منذ أن أطل شبح وباء كورونا، أعادت مراكز البحوث مجدّدا النظر في أشكال وعناوين الحروب القادمة وخاصة الأسلحة التي ستخاض بها، لتزداد التحذيرات من أن يكون عنوان سباق التسلح مستقبلا مراهنا على الحرب البيولوجية.
ولئن لم يتم الحسم بصفة نهائية في تحديد هوية وباء كورونا الذي تقول منظمة الصحة العالمية إن مصدره حيواني وظهر في مدينة ووهان الصينية، فإن الحديث عن كونه بمثابة سلاح بيولوجي قاتل لم يقتصر على ردود فعل واشنطن التي تتهم بكين بذلك.
وعلى ضوء هذه الاتهامات الموجهة للصين، يحذر خبراء من وجود احتمال كبير من أن يتم استعمال الفايروس في حرب بيولوجية تستخدم في تطويره تقنيات مزدوجة، تجمع بين التطوير البيولوجي والتعديل الجيني.
وكثر الحديث في السنوات الأخيرة عن إمكانية واردة لاندلاع حرب باردة أو حرب عالمية ثالثة سيكون عنوانها زعامة العالم وخاصة بين الثلاثي الولايات المتحدة والصين وروسيا. لكن بعد ظهور وباء كورونا صار الكلام عن هذه الحرب محذرا أكثر من أي وقت مضى من خطورته بما يجعلها أثقل وطأة من سابقاتها خاصة مع بروز بوادر توجه نحو خوض حرب بيولوجية.
وتظهر كل المؤشرات بأن أسلحة الحرب مستقبلا لن تكون تقليدية أو معتمدة على عتاد يسهل التحكم فيه من قبل الحكومات والدول، بل إن رهانها سيكون مرتكزا على تطوير التكنولوجيا وتقنيات الذكاء الصناعي ما يضع العالم أمام صراعات مفتوحة بجنود غير نظاميين، وأسلحة غير مرئية، لكنها فتاكة ومدمرة.
ورجح خبراء أن سباق التسلح العالمي سيستمر وبسرعة، عقب جائحة فايروس كورونا خاصة على مستوى صد الهجمات البيولوجية.
لكن رغم كل هذه الهواجس، فإنهم يتابعون أيضا باهتمام وقلق ارتفاع نسق التسلح خاصة قبل بداية تفشي الوباء.
وارتفع حجم الإنفاق العسكري على مستوى العالم عام 2019، بنسبة 3.6 في المئة (الأكبر منذ 2010) مقارنة بـ2018، مسجلا 1.9 تريليون دولار، بحسب تقرير حجم الإنفاق العسكري العالمي، لمعهد دراسات السلام الدولي بالعاصمة السويدية ستوكهولم.
حرب مدمرة
بات العالم على حافة أزمة عسكرية جديدة بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه انسحاب بلاده من معاهدة السماوات المفتوحة بعد 18 عاما من توقيعها مع 33 دولة أخرى. وتسمح هذه المعاهدة بعمليات استطلاع جوية بطائرات غير مسلحة في أجواء الدول المشاركة في محاولة منها لبناء ثقة.
وتعد خطوة ترامب أحدث تحرك منه لإخراج بلاده من الاتفاقيات الدولية الكبيرة بعد الانسحاب من الاتفاق النووي وكذلك الخروج من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا.
في المقابل، تدعمت فرضيات اندلاع الحرب بعدما أعلنت موسكو في نهاية العام الماضي عن نشر “أفانجارد”، وهو أول صاروخ أسرع من الصوت.
ولا تعد روسيا أول من نشر هذه الأسلحة عالميا والتي يمكنها حمل رؤوس نووية، حيث سبقتها دول أخرى مثل ألمانيا والولايات المتحدة والصين وأخيرا فرنسا.
وفي سياق التحذيرات من أن تحل الحرب البيولوجية محل الصراعات التقليدية وبما فيها النووية يعتقد الخبير الأميركي فرانسيس بويل، الذي قام بإعداد قانون السلاح البيولوجي الأميركي عام 1989، في حديث موقع “جيو بوليتكس آند إمباير” أن استخدام الأسلحة البيولوجية الفتاكة لا يعد أمرا طارئا في تاريخ البشرية.
وبسؤاله عن بوادر تغيير الوباء لقواعد الحرب الكلاسيكية يقول بويل إن “الكثير من المصادر تُعيد بداية استخدام هذا النوع من السلاح إلى الآلاف من السنين. وهو من أقدم حالات استخدام الأسلحة البيولوجية الموثقة في كتب التاريخ”.
من جهته قال البروفيسور جاغري أرهان، رئيس جامعة ألتين باش إن شكل وطرق الحروب في الفترة المقبلة سيختلف عن السابق.
وأفاد أنه “في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة يمكن أن نشهد هجمات سيبرانية عبر الإنترنت تستهدف أنظمة البنوك ومحطات الكهرباء والمحطات النووية، إضافة إلى هجمات بيولوجية”.
وشدد على أن مجال السلاح من أهم المجالات والقطاعات بالعالم، وأن الدول المتنازعة لن تتخلى عن شراء السلاح، رغم استمرار جائحة كورونا.
ولفت أرهان إلى أن الحديث عن الأسلحة البيولوجية المحرمة بموجب المعاهدات الدولية، عاد مجددا مع انتشار كورونا.
وأضاف أن معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية، الموقعة عام 1972، تحظر على أي دولة تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية، لكن على أرض الواقع تم استخدام هذا النوع من الأسلحة، كما حدث في حرب إيران والعراق (1980 – 1988).
وشدد على أن استخدام وتخزين الأسلحة البيولوجية محظور تماما، كالسلاح النووي، لكن لا توجد آلية حقيقية لمنع ذلك.
أوضح أنه تزداد يوما بعد آخر الادعاءات بأن كورونا تم تصنيعه في المعمل (بالصين)، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الصين تسعى إلى تصنيع سلاح بيولوجي، ثم خرج الفايروس عن السيطرة.
ولفت إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا تطالب الصين بدفع تعويضات عن الخسائر التي تكبدتها هذه الدول جراء تفشي الوباء، وعلى بكين أن تتحمل ذلك إذا اتضح فعلا أنها تسببت بظهور الفايروس.
ووفق محمد سيف الدين أرول، عضو هيئة التدريس بجامعة حاجي بيرام ولي بأنقرة، رئيس مركز دراسات السياسة والأزمات بأنقرة، فإن كورونا جعل الدول تضع نصب أعينها احتمالية تعرضها مستقبلا لتهديدات بيولوجية.
وأضاف أرول أن العالم دخل مع كورونا مرحلة جديدة بخصوص التسلح البيولوجي، ولم تتردد الدول في تطوير قدراتها العسكرية لردع هذه التهديدات.
وزاد بأن سباق التسلح سيستمر، بل وسيزداد عقب الجائحة، وصراع القوى لا يزال مستمرا منذ انتهاء الحرب الباردة (1947 – 1991).
وشدد على أن الأسلحة البيولوجية لا يمكنها أن تحل محل الأسلحة النووية أو الأسلحة التقليدية، وأولوية الدول ستكون استخدام الأسلحة التقليدية.
ولفت إلى تصريح للمتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قالت فيه إن بلدها سيعتبر أي هجوم عليه بالصواريخ الباليستية المُطلقة من الغواصات سببا يستدعي الرد بالسلاح النووي. وأفاد بوجود مخاطر تتمثل باحتمال استخدام السلاح النووي ضد السلاح البيولوجي أو العكس.
من جهته ذهب أمره أوزان، عضو هيئة التدريس بقسم العلاقات الدولية بكلية العلوم الاقتصادية والسياسية في جامعة قيرقلار إيلي، إلى أن السياسة الدولية تشهد توترا ملحوظا منذ سنوات.
وتابع أوزان أن تغير ذلك عقب انتهاء الجائحة أو تقليل الدول لنفقاتها الدفاعية واتجاهها إلى التعاون بدلا عن التنافس ليس بالأمر السهل الوارد حدوثه.
ولفت أوزان إلى أن الولايات المتحدة أجرت تجارب على صواريخ “هايبرسونيك” (أسرع من الصوت) أثناء استمرار تفشي كورونا.
وقالت خبيرة استراتيجيات الأمن سيبل قارابل، إن الولايات المتحدة خصصت حزمة إنقاذ بقيمة 2 تريليون دولار، أي 10 في المئة من ميزانيتها لمواجهة الجائحة، بينما خصصت ألمانيا 4.9 في المئة من ناتجها القومي، وخصصت الصين 1.2 في المئة.
وأضافت أن الدول زادت من إنفاقها على قطاع الصحة والمستلزمات الطبية، لكنها مستمرة في استثماراتها بمجال الدفاع. ورجحت أن الدول ستعيد النظر في طرق إنفاقها العسكري، لكن ليس معنى ذلك أن سباق التسلح سينتهي عقب كورونا.
صحيفة العرب