طفرة النفط الجديدة مع صعود الأسعار اليوم تنعش الآمال بعودة تدريجية للتعافي مع دعم خفض الإنتاج وتخفيف القيود لاحتواء تداعيات كورونا، إضافة إلى عودة الطلب الصيني وتشغيل المصافي،حيث صعد خام برنت حوالي 7 في المئة إلى 34.68 دولاراً، بعد أن لامس أعلى مستوى منذ 13 أبريل (نيسان) الماضي، كما صعد الخام الأميركي 10 في المئة إلى 32.37 دولاراً للبرميل وسط مؤشرات على تعافي الطلب على الخام وأنواع الوقود من كبوته. في الوقت نفسه فإن الإنتاج ينخفض مع تقليص شركات الطاقة الأميركية عدد حفارات النفط والغاز العاملة إلى أقل مستوى على الإطلاق للأسبوع الثاني على التوالي، ما أسهم جزئياً في تهدئة المخاوف من نفاد طاقة التخزين في نقطة تسليم عقد الخام الأميركي في كاشينغ بولاية أوكلاهوما.
وقال مايكل مكارثي، من “سي إم سي ماركتس” بسيدني “في ظل السحب المفاجئ الذي شهدناه من المخزونات في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، يبدو مستبعداً أن تتجدد مخاوف طاقة التخزين”.
وكانت أسعار النفط قفزت نهاية الأسبوع الماضي ، لتلامس أعلى مستوياتها في أكثر من شهر، وسط دلالات تشير إلى عودة ارتفاع مستويات الطلب، بسبب تخفيف إجراءات الإغلاق في بعض الدول، متلقية دعماً من ظهور مؤشرات ارتفاع الطلب على الخام، مع إعلان الصين زيادة معدلات استهلاك المصافي، ومع نهاية أسبوع اتسم بالأخبار الإيجابية.
كما أن “باركليز كوموديتيز ريسيرش”، رفع توقعاته للأسعار في العامين الحالي والمقبل، بدعم من خفض الإمدادات لموازنة تآكل الطلب الناجم عن قيود تستهدف مكافحة انتشار فيروس كورونا، حيث جاءت المؤشرات لخامي “برنت” و”غرب تكساس الوسيط”، بما يتراوح بين 5 و6 دولارات للبرميل لعام 2020، و16 دولاراً للبرميل لعام 2021. وتوقع البنك أن يبلغ حالياً متوسط سعر “برنت” 37 دولاراً للبرميل، و”غرب تكساس الوسيط” 33 دولاراً هذا العام.
وبالنسبة إلى عام 2021 يتوقع البنك أن يبلغ متوسط سعر “برنت” وخام “غرب تكساس الوسيط” 53 دولاراً، و50 دولاراً للبرميل على التوالي.
مرحلة جديدة للنفط
في هذا الصدد، يؤكد المتخصص في شؤون النفط، محمد الشطي، أن “السوق النفطية تجاوزت مرحلة انهيار الأسعار إلى مرحلة التعافي، حيث يدور نفط خام الإشارة (برنت) حول 33 دولاراً للبرميل، حيث تغلب على المرحلة ضغوط على الأسعار وتذبذب في المستويات ربما حتى شهر يوليو (تموز)، أو أغسطس (آب)، ثم تبدأ بعدها مرحلة جديدة، يكون فيها مسار التعافي أكثر وضوحاً وثباتاً”، متوقعاً أن تتجه البوصلة نحو 40 أو 45 دولاراً للبرميل مع نهاية عام 2020.
أجواء جديدة للتفاؤل
وتابع “هذا التفاؤل يعكس تبدلاً في الأجواء رغم الحذر، حيث أكدت عليه توقعات صناعة النفط، التي صدرت عن سكرتارية الـ(أوبك) وإدارة معلومات الطاقة الدولية التي أكدت على أمرين هما جهود الانفتاح الاقتصادي، وعودة الحياة لطبيعتها، والأمر الآخر تقلص المعروض، ما يعني فعلياً بدء جهود توازن السوق، وهو في محصلته سحوبات من المخزون النفطي الذي هو ضابط ميزان الطلب والعرض في السوق.
في الوقت ذاته، يرى المتخصص في قطاع النفط أن عودة الأسعار للصعود جاءت بدعم من تخفيضات الإنتاج، إضافة إلى علامات الانتعاش التدريجي في الطلب وسط تخفيف قيود جائحة كورونا، مع قرب انتهاء التعاملات في عقود شهر يونيو من دون بروز علامات السالب.
مؤشر الصين يمهد للصعود
ويشير عدد من المحللين أيضاً إلى أن تحسن الطلب من الصين وإعادة تشغيل المصافي، من شأنه أن يعزز الحديث عن أن الأسوء للاقتصاد بات خلفنا، ومن ثم فإن الطريق أصبح ممهداً لتراجع الطلب على النفط، وهو ما يراه عدد من المراقبين، لكن تبقى هذه التوقعات رغم ذلك في دائرة الحذر، وهي مرتبطة بعودة حركة الملاحة الجوية من جديد، التي قد تأخذ وقتاً أطول للعودة إلى ما كانت عليه، مع استرجاع ثقة الناس في وسائل النقل الجوية في ظل الإجراءات الاستثنائية للسفر، إضافة إلى الأجواء السلبية التي تطغى على ارتفاع معدلات البطالة في العالم التي ارتفعت لمستويات قياسية، ما سينعكس على معدلات الاستهلاك.
رغم ذلك يرى المحللون أن ما يدعم انتعاش الأمل في السوق ما أعلنته الصين عن زيادة في معدلات استهلاك المصافي، وهو ما يعني ارتفاع الطلب على النفط وارتفاع الواردات، لتشغيل هذه المؤسسات التي تصب في النهاية في استهلاك كافة أنواع المنتجات للتصنيع. وقد أظهرت بيانات رسمية، ارتفاع معدل تشغيل المصافي في الصين بنحو 1.33 مليون برميل يومياً من مارس (آذار)، ليصل إلى 13.16 مليون برميل يومياً في أبريل، في حين بلغ إنتاج الصين من النفط الخام 3.88 مليون برميل يومياً في الشهر الماضي.
وبحسب الشطي، فإن سجلات السوق أوضحت توجه عدد كبير من الناقلات إلى الصين، وهو ما يؤكد ارتفاع وارداتها للإيفاء برفع معدل تشغيل المصافي المحلي.
“أوبك” وخفض الإنتاج
على صعيد متصل، يؤكد متخصصون في مجال النفط أن تمسك “أوبك بلس” بخفض الإنتاج 9.7 مليون برميل يومياً في مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، ثم تأكيد الرياض تعميق تخفيضات الإنتاج في يونيو بنحو مليون برميل يومياً، كما أن انضمام الإمارات والكويت إلى السعودية، ثم أنباء حول عزم “أوبك بلس” الحفاظ على اتفاق النفط الحالي إلى نهاية 2020، من شأنه أن يعزيز الأسعار والطلب اللذين تضرّرا بشدة من جائحة فيروس كورونا.
كما يمكن فهم الإعلان عن اتفاق الكويت والسعودية على وقف إنتاج النفط في حقل الخفجي المشترك، لمدة شهر، بدءاً من أول يونيو المقبل، أن ذلك يأتي في إطار خفض الإنتاج لتحقيق توازن السوق النفطية. أما بالنسبة إلى الإنتاج من خارج “أوبك” والأنباء الواردة بشأن توقع خفض الإنتاج الأميركي خلال يونيو، بما يصل إلى مليون ونصف المليون برميل يومياً، سيكون داعماً للسوق. كل ذلك يفي بالوصول إلى نتيجة مفادها أن الصناعة النفطية تسير إلى تعافٍ تدريجي مع عودة الاقتصاد العالمي للحركة.
في جانب آخر، يرى متخصصون أن الصناعة النفطية ستشهد تغيرات قد تكون واسعة، خصوصاً في إنتاج النفط الصخري، حيث تشير الإحصائيات إلى انسحاب مستثمرين من هذا الحقل بسبب الخسائر المتراكمة قياساً على تراجع العوائد بسبب انخفاض الأسعار، في وقت تحملت هذه الشركات ديوناً كبرى، لم تستطع الوفاء بها، ما يشير إلى أن إنتاج “أوبك” وحلفائها قد يشهد عودة جديدة لتلبية الطلب العالمي، ولو بمستوى أقل.
غالب درويش
اندبدنت عربي