أطلقت هيئة “علماء المسلمين” في العراق، مساء السبت، مبادرة سياسية تهدف إلى التوافق على الحل المناسب لإنقاذ العراق والمنطقة، تحت عنوان “العراق الجامع”، وهي المبادرة التي اعتبرها القائمون عليها، أنها “تأسيس لوحدة البيت العراقي”، والتي تأتي استجابة لمناشدات وصلت الهيئة عقب تواصلها، خلال الفترة الماضية، مع القوى المناهضة للمشروع السياسي القائم في العراق حالياً. وتتضمن المبادرة التي أعلن عنها أمين عام الهيئة، مثنى حارث الضاري، خلال مؤتمر عقده في العاصمة الأردنية عمّان، الدعوة إلى لقاءات تشاورية موسعة بين القوى العراقية المناهضة للمشروع السياسي القائم في العراق، لغرض الاتفاق والتنسيق على مبادئ وثوابت مشروع العراق الجامع وتفعيلها، إضافة إلى عقد سلسلة من الندوات بين كفاءات ونخب المجتمع وقواه المدنية الفاعلة، وقادة الرأي والواجهات الاجتماعية، لتقريب وجهات النظر والوصول إلى رؤى مقاربة. كما تقوم المبادرة على الدعوة إلى اجتماع شرائح وفئات مجتمعية مهمة في كيانات وعناوين، تمهيداً للمشاركة في أي جهد عراقي جمعي قادم.
وتتوج المبادرة، وفقاً للضاري بالدعوة إلى عقد مؤتمر عام لتأسيس إطار عراقي جامع، يكون عنواناً واحداً ينظم أفكار ومنطلقات القوى العراقية من خلال ميثاق للعمل المشترك، على أن يقوم الميثاق على أسس الوحدة، واستقلال القرار العراقي، ورفض التبعية للخارج القريب والبعيد، وتعزيز السلم المجتمعي، والتحضير لحل مناسب يحول دون وقوع العراق فريسة الفراغ القاتل. وأكدت المبادرة، أن أطرها ومحدداتها تلتزم بالتمسك باستقلال العراق التام ووحدة أراضيه، والالتزام بالمنهج التعددي واستبعاد آليات الانتقام السياسي، وأن مأساة العراق ليست مأساة طيف أو عرق أو منطقة، واستلهام روح المقاومة والانتفاضات والاعتصامات والثورات الشعبية. وأشار الضاري إلى أن دولاً عربية رفضت، منذ عام 2009، طلبات الهيئة بعقد مؤتمر عام للقوى العراقية، كما رفضت جامعة الدول العربية، وكشف أن المبادرة المطروحة حالياً تلاقي تأييداً عربياً ودولياً، رافضاً الكشف عن أسماء الدول المؤيدة. ونفى الضاري، أن تكون المبادرة جاءت رد فعل على ما تشهده المحافظات الجنوبية من مواجهات احتجاجية، معتبراً أن ما يحدث، اليوم، ما هو إلا “دلالة على أن الشعب العراقي سئم الأوضاع القائمة، وما عاد قادراً على التحمل، وأنه، اليوم، يتطلع إلى الخلاص”. ونوه إلى أن المبادرة تأتي بعد معاناة طويلة من تغول الحكومات المتعاقبة وأجهزتها القمعية ومصادرتها حق الشعب في المطالبة بحقوقه، لافتاً إلى أن الثورات المتعاقبة التي يعيشها العراق والتي بدأت في عام 2011 ضد سياسية القتل والاعتقال والفساد، وانطلقت مرحلتها الثانية في عام 2012 متمثلة في ساحات الاعتصام التي قوبلت بسياسة القتل، وصولاً إلى ما يشهده العراق اليوم من احتجاجات متنامية في محافظاته الجنوبية. وترى المبادرة أن “النظام السياسي القائم في بغداد لا يمثل العراقيين جميعاً، وأنه مصمم لخدمة مصالح أحزاب وجهات محددة، بعيداً عن مصالح الشعب”، واتهم الضاري ” النظام السياسي في بغداد بأنه ساهم في جعل العراق، اليوم، يقع تحت الاحتلال الإيراني”، وحمل أميركا مسؤولية ما يعيشه العراق، وذلك من خلال إصرارها على حصر المشهد العراقي في الصراع بين طرفين متحاربين، وتجاهل الأسباب الحقيقية المتمثلة في الفساد وإقصاء القوى الوطنية. من جهته، أكد الناطق باسم هيئة “علماء المسلمين” في العراق، محمد بشار الفيضي، أن “العراق لا يقبل القسمة”. ورداً على تصريحات أميركية عن احتماليات التقسيم في المستقبل، قال الفيضي في تصريح ـ”العربي الجديد”، إن “العراق ليس ولاية تابعة لأميركا، الشعب وحده إذا أراد التقسيم سيتم، لكن أؤكد أن الشعب العراق يرفض التقسيم، ورفض العديد من مشاريع التقسيم التي طرحتها قوى عالمية وإقليمية متمسكاً بالوحدة”. ورأى الفيضي أن “ما يحدث من انتفاضات في المحافظات الجنوبية التي اعتبر النظام السياسي أنه ممثلها الطائفي، يؤكد أن الشعب ليس طائفياً كما النظام السياسي”. وأوضح الفيضي، أن ما عاشه العراق، خلال الثلاث سنوات الماضية، محطات في الثورة، مشيراً إلى أن “ما نقوم به اليوم هو وجه آخر لثورة العشرين، نثور لنفس الأسباب والأهداف”. وعبر الفيضي عن شكره الأردن للسماح بعقد المؤتمر على أراضيه، وقال إن “سماح الأردن اليوم بالظهور والإعلان عن المبادرة هو أمر يستوجب الشكر”. يذكر أن توتراً شاب العلاقات الأردنية – العراقية، في يوليو/ تموز 2014، وصل حد استدعاء الخارجية العراقية سفيرها في عمّان، جواد عباسي، للتشاور، وذلك على خلفية استضافة الأردن مؤتمراً للقوى العراقية المناهضة للسلطة السياسية في بغداد، وهو الأمر الذي رأت فيه الحكومة العراقية حينها عملاً عدائياً من الأردن، قبل أن يصار بعدها إلى تطويق الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.
محمد الفضيلات
صحيفة العربي الجديد