على الرغم من صدور نفي رسمي من مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال في العراق عادل عبد المهدي، بشأن الأزمة التي أثارتها تقارير صحافية وتصريحات سياسيين حول استيلاء مليشيا “كتائب حزب الله” العراقية؛ أحد أبرز الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران، على مساحة أرض كبيرة على مقربة من السفارتين الأميركية والبريطانية داخل المنطقة الخضراء، بتسهيل من الحكومة العراقية، أكدت مصادر رفيعة في بغداد، لـ”العربي الجديد”، صحة تلك التقارير، وأن الموقع الذي استولت عليه الكتائب هو واحد من أصل 12 موقعاً استراتيجياً مهماً يقع بمناطق راقية بالعاصمة، استملكته المليشيا، في الفترة الماضية، وتصل قيمتها الإجمالية إلى عشرات الملايين من الدولارات، وتقع في مناطق الجادرية والأميرات والكرادة والحارثية ومناطق أخرى على نهر دجلة، بتسهيل من مسؤولين في مكتب عبد المهدي.
المعلومات كشفها بداية الباحث البارز في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، والمتخصص بالشؤون العسكرية والأمنية في العراق وإيران ودول الخليج، مايكل نايتس، عبر حسابه في موقع “تويتر”، إذ كشف عن أن نحو 200 عنصر من “كتائب حزب الله” استولوا على الأرض الفارغة، وبدأوا ببناء خيم ومقرات موقتة داخل المنطقة الخضراء.
ووصف نايتس في سلسة تغريدات على “تويتر”، الخطوة بالخطيرة والمقلقة للغاية، على اعتبار أن الأرض المستولى عليها من قبل المليشيا الموالية لإيران تقع على مفترق طريق حيوي في مركز السلطة ببغداد. وتحدث نايتس عن أن “قوات من عمليات بغداد والوحدات الخاصة العراقية تحاول منع عناصر المليشيا من الاستيلاء على المكان الذي سيمنحهم مجال رؤية عاليا جداً”، في إشارة إلى أن الأرض المسيطر عليها تقع بين سفارتي أميركا وبريطانيا”.
في المقابل، قال نائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي، في تغريدة له بمعرض تعليقه على رسالة سياسية لعبد المهدي: “بدأت الآن علامات اللادولة المتمثلة بالانهيار الاقتصادي والمالي، وآخرها الأمني، بعد سيطرة أحد الفصائل على موقع مهم في المنطقة الدولية”، مضيفاً أن “كل ذلك من مسؤولية الأحزاب التي تُجامل بعضها البعض على حساب الدولة!”.
جاءت رسالة عبد المهدي لتذكير الكتل حين خيّرها بين حالتي الدولة واللادولة؛ فقد بدأت الآن علامات اللادولة المتمثلة بالإنهيار الإقتصادي والمالي وآخرها الأمني بعد سيطرة احدى الفصائل على موقع مهم في المنطقة الدولية. كل ذلك من مسؤولية الأحزاب التي تُجامل بعضها البعض على حساب الدولة!
وجاء ذلك قبل أن يصدر رئيس الوزراء المستقيل، مساء أمس الأربعاء، بياناً قال فيه إن ما يتم تداوله حول منح قطعة أرض لمليشيا “كتائب حزب الله”، هو “خبر مفبرك”، مضيفاً: “ننفي الحديث عن قيام مدير مكتب رئيس الوزراء بمنح قطع أراض داخل المنطقة الخضراء لصالح حركة “كتائب حزب الله”، وفي الوقت الذي نكذب فيه هذا الخبر جملةً وتفصيلاً، نؤكد أن مدير مكتب رئيس الوزراء لا يمتلك أية صلاحيات قانونية تخوله تمليك أي قطعة أرض سواء للاستثمار أو لأي غرض آخر، وفي أي مكان في المنطقة الخضراء أو خارجها”.
لكن مصادر رفيعة في بغداد تحدثت لـ”العربي الجديد”، شريطة عدم الكشف عن اسمها، أكدت صحة الخبر، مشيرة في الوقت عينه إلى أنّ “ما جرى حصل من دون معرفة رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، الذي قام بإلغاء القرار تخوفاً من ردود فعل سياسية لكون المنطقة الخضراء تضم بعثات أجنبية ومقرات أممية، ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تنزع صفة الاستقلالية عن تلك المنطقة التي أنشأتها القوات الأميركية بعد احتلالها العراق عام 2003، من خلال اقتطاع مساحة تبلغ نحو 11 كيلومتراً من أحياء الكرادة وكرادة مريم على نهر دجلة القريبة من القصر الجمهوري، وتحويلها إلى محمية أطلق عليها المنطقة الخضراء، بعد ترحيل الجيش الأميركي سكان هذه المناطق”.
ووفقاً لمسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تحدث عبر الهاتف مع “العربي الجديد”، فإن “المعلومات صحيحة، وقطعة الأرض داخل المنطقة الخضراء واحدة من بين 12 موقعاً استولت عليها كتائب حزب الله بتسهيل من مسؤولين مقربين من عادل عبد المهدي”، قائلاً إن “كل تلك المواقع هي أملاك عامة تتبع الدولة، وتم بيعها بأسعار رمزية لا تتجاوز 5% من قيمتها الحقيقية”. وأضاف أن تلك المواقع تم استملاكها، على مدى الفترة الماضية، عبر شخصيات وواجهات مختلفة تتبع “كتائب حزب الله”، أبرزها في أحياء الأميرات الجادرية والكرادة، على نهر دجلة، ضمن سلسلة استثمارات هدفها التمويل الذاتي للمليشيا، وهو أمر سبقتها فيه مليشيات أخرى، مثل “العصائب” و”النجباء” وغيرها، التي حصلت على قروض ضخمة من بنوك محلية أهلية أيضاً.
وكشف عن أن أبرز المتورطين بتسهيل منح “كتائب حزب الله” تلك المواقع، هو المسؤول بمكتب رئيس الحكومة، قيس العامري، وهو قريب أيضاً من رئيس هيئة “الحشد الشعبي” فالح الفياض، وكذلك أبو جهاد الهاشمي مدير مكتب رئيس الوزراء السابق، والذي ما زال يملك صلاحيات حتى الآن، على الرغم من الإعلان عن استقالته بعد موجة التظاهرات التي تفجرت بالعراق مطلع أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي”.
وكشف عن أنه “في سنة 2015، أصدر رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، أوامر بمنع بيع واستثمار الأراضي وحتى الدور داخل المنطقة الخضراء، وجعل هذا الأمر وفق ضوابط قاسية جداً، وثم أصدرت دائرة عقارات الدولة قرارات بهذا الشأن، حرّمت فيها بيع واستثمار الأراضي داخل المنطقة الخضراء، وحتى في وقتها تم استرجاع الكثير من الأراضي والعقارات، كانت تحاول جهات سياسية ومسلحة عدة استثمارها”.
وبيّن المسؤول أن “الوضع اختلف كثيراً في حكومة عادل عبد المهدي، وأصبحت هناك سياسة واضحة لتمكين الفصائل المسلحة في الكثير من القطعات المختلفة، وهو ضمن مشروع جديد لبناء دولة عميقة من قبل الفصائل المسلحة وليس الأحزاب السياسية فقط”، مؤكداً أن “عبد المهدي كان قد خوّل مدير مكتبه قيس العامري بالتوقيع وتمرير المعاملات العادية، لكن بعد اتصالات أجريت مع عبد المهدي من قبل أطراف سياسية تحرّك سريعاً لوقف إتمام الصفقة”.
وكشف عن أن قوة من الفرقة التكتيكية التابعة لجهاز مكافحة الارهاب، طوقت، مساء الأربعاء، هذه الأراضي، وعملت على إزالة السياج وأصبحت الأراضي مكشوفة أمام الجميع بالوقت الحاضر”.
عادل النواب
العربي الجديد