ووصف ناشطون ومراقبون سياسيون الخطوة بـ”فجر الأحد الأبيض”، والتي من المفترض أن تطيح برؤوس كبيرة تواجدت في العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي في عام 2003 إلى اليوم. ومن المتوقع أن تُبعدهم تلك القرارات عن السلطة بعد نحو 13 عاماً من سيطرتهم عليها.
وتضمنت قرارات العبادي “إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فوراً، وتقليصا شاملا وفوريا في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة، ومن ضمنهم الرئاسات الثلاث، والوزراء، والنواب، والدرجات الخاصة، والمديرون العامون، والمحافظون، وأعضاء مجالس المحافظات، ومن بدرجاتهم”.
وعقب تلك القرارات التي وصفها البعض بأنها “انتحارية”، شهدت بغداد إجراءات أمنية مشددة بمحيط المنطقة الخضراء ومقرّ إقامة العبادي. وكشف مصدر عسكري عراقي، لـ”العربي الجديد”، أن “ثلاثة أفواج من القوات الخاصة انتشرت داخل المنطقة وفي محيطها الخارجي، فضلاً عن مقر إقامة العبادي وأسرته، تحسباً لتحرّك من مليشيات موالية لـ(رئيس الحكومة السابق) نوري المالكي”. وقال إنه “بالإضافة إلى إقالة نواب الرئيسين، فقد تمّت إقالة نحو 200 مستشار في رئاستي الجمهورية والوزراء، و80 منصباً خاصاً، غالبيتها معنوي”.
وأضاف أن “المُقالين يتقاضون مرتبات شهرية تصل إلى 27 ألف دولار، كما كانوا يستعينون بنحو ثلاثة آلاف إلى تسعة آلاف جندي وعنصر أمن، كانوا يعملون بمجال تأمينهم وحمايتهم، والدفع بهم إلى جبهات القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)”.
وشدد المصدر العسكري على أن “قرار العبادي بفتح ملفات الفساد بالدولة منذ العام 2005 ولغاية اليوم، ومنح القضاء صلاحية مطلقة في استدعاء أي سياسي أو مسؤول عراقي بغضّ النظر عن مكانته، أمر هامّ”. كما كشف عضو اللجنة المالية بالبرلمان العراقي، مسعود حيدر، أن “فقرة إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والحكومة سيوفّر للدولة نحو 5.3 ملايين دولار، كانت تُصرف كامتيازات ومكاتب وحمايات وراتب اسمية أيضاً”.
وقال حيدر، في مؤتمر صحافي ببغداد، إن “هناك عدداً هائلاً من الحمايات لهؤلاء النواب”، موضحاً أن “الرواتب الشخصية للنواب تصل إلى 217 ألف دولار شهرياً، فضلاً عن جيش المستشارين والدرجات الخاصة، الذين يتقاضون مرتبات كبيرة من المال العام”.
ولاقت قرارات العبادي ترحيباً من رئيس البرلمان سليم الجبوري، الذي وعد بدعمها من أجل الإصلاح. ووفقاً للدستور العراقي فإن رئيس الجمهورية له نائبان وكذلك رئيس الوزراء ولا يحق تغييرهما أو إقالتهما إلا بموافقة البرلمان، بأغلبية “النصف زائداً واحداً”، بحسب الفقرة 78 من الدستور العراقي المعدّل للعام 2005.
ويبلغ عدد أعضاء البرلمان العراقي 325 عضواً، موزعين على أربع كتل رئيسية هي: “التحالف الوطني” (شيعي) و”تحالف القوى” (سني) و”التحالف الكردستاني” (كردي) و”التحالف المدني المستقل”، تليها كتل وتحالفات صغيرة كـ”حركة الرافدين” (مسيحية)، وكتلة “وحدة العراق” وكتلة “العراقية”.
وفي حال تمكن العبادي (وهو ما يبدو متاحاً له بشكل كبير) من نيل موافقة “تحالف القوى” و”التحالف الكردستاني” وكتلتين داخل “التحالف الوطني”، مثل “التيار الصدري” و”المجلس الأعلى”، عوضاً عن تأييد الكتل الصغيرة في البرلمان، فإن القرارات ستكون قيد التنفيذ حتى لو رفض المالكي وحلفاؤه، كـ”كتلة بدر” وحزب “الفضيلة”، وهما أبرز حلفاء إيران بالعراق، تأييد القرارات. ومن المفترض أن تنعقد الجلسة التي سيتم التصويت فيها على القرارات، قبل نهاية الأسبوع الحالي، وفقاً لما أفاد به النائب محمد الخالدي لـ”العربي الجديد”.
ونالت خطوة العبادي تأييداً واسعاً من قوى عدة، وأبرزها من المُقال أسامة النجيفي، الذي اعتبرها مهمّة، مطالباً كتلته النيابية “تحالف القوى الوطنية” بـ”الاستجابة لها” و”التصويت عليها”. كما رحّب زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر بالقرارات، داعياً كتلة “الأحرار” البرلمانية التي يرأسها إلى “التفاعل مع القرارات وتأييدها”. كما لاقت القرارات تحفّظاً من كتل أخرى، أبرزها “دولة القانون” بزعامة المالكي، التي تستحوذ على الثقل الأكبر داخل “التحالف الوطني” الحاكم للبلاد.
وقال القيادي في الحزب “الشيوعي” العراقي، ليث محمود، لـ”العربي الجديد”، إن “قرارات العبادي انتحارية وسيكون لها آثار كبيرة”. وأضاف أن “رفض الكتل السياسية للقرارات وعدم تمريرها داخل البرلمان، يجعل العبادي في وضع مريح بالنسبة للشارع العراقي، عكس الكتل التي باتت في وضعٍ محرج للغاية، خصوصاً أن العبادي لم ينفّذ إلا ورقة المطالب التي قدمها له المتظاهرون في بغداد وجنوب العراق قبل أيام”. وظهرت أولى بوادر القرارات مع إعلان مجلس القضاء الأعلى استدعاء الادعاء العام نائب رئيس الوزراء بهاء الأعرجي على خلفية تهم “فساد واستغلال المنصب لأغراض شخصية”.
وذكر بيان للمتحدث باسم مجلس القضاء الأعلى بالعراق، عبد الستار بيرقدار، أن “رئاسة جهاز الادّعاء العام أصدرت قراراً أوعزت فيه باستدعاء الأعرجي والتحقيق معه بالتهم المنسوبة إليه”. وأضاف أن “التحقيق سيجري من قبل المحاكم المتخصصة بالنزاهة”، لافتاً إلى أن “الإجراءات ستُتخذ وفق القانون وفي ضوء الأدلة المتوفرة”.
وبحسب القيادي في “التيار الصدري”، حسين البصري، فإن “العبادي أخذ الموافقة والمباركة من المرجع الديني علي السيستاني، قبل الإقدام على تلك الخطوة”. وأوضح البصري، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المرجعية الدينية هي من باركت تلك الخطوة وأعلنت دعمها للعبادي، ولولا ذلك لما اتخذها بسبب حساسيتها”. واعتبر أن “بعض الكتل غير قادرة على التصريح علانية برفضها، بسبب تأييد المرجعية للقرارات، وفي حالة الرفض ستكون بموقف سيئ للغاية شعبياً”.
من جهته، أشار الخبير القانوني مؤيد الصراف، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أنه “في حال نُفّذت القرارات فإن الدولة ستوفر من موازنتها العامة ما لا يقل عن 27 مليون دولار سنوياً، كانت تذهب لمكاتب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء والمستشارين والمخصصات المالية للدرجات الوظيفية الأخرى”.
أما الخبير بالشأن السياسي العراقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بغداد ناجي عبد الله، فرأى في قرارات العبادي “محاولة إنقاذ لسمعة الأحزاب الإسلامية التي تحكم البلاد وفشلت في إدارتها”. وأوضح عبد الله، في تصريحاتٍ لـ”العربي الجديد”، أن “المرجعية وصنّاع القرار في الشأن الداخلي للتحالف، قرروا التضحية بعدد من الشخصيات الكبيرة، من أجل إخماد شرارة التظاهرات بالشارع العراقي وامتصاص غضب المواطنين، الذين صعّدوا أخيراً من لهجتهم تجاه الأحزاب. كما وجّهوا وللمرة الأولى انتقادات لاذعة للمرجعية، بسكوتها أو تستّرها على الفساد، من شخصيات مقرّبة منها أو تحظى برعايتها على مر السنوات الماضية”.
ولفت عبد الله إلى أن “القرارات تؤكد وبشكل واضح، أن الدولة العراقية وقراراتها رهينة بإرادة المرجعيات الدينية في النجف وكربلاء، حتى لو كانت خارج سياق الدستور أو التوافق السياسي. وهذا الأمر بحدّ ذاته أصل المشاكل الجارية بالعراق”
هو ما وافقه الكاتب والسياسي العراقي سرمد الطائي، بشكل ضمني، بقوله إن “قرارات العبادي، في حال تمّت بالتنسيق مع السيستاني وبالتفاهم مع الصدر وعمّار الحكيم، وحظيت بتأييد من الأكراد والجبوري والنجيفي، فإنها ستسحب البساط من أنصار المالكي، الذين أرادوا المشاركة في التظاهرات والظهور بمظهر الزاهد المنتفض ضد الحكام الفاسدين”.
وتابع “تبقى القرارات بمثابة جسّ نبض، والفريق الأكثر تضرراً منها هم المسؤولون التنفيذيون، وعددهم بالمئات، ومعظمهم تابع لحزب الدعوة من أيام حكم المالكي”. ووصف تلك القرارات بأنها “اختبار عسير للعبادي نفسه أيضاً”. أما القيادي بجبهة “الحراك الشعبي” محمد عبد الله، فسأل عن “مدى فاعلية تلك القرارات على البلاد حتى لو نفذت عملياً”.
واعتبر، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “جميع المناصب المُلغاة فخرية، ومن دون سلطات تنفيذية أو تشريعية، لذا ستكون مجرد إصلاحات بقشرة العملية السياسية، ما قد يؤدي إلى تفكك وتشرذم حلفاء الأمس، وكشف مزيد من الفضائح التي رافقت العملية السياسية بالعراق منذ الاحتلال حتى الآن”. وتوقع أن “تفتح القرارات الباب على مفاجآت وتغييرات كثيرة بالمشهد العراقي، لن تكون بأي حال من الأحوال سيئة، بل على العكس فالإصلاح بالملف الحكومي ومعالجة الفساد سيكون حاضراً بحكومة العبادي، وفي حال تعذّر ذلك فمن المتوقع أن يتقدم باستقالته”.