ضربات مباشرة وجّهتها جائحة كورونا إلى الاقتصاد العربي، ما أدّى إلى خسائر فادحة، بلغت حتى الآن 1.2 تريليون دولار، وتوقعات بفقدان نحو 7.1 مليون عامل وظائفهم. ووسط ضباب كثيف يكتنف موعد زوال الجائحة، أو حتى بدء انحسارها، تتوالى التقارير التي تتنبأ بمزيدٍ من النزيف للاقتصادَين العربي والدولي، وهو ما بدا واضحاً في تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، الذي تناول تداعيات وباء كورونا على اقتصادات دول المنطقة والعالم، إضافة إلى إصداره توصيات مهمة تُسهم في تجاوز الأزمة بأقل خسائر ممكنة.
التقرير تحدّث عن الانعكاسات القريبة والبعيدة للجائحة على قطاعات: الصحة، والنفط، والسياحة، والطيران، وسوق العمل، والزراعة، والتنمية، وغيرها، مشيراً إلى أنّ كل شهر يمر تحت وطأة الإجراءات الاحترازية المشددة، التي تتخذها الدول للحدّ من تفشي الوباء، “سيؤدي إلى انخفاضٍ يصل إلى اثنين في المئة بمعدلات النمو الاقتصادي”، داعياً إلى إنشاء “صندوق عربي لإدارة الأزمات”، على غرار “صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة”، مقدماً اقتراحات تستهدف تخفيف حدة تداعيات الجائحة على الدول العربية.
وسلّط التقرير الضوء على الانعكاسات السلبية القصيرة الأجل، موضحاً أنه “رغم أنّ الوضع بالدول العربية أفضل حتى الآن مما هو عليه في الولايات المتحدة الأميركية، ودول الاتحاد الأوروبي، والصين، فإنّ غالبيتها لجأت إلى الإجراءات الاحترازية، خوفاً من هجمة شرسة للوباء تنهار معها الأنظمة الصحية بها”. مشيراً إلى أن بعض هذه الإجراءات “له تأثير شديد في الأوضاع الاقتصادية”، ومنها وقف حركة الطيران، بالتالي تعطلت النشاطات السياحية، التي تعدُّ مورداً اقتصادياً شديد الأهمية لعددٍ من دول المنطقة.
ولم يتوقف الأمر عند تأثر السياحة الوافدة من الخارج، بل امتد جراء حظر التجوّل، الذي اعتمدته معظم الدول درعاً حامياً من الوباء، إلى تعطّل أي فرصة لتنظيم رحلات سياحية داخلية، وهو ما أصاب هذا القطاع الحيوي بشلل تام وخطير، لا سيما في ظل تزامن ذلك مع غلق وإيقاف جميع المراكز والنشاطات الترفيهية.
خسائر قريبة
كما أشار التقرير إلى الخسائر القريبة أو بالأحرى القصيرة الأجل، التي ستقع على عاتق قطاعي السياحة والطيران، إذا استمرّت الأوضاع الحالية فترة أطول، مشيراً إلى أن خسائر القطاعَين “بلغت حتى الآن مليار دولار”، إضافة إلى “التخلي عن نحو مليون وظيفة ثابتة، ومئات الآلاف من الوظائف الموسمية”، وتطرّق أيضاً إلى الخسائر المليارية التي ستطول الجوانب الأخرى من موارد الدول العربية، منها النفط الذي تشهد أسعاره انهياراً تاريخياً لم يسبق له مثيل، فضلاً عن تراجع متزايد في الطلب عليه، لكثرة المعروض، وعدم توافر أماكن للتخزين، متوقعاً استمرار التراجع في أسعاره، مدعوماً بعدم القدرة على تجاوز الأسباب المؤدية إلى هذا الانهيار على المدى القريب، ما ينذر بإغلاق أكثر من 7.1 مليون وظيفة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع قياسي بمستويات البطالة، بشكل يؤثر في دخول الأفراد، ويحدّ من القدرة الشرائية لديهم، مخلفاً وراءه موجة كساد وركود ربما تكون الأعنف في الـ100 عاماً الماضية.
تقرير الجامعة العربية حول الآثار السلبية الطويلة المدى على الاقتصاد العربي، الذي استند إلى تقديرات وبيانات عدد من المنظمات الدولية المهتمة بالاقتصاد، صنّف الخسائر إلى 550 مليون دولار يومياً من إيرادات النفط، إلى جانب تراجع الصادرات بقيمة 28 مليار دولار، وخسارة 420 مليار دولار من رؤوس أموال الأسواق، وأخرى بقيمة 63 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي لدى الدول الأعضاء بالجامعة، علاوة على ديون إضافية تبلغ 220 مليار دولار، وخسارة أكثر من ملياري دولار من إيرادات التعريفات الجمركية.
التقديرات التي ذكرها التقرير أشارت أيضاً إلى سقوط نحو 8.3 مليون من سكان المنطقة العربية في بئر الفقر، مشيراً إلى أن هذه الزيادة في أعداد الفقراء ستؤدي إلى نقص حاد في التغذية، فالمنطقة تستورد أغذية بقيمة 100 مليار دولار سنوياً.
وحش البطالة يتعاظم
تقرير جامعة الدول العربية استند أيضاً إلى آراء عددٍ من المؤسسات الدولية، ذاكراً أنه وفقاً لتقييم أوليّ أجرته منظمة العمل الدولية، فسيكون لوباء كورونا تأثيرٌ كبيرٌ في أسواق العمل بجميع أنحاء العالم مع ارتفاع البطالة. ولم يغفل الحديث عن الأسواق المالية العالمية، والتأثيرات السلبية التي تشهدها نتيجة تفشي الوباء، مع تنامي التواصل الاجتماعي الدولي، نتيجة للعولمة التي اشتد تأثيرها منذ بداية الألفية الجديدة.
وتوقع أثراً شديداً للتداعيات المترتبة على الجائحة، خصوصاً في الدول التي تعاني ارتفاع معدلات البطالة، وكذلك زيادة كبيرة في الضغوط على القطاع الخاص، الذي ستضطر شركاته إلى الإقفال، وتسريح الموظفين والعمال. لافتاً إلى أنّ الرعاية الصحية والأمن الغذائي من القطاعات التي ستتأثر كثيراً بالأزمة، كما أن من أكثرها تضرراً بالوباء: النفط، والسياحة، والنقل الجوي، والزراعة، والطيران.
الصورة القاتمة لم تكن وحدها المسيطرة على تقرير قطاع الشؤون الاقتصادية بجامعة الدول العربية، إذ أشار إلى بعض الجوانب الإيجابية، مثل: زيادة الاهتمام بصناعة المستلزمات الطبية، وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وهو ما يعزز من نمو هذه القطاعات، ويدفعها نحو قيادة قاطرة تخفيف وطأة الخسائر بالقطاعات الأخرى ولو بمعدلات طفيفة.
مقترحات وتوصيات
وقدّم التقرير عدداً من التوصيات والمقترحات لمواجهة تداعيات وباء كورونا، يمكن إيجازها في ما يلي:
– إنشاء صندوق عربي للأزمات على غرار صندوق دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
– تأجيل الأقساط المستحقة على الدول العربية خلال تلك الفترة من دون أن يؤثر ذلك في منحها تسهيلات إضافية، أو تحمّلها أي رسوم مقابل هذا التأجيل.
– تكوين فرق لإدارة الأزمة، تضم مؤسسات العمل العربي المشترك ذات العلاقة، ومؤسسات التمويل العربية.
– إنشاء صندوق تمويلي تشارك فيه الدول العربية، يُخصص لتمويل مشروعات الأمن الغذائي، على نسق الصندوق الإنمائي المتعدد الأطراف، الذي قررت مجموعة الثماني إنشاءه.
– دعم المصارف الوطنية لتطبيق الإجراءات الخاصة بتأجيل سداد أقساط ديون العملاء وزيادة نطاق التغطية ببرامج الحماية الاجتماعية.
– اتباع سياسات نقدية توسّعية مع زيادة مخصصات التعليم، والبحث العلمي، والصحة، في موازنات الدول العربية.
– مراجعة الاشتراطات اللازمة لتقديم الدعم المالي للدول الأعضاء بوضع شروط مؤقتة أكثر مرونة.
محمود عبده
اندبندت عربي