستقرار العراقي المحلي، يحتاج الأمر إلى مرور المزيد من الوقت لكي تصبح القضايا أقلّ حساسيةً ولتشجيع النقاش المنطقي حول مستقبل «الحشد الشعبي». فالواقع هو أنه لا يوجد بديلٍ قابلٍ للتطبيق سياسيّاً لنهج يتّسم بالتطوّر والصبر بل الحازم. يجب أن تقوم السياسات الدولية بشأن العراق على الواقع.
ثالثاً، من المهم أن تتوصل غالبية الجهات الفاعلة العراقية والدولية إلى توافق في الآراء حول القضيتين الرئيسيتين اللتيْن تواجهان «الحشد الشعبي». الأولى هي القضية الأطول مدى المتعلّقة بالكفاءات والوظائف الأساسية والأدوار والمهمّات، التي يمكن من خلالها تطبيع القوة وإضفاء الطابع المهني عليها وترشيدها. والقضية الثانية، بنفس القدر من الأهمّية، هي الإمساك بزمام الأمور التي لحقت بـ «الحشد الشعبي» في الفترة 2014-2019، بقيادة أبو مهدي المهندس و«كتائب حزب الله» ومؤيديهم الإيرانيين. ووفَّر مقتل المهندس فرصةً. فبالإمكان التصدّي للمركزية المفرطة للسلطة تحت حُكم زمرة ضيّقة من قادة «الحشد الشعبي» إذا عَمِلَ كلٌّ من الحكومة العراقية والحوزة العلمية (المؤسسة الدينية الشيعية) والجهات الفاعلة الدولية معاً لتمكين نصيرٍ ما وحمايته وتأمين الموارد له لقيادة مشروع إصلاح «الحشد الشعبي».
توصيات مفصّلة لإصلاح قطاع الأمن
تشير الأقسام السابقة إلى أنّ الوقت ليس مناسباً بالتأكيد لمتابعة مقاربات نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج فيما يتعلق بـ «الحشد الشعبي»، في حين أن الوقت قد حان بدلاً من ذلك لجهود إصلاح قطاع الأمن. ففي السنوات المقبلة، قد يتم ترشيد الموارد والأدوار المخصصة حاليّاً لـ «الحشد الشعبي» وإعادة توزيعها، لكن على العراق أن يمرّ أوّلاً بعدد من المراحل المؤقتة. وبمرور الوقت، قد يتّخذ «الحشد الشعبي» حجمه الصحيح، وقد يتنازل عن بعض أسلحته الثقيلة أو كلّها، وقد يعيد انتشاره من الحدود السورية وغيرها من المناطق “الساخنة” في الأنحاء ذات الأغلبية السنّيّة في العراق، غير أنّ مدة تحقيق هذه المقترحات تتراوح بين خمس وعشر سنوات، وليست وشيكة الحدوث.
تجميد توسّع «الحشد الشعبي»
في المرحلة الانتقالية، تتمثّل الأولوية القصوى للمجتمع الدولي في تعزيز بعض التوجّهات البديهية الأكثر جدارة بالثناء الخاصة بالحكومة العراقية فيما يتعلق بـ «الحشد الشعبي»:
أولاً، إن الحكومة العراقية محقّة في تجميد «هيئة الحشد الشعبي» ككيان وزاري فرعي لا يُخصص له تمثيل وزاري أو ميزانية دائمة. يجب أن يكون الحفاظ على هذا الوضع الراهن المهمة رقم واحد لجميع شركاء التحالف في العراق لكي يتمكّنوا من منع اتّخاذ المزيد من الخطوات التي لا رجعة فيها تقريباً.
يجب ألا يتجاوز عدد القوات المسلحة المأذون بها رسميّاً في «الحشد الشعبي» العدد الحالي البالغ 135،000، ولا يجب أن تتجاوز ميزانيته 2.58 تريليون دينار عراقي (2.16 مليار دولار). يجب مقاومة التوسّع الجديد في القوى البشرية لـ «الحشد الشعبي» أو المهام الخاصة به، وهو الأمر بالنسبة لتحويل التمويل الحكومي لدعم الإنفاق على مشتريات «الحشد الشعبي» من خارج الميزانية. ومع نهاية العمليات القتالية الكبرى ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، من الواضح أنّ الدور العسكري لـ «الحشد الشعبي» لا يتوسّع، ولا يجب أن تتسع موارده. وكَوْن التحالف مانحاً رئيسياً للمساعدة الأمنية للعراق، فإنه في موقع جيّد للضغط من أجل ردع المزيد من التطوّر الموازي والمضاعَف للأجهزة الأمنية في العراق.
ويشمل أحد التوجّهات البديهية السليمة التي أظهرتها الحكومة العراقية إحدى التعليمات الصادرة في 1 تموز/يوليو 2019 [القاضي] بإزالة مكاتب «الحشد الشعبي» من المُدُن، والذي يجب أن يشكّل الخطوة الرائدة لإخراج قوات «الحشد الشعبي» من جميع المناطق الحضرية، حيث يجب أن يكون لـ “جهاز الشرطة المحلّيّة” مكان الصدارة. ويشكّل الدعم المستمر من التحالف لوزارة الداخلية ولفروع “جهاز الشرطة المحلّيّة” التابع لها أفضل السبل للشركاء الدوليين للمساعدة في السيطرة على الأعمال الإجرامية التي تقوم بها عناصر «الحشد الشعبي» داخل المُدُن.
تقسيم المسؤولية بين القادة الرئيسيين
في عالم مثالي، سيؤدي مقتل المهندس إلى إطلاق عملية لإصلاح «الحشد الشعبي»، مما يشير إلى حقبة جديدة وتوزيع أكثر عدالة للأدوار الرئيسية داخل «هيئة الحشد الشعبي». لكن ستكون هناك منافسة على استبداله، وقد يكون هناك تركيز مفرط على السلطة على قائدٍ واحد مجدداً. إن العراق بحاجة إلى توزيع المسؤوليات الإدارية مثل تسجيل المقاتلين، وجدولة الرواتب، والتدقيق، والانضباط، والتدريب، والتجهيز، وتأمين القاعدة. ومن الضروري تحقيق التوازن مقابل القادة المدعومين من «الحرس الثوري الإيراني» من قبل نصيرٍ قويٍّ للإصلاح يتمتّع بدعم المؤسسة الدينية الشيعية في العراق وحمايتها.
إضفاء الطابع الدولي على عملية إصلاح قطاع الأمن
إنّ قادة العراق محقون في اعتبار أنّ تطبيع «الحشد الشعبي» سيستغرق من خمس إلى عشر سنوات، وخلال هذه الفترة سيعرّف عناصره المختلفة أنفسهم إذا ما كانوا قادرين على اتّخاذ الطابع الاحترافي والخضوع لسيطرة الدولة أم لا. وسيسعى معسكر المهندس وإيران إلى الهيمنة على أي عملية لإصلاح قطاع الأمن وإلى صياغتها من أجل توطيد سلطتهما وتقليص أي جهود حقيقية لتخفيف قبضتهما على «الحشد الشعبي». وفي عام 2019، استُرشدت العملية الناشئة لإصلاح «الحشد الشعبي» في زمن رئيس الوزراء آنذاك عادل عبد المهدي، من قبل مدير مكتبه محمد الهاشمي (المعروف أيضاً باسم أبو جهاد)، الذي كان قريباً جداً من المهندس و«الحرس الثوري الإيراني». يجب ألا يستمر هذا التوجيه لعملية إصلاح «الحشد الشعبي» من قبل دولة جارة للعراق ومنافسة لها.
ونتيجة لذلك، من المهم جدّاً للمجتمع الدولي، بما في ذلك الجهات الفاعلة المتعددة الجنسيات مثل “منظمة حلف شمال الأطلسي” و”الاتحاد الأوروبي”، لعب دور استباقي في قيادة عملية إصلاح قطاع الأمن مباشرةً مع مكتب رئيس الوزراء، ومكتب مستشار الأمن القومي، وجامعات الدفاع الوطني. ولا تحتاج الجهات الفاعلة الدولية في التحالف إلى تقديم مساعدتها مباشرةً لعملية إصلاح «الحشد الشعبي» فحسب، بل أيضاً لمواصلة الدفع قدماً لعمليات إصلاح قطاع الأمن الأخرى على صعيد قوات الأمن التقليدية. وهذا الجهد ضروري لأنه طالما تخضع الوزارات الأمنية العراقية الدائمة لمعايير متدنية من الاحتراف والاستقامة، فإن «الحشد الشعبي» سيحذو حذوها. وكلّما أصبحت قوّات الأمن العراقية أفضل تحسناً، كلّما سيتعيّن على «الحشد الشعبي» أن يكون أفضل تحسناً لتجنب المقارنات غير المواتية. وقد يُحدث ضغط الأقران والإلحاح الدولي المتواصل أثراً كبيراً في العراق. وكان رئيسا الوزراء السابقان، حيدر العبادي وخلفه عبد المهدي، كلاهما حساسين للانتقاد وتجاه الإظهار للشركاء الدوليين محدودية سيطرتهما بصورة واضحة للغاية، مما ساعد على تحفيز الجهود للسيطرة على قادة «الحشد الشعبي».
تطبيع الحشد
تحظى فكرة تطبيع «الحشد الشعبي» تدريجيّاً بدرجة عالية من القبول عبر النخبة السياسية العراقية. حتى أنّ أنصار «الحشد الشعبي» – مثل هادي العامري وأبو جهاد – يتجّرّؤون على اعتبار أنه من الضروري وضع قيود على جميع القوات المسلحة العراقية. ويعرض قانون «الحشد الشعبي» ومجموعة متنامية من المراسيم الوزارية والأوامر التنفيذية هذا التطلّع إلى تحقيق التكافؤ مع بقية قوات الأمن العراقية في الحقوق والامتيازات والواجبات والمسؤوليات الخاصة بأعضاء «الحشد الشعبي». وطالب مسؤولون من أعلى المستويات في المؤسسة الدينية بتنفيذ قانون «الحشد الشعبي» والمراسيم والأوامر التنفيذية. ففي 13 أيلول/سبتمبر 2019، أصدر ممثّل لآية الله العظمى السيد علي السيستناني يُدعى حامد الخفاف، بياناً قويّاً نيابة عن الحوزة العلمية طالب الحكومة بتطبيق القانون.
إذا تم إطلاق برنامجٌ مدعومٌ دوليّاً لإصلاح قطاع الأمن كرزمة كاملة، فسيحمل معه أوجهاً إيجابية ملحوظة لأعضاء «الحشد الشعبي»، مثل التعليم العسكري المهني، وتحسين ظروف المعيشة والدعم المعيشي، وتحسين قابلية البقاء من خلال الدعم الطبي المنقذ الحياة، وتأمين معدّات أفضل، وتحسين التدريب. وفي المقابل، من الضروري أن يراعي أعضاء «الحشد الشعبي» التزاماتهم بشكلٍ أدقّ، كاستيفاء شروط الخدمة المتعلّقة بالعمر واللياقة البدنية، فضلاً عن الامتثال للقواعد والأنظمة المتعلقة بالإجازات، والزّيّ الرسمي وكشف الهويّة، والتحكّم بالأسلحة، والنشاط السياسي والاقتصادي. والأهم من ذلك، يجب على «الحشد الشعبي» أن يخضع للأوامر الوطنية الصادرة عن رئيس الوزراء، وعدم تجاوز سلطاته، ومراعاة حقوق الإنسان، والخضوع لقانون الانضباط والعدالة العسكري، والذي يشمل التحقيق في مقتل المتظاهرين العزل.
كيفية البدء بإصلاح قطاع الأمن
يتم تناول هذه القضايا في وثائق إطارية مثل قانون «الحشد الشعبي» و”الأمر التنفيذي رقم 85 لعام 2018″، و”الأمر التنفيذي رقم 237 لسنة 2019″، ولكن بشكلٍ غامض فقط. وتلمّح الرسالة من 28 تموز/يوليو 2019، الموجَّهة من فالح الفيّاض إلى رئيس الوزراء، إلى مجموعة أكثر تفصيلاً من الملحقات التنفيذية غير العلنية، مما يجعل من المستحيل رصد العناصر المفصَّلة لجهود التطبيع أو توجيهها أو دعمها. إن برنامج إصلاح قطاع الأمن المدعوم دوليّاً، والذي يشمل «الحشد الشعبي»، قد يمنح دعماً للعملية ولكن أيضاً زخماً وشفافيةً. وستكون مجالات التركيز الرئيسية على النحو التالي:
لا تُفاجئوا الشركاء الدوليين. في الوقت الحاضر، عندما يتم إصدار وثيقة إصلاح جديدة متعلّقة بـ «الحشد الشعبي»، مثل “الأمر التنفيذي رقم 331″، يتعرف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على محتوياته للمرة الأولى في الوقت نفسه الذي تتعرف فيه وكالات الأنباء مثل “رويترز” وملايين الأشخاص الآخرين. ومع ذلك، يكون «الحرس الثوري الإيراني» قد راجعَ المسودّة قبل أيّامٍ أو أسابيع. وإذ يقدّم كلٌّ من التحالف الدولي و”الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأوروبي” القدر الأكبر من التعاون الأمني المجّاني للعراق، تتمتّع هذه الجهات بكامل الحق في أن تتوقع من العراق تقديم مسودّة للتحالف عن تشريعات أو أوامر تنفيذية أو مراسيم جديدة من قبل مجلس الوزراء متعلّقة بـ «الحشد الشعبي»، لكي يتمكّن التحالف، على غرار إيران، من الإشارة إلى أي هواجس قد تؤثّر على التعاون الأمني.
إبدأوا بالجهود الشّكليّة. تتضمن الخطوات الأولى تغيير الوسم الخارجي الخاص بـ «الحشد الشعبي»، وهي خطوات شكليّة إلى حدٍّ كبير مثل سحب [بعض] أسماء الوحدات ودمج مكاتب «الحشد الشعبي» وممتلكاته وتقليصها لتبلغ مجموعة محددة ومعتمدة من المواقع. وهذا النهج هو المحور الرئيسي في “الأمر التنفيذي رقم 237”. وقد تساعد عملية دولية في وضع تفاصيل العملية ضمن إطارٍ أكثر شفافية.
مكّنوا نصير إصلاحٍ مدعومٍ من رئيس الوزراء العراقي والحوزة العلمية. يمكن المساعدة في هذا الإعلان وهذه المرحلة من التدقيق تعيينُ نائب رئيس ثانٍ مفوّض لـ «الحشد الشعبي» ينتدبه رئيس الوزراء لتنفيذ برنامج الإصلاح الخاص بـ «الحشد الشعبي». ويجب أن يكون الشخص الذي تم اختياره “فوق النقد” بناءً على شعبيته وشجاعته وربما علاقته بالمؤسسة الدينية.
أضفوا الطابع الاحترافي على الوحدات التكتيكية في «الحشد الشعبي». سيتضمن العمل الحقيقي لإصلاح قطاع الأمن تصميم نموذج تنظيم واحد للوحدات التكتيكية في «الحشد الشعبي»، ودمج وحدات كبيرة وصغيرة من «الحشد الشعبي» ضمن تشكيلات مشاة خفيفة، ودمج الأسلحة الثقيلة ضمن وحدات تمكينية لديها مستودعات تخزين مخصصة وآمنة. ونظراً لأن بعض وحدات «الحشد الشعبي» تُستَدعى للقيام بمهام على الخطوط الأمامية، ولأن برنامج إصلاح قطاع الأمن لن يتمتّع بالقدرة على إضفاء الطابع المهني على العديد من الوحدات في الوقت نفسه، فإن العملية المثالية ستكون إجراء اختبار مع وحدة تجريبية واحدة أو أكثر. يجب مراجعة خبرات التحالف – الإيجابية والسلبية – من جهد إنشاء “كتائب الحرس الإقليمي للبيشمركة ” الموحَّدة وغير المقسَّمة.
تحديد الأدوار والمهمّات
لتأسيس برنامج الإصلاح الذي يمتد على عقودٍ من الزمن، سيكون من المهمّ تحديد الأدوار والمهمّات الدائمة الخاصة بـ «الحشد الشعبي» على مدى السنتين إلى الخمس سنوات القادمة. أمّا العملية الأوسع نطاقاً لإصلاح قطاع الأمن العراقي التي يجريها “الاتحاد الأوروبي” و “حلف شمال الأطلسي” والتحالف، فيجب أن تساعد العراق على التوصّل إلى استنتاجات بشأن البنية المستقبلية لقطاعه الأمني والدور المقابل لـ «الحشد الشعبي» وأعضائه. ويشكّل التركيز على الكفاءات والوظائف الأساسية الخاصة بـ «الحشد الشعبي» وأدواره ومهمّاته طريقةً تتّسم بقدرٍ أقل من المواجهة لمقاربة مسألة إذا ما كانت «هيئة الحشد الشعبي» المستقلّة تضيف قيمة للعراق، أو أنها تكرر فقط جهود الوكالات الأخرى دون أي هدف.
ينبغي إجراء دراسة حول مفهوم نموذج قوّات الاحتياط وتنفيذه، مع كوادر دائمة واحتياطية قادرة على تعزيز عدد القوات المسلحة الخاصة بالأجهزة الأمنية ما قبل عام 2014 عند حشدها أثناء حالات الطوارئ الوطنية. وقد يكون هذا الخيار، غير المستساغ سياسيّاً في الوقت الحالي، أكثر قبولاً في غضون خمس إلى عشر سنوات. وبدلاً من ذلك، إذا تم التوصل إلى حجة مقنعة من أجل إنشاء قوة لحماية حرم/ضريح أو قوة وطنية موازية شبيهة بقوات “الباسيج” الإيرانية، يتم حشدها إما جزئياً أو كلياً في جميع الأوقات، فستظل هذه الفكرة جيّدة خلال عشر سنوات. ليست هناك حاجة إلى الإسراع في ترسيخ البنية الآن.
بالنسبة لتلك القوات المحلّيّة من «الحشد الشعبي» المستعدّة للخدمة فقط للدفاع عن مناطقها المحلّيّة، يبدو أن الخيارات تقتصر على الاندماج في القوات المحلية ما قبل عام 2014 (الشرطة المحلية وشرطة الطوارئ) أو ضمن سلك الخدمة المدنيّة أو شكل من أشكال الحرس الوطني على مستوى المحافظات شبيه بـ “كتائب الحرس الإقليمي للبيشمركة”. ويمكن تطبيق بعض المفاهيم من مشروع «قانون الحرس الوطني» و «الحشد الشعبي» “الدفاعي”. كما يمكن وينبغي إلحاق ما يصل إلى 30،000 عضو من أفراد «الحشد الشعبي» في المناطق المحررة ذات الغالبية السنّيّة في فروع “جهاز الشرطة المحلّيّة” وقوات الحدود والجيش.
إن أحد دوافع إبقاء «الحشد الشعبي» كقوات عسكرية موازية منفصلة هو أمن النظام. ومع ذلك، ففي حين قد تبرز بعض الشكوك لدى القادة الشيعة العراقيين حول إذا ما كان الجيش و”جهاز مكافحة الإرهاب” في العراق يلتزمان بنظام ما بعد عام 2003 الذي يقوده الشيعة، بدلاً من مجرد الالتزام بالحكومة الحاكمة، فلا يوجد نقصٍ في قوات الأمن في العراق لموازنة وردع بعضها البعض خلال الأزمات السياسية. من الضروري أن يُطمئن المجتمع الدولي القادة العراقيين بشكل أكثر صراحة بأنهم محميّون، وأنه لن يتم التسامح مع أي عمل سياسي من قبل قوات الأمن التقليدية، وأنهم ليسوا بحاجة إلى فيلق أمن جديد تابع للنظام على غرار «الحرس الثوري الإيراني». إن إساءة استغلال «الحشد الشعبي» لقتل المتظاهرين الشيعة في عاميْ 2019 -2020 يجب أن يشكّل جرس إنذارٍ للقادة العراقيين لاتخاذ الحيطة والحذر بشأن استخدامه كقوة قمع محلّيّة وفقاً للأسلوب الإيراني.
إن الحديثٌ عن إعادة الانتشار وتطوير مناطق على شكل مقاطعات، يجب أن ينبثق عن هذا النقاش حول الأدوار والمهمات، بدلاً من أن يسبقه؛ وعلى أي حال، من غير المرجح إعادة الانتشار من المناطق “الساخنة” في العام القادم أو العامين القادميْن أو ربما حتى في الأعوام الثلاثة إلى الخمسة القادمة. ومن المنطقي أن تَتْبَع مبادرات نزع السلاح، التي تتطلّب على سبيل المثال التسليم الدائم لأنظمة الصواريخ والمدفعية والمدرَّعات، تحديد الأدوار والمهمات. كما ستنبثق الترتيبات المحلية للقيادة والسيطرة عن التعريفات الذي تضعها الأجهزة الأمنية الرئيسية (مقابل الداعمة) في كل منطقة وموقع جغرافي للمهام.
مايكل نايتس, حمدي مالك, و أيمن جواد التميمي
معهد واشنطن