تعتزم حكومة الوحدة الإسرائيلية المشكَّلة حديثًا المضي قدمًا في التحرك من جانب واحد لضم أراض فلسطينية في الضفة الغربية وغور الأردن بحلول أوائل تموز/ يوليو. ويبدو أن الخطة الإسرائيلية الحالية تشمل الكتل الاستيطانية الكبيرة ومعظم المستوطنات الـ 140 الموجودة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يقيم حوالي 600 ألف يهودي بالإضافة إلى فلسطينيين. وعلى الرغم من عدم البدء في اتخاذ أية إجراءات علنية حتى الأن، فإن المناقشات العامة والمحادثات بشأن الضم الوشيك قوّضت الاستقرار والأمن الهش في الضفة الغربية. علاوة على ذلك، سيكون للضم بحد ذاته تداعيات دبلوماسية وأمنية واقتصادية واجتماعية وقانونية خطيرة.
جاءت الطروحات الحالية عن الضم متجذرًة في خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط المثيرة للجدل والصادرة في كانون الثاني/ يناير تحت عنوان “رؤية من أجل السلام،” والتي يُطلق عليها أيضًا تسمية “صفقة القرن.” وبدأ الجدال حاميًا بشكل خاص حول مسألة اعتراف الخطة بالقدس عاصمة لإسرائيل ثم حاليا الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية.
وغطت الضجة الإعلامية حقيقة أن خطة ترامب للسلام تقترح أيضا في المقابل دولة فلسطينية على ما تبقى من الضفة الغربية وكامل قطاع غزة، على أن تكون عاصمتها الأجزاء العربية من القدس الشرقية. وبالتالي، إن دعم الولايات المتحدة للضم الإسرائيلي ليس مجانيًا، بل هو جزء من خطة سلام إدارة ترامب لإسرائيل والفلسطينيين، وينبغي على السلطة الفلسطينية أن تأخذ ذلك في عين الاعتبار عند النظر في ردها على خطة السلام ومخطط الضم.
تبعات الموقف الإسرائيلي من الضم
على الرغم من أن كِلَي الطرفين قد فسر الأمر بطريقته، إلا أن إسرائيل في الواقع ليس لديها “ضوء أخضر” بعد من الولايات المتحدة للمضي قدمًا في ضمها الأحادي الجانب. ويبدو أن زيارة بومبيو البارزة لإسرائيل تؤكد هذه النقطة ولكن تستغل إسرائيل إصرار السلطة الفلسطينية على تحدي الإدارة الأمريكية برفض النظر في خطة ترامب للسلام لضمان الدعم الأمريكي.
ومع ذلك، فإن السلطة الفلسطينية ليست الطرف الوحيد الذي يعارض الضم. فإن المجتمع الدولي يعتبر مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية غير قانونية بموجب القانون الدولي. وأي ضم إسرائيلي لها ينتهك مبدأ السلامة الإقليمية – أي أنه لا ينبغي أن تُكتَسب الأرض عن طريق الحرب، كما جاء في الكثير من قرارات الأمم المتحدة التي أعلنت أن الضفة الغربية هي أراض فلسطينية محتلّة. وبالتالي، ينص القانون الدولي على أنه في حال حدوث الضم الإسرائيلي، فإن المجتمع الدولي سيرفض الاعتراف به بغض النظر عمّا إذا كان الكنيست الإسرائيلي سيشرع قانونًا لإضفاء الشرعية عليه أم لا، مما سيزيد من عزلة إسرائيل عن المجتمع الدولي.
وحتى الآن، أدانت السلطة الفلسطينية والجامعة العربية والمملكة العربية السعودية والأردن وتركيا والمملكة المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي جميعها هذا الضم. كما أكّد الاتحاد الأوروبي من جديد دعمه لحل الدولتين ومعارضته لأي ضم أحادي الجانب. وشددت عدة دول أوروبية على ضرورة التمسك بالقانون الدولي وأعربت عن قلقها من أن مثل هذه الخطوة الأحادية الجانب قد تشكل سابقة خطيرة بالنسبة للدول الداخلة في نزاعات حول أراضٍ متنازع عليها.
وبالعودة إلى الساحة الإقليمية، حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إسرائيل من “صراع كبير” إذا استكملت خطط ضمها، في حين حذرت مصر من أن الضم سيعرّض حل الدولة الفلسطينية للخطر. ولا بدّ من الإشارة إلى أن الأردن ومصر هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان وقعتا معاهدات سلام مع إسرائيل. وسلط إعلان الحكومة الإسرائيلية عزمها على المضي قدمًا بعملية الضم الضوء على الرفض الدولي للسيادة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية واعتبار الضفة الغربية محتلة والضم بمثابة انتهاكٍ خطيرٍ للقانون الدولي. وعلى غرار الانسحاب الأحادي الجانب من غزة، ستترك عملية الضم هذه أثارها السلبية على الطيف السياسي الفلسطيني بتعزيز الراديكالية والتطرف والتشدد بينما يُسحب البساط من تحت أرجل نشطاء السلام المعتدلين.
وإذا لم تكن هذه التحذيرات الدولية والإقليمية للحكومة الإسرائيلية المطالبة أن تعيد النظر في قرار الضم كافية فان هنالك أعباء أخرى على إسرائيل تحملها في حال أنها مضت قدما في عملية الضم، ومنها انه سيصبح السكان العرب غير اليهود في هذه المناطق عبئًا سياسيا في حال منحهم الجنسية الإسرائيلية وحق التصويت وأيضا على الاقتصاد الإسرائيلي إذ ستصبح إسرائيل ملزمة بتأمين احتياجاتهم من البنية التحتية والصحة والتعليم والأمن والعمالة وغيرها من الخدمات الأساسية.
كما أن خطوة كهذه ستكون كارثية على السياسة الخارجية لإسرائيل. فالضم سيضرُّ إسرائيل من حيث مكانتها الإقليمية والدولية، ويعرّض مبادرات التطبيع الإسرائيلية مع العالمين العربي والإسلامي للخطر. ولا يمكن تبرير الخطوة كإجراء أمني. فبدلاً من تعزيز أمن إسرائيل في المستقبل، سيؤدي الضم إلى تهديد الأمن الإسرائيلي من خلال خلق نطاق جغرافي أوسع.
الرد الفلسطيني
على الرغم من كل الأسباب التي تدعو إسرائيل إلى عدم المضي قدمًا في الضم، إلا انه يجب ألا تتكل السلطة الفلسطينية على إمكانية تراجع الحكومة الإسرائيلية عن موقفها. ولكن لا يزال الكثير متوقّفًا على رد السلطة الفلسطينية على هذا الإجراء الأحادي الجانب التي كان ردها سريعا دون انتظار حتى يصبح الضم واقعًا، ولكنه تميز بانها لم تضع أفكارًا طازجة ونمطًا جديدًا من السلوك على الطاولة.
وعلى السلطة الفلسطينية أن تُدرك أن هنالك ثمة فرصة سانحة تكمن في التركيز على تشجيع المشاركة الدولية لأطراف ثالثة للحفاظ على الجوانب الهامة لعلاقاتها الثنائية مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة. فحين رفضت السلطة الفلسطينية رفضًا قاطعًا خطة السلام الأمريكية، حتى قبل الانتهاء منها ونشرها، إلا أنها لم تطرح أي بديل عملي لما جاء في الخطة بدلاً من رفضها جملة وتفصيلا. ويقتضي على قيادة السلطة الفلسطينية تقديم خطة متماسكة وواقعية وعقلانية ردا على خطة ترامب للسلام بهدف التفاوض بشأنها، تتضمن تفصيل ما يريده الفلسطينيون وماذا يمكنهم تقديمه في المقابل.
إن “الخطوات العملية” التي بمقدور السلطة الفلسطينية أن تتخذها ردًّا على خطة الضم هذه محدودة في ضوء التفاوت الكبير في القوى بين الطرفين. ولكن دون أن يشتمل الرد التصعيد بالتهديد بإنهاء التعاون الأمني أو الدعوة إلى المقاطعة والعقوبات أو الإعلان عن إلغاء الاتفاقيات السابقة مع إسرائيل أو انتظار قدوم خطة مثالية لتجنب الدخول في مفاوضات مع الإسرائيليين. إن إلغاء جميع الاتفاقيات القائمة مع إسرائيل لا يصب في المصلحة الفلسطينية بل يخدم تيارات التطرف ويصعد العنف ويفسح المجال أمام الفوضى وانعدام الأمن والصراع العنيف.
وعلى الرغم من كل الانتكاسات التي حدثت في الماضي، فإن العلاقة ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ما زالت قوية ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضًا في الكثير من أوجه الترابط على المستويات التجارية والاقتصادية والصحية والمالية. وكما شهدنا في التعاون لمواجهة وباء كورونا. ويُظهِر التحليل الاستراتيجي تشابك الأمن القومي الفلسطيني مع الأمن القومي الإسرائيلي.
ولذا، يجب أن يهدف الرد الفلسطيني إلى تجنب أي رد فعل عدائي قد ينجم عنه نهاية عملية السلام المتوقفة منذ فترة طويلة، أو ما يجعل إقامة دولة فلسطينية مستقلة مستحيلاً، أو ما يقضي على حل الدولتين. كما يجب ألا يسمح لخطة الضم أن تكون “المسمار الأخير في نعش حل الدولتين” ولو أدت إلى “تغيّر في قواعد اللعبة.”
وليس من المصلحة الوطنية الفلسطينية أن يأتي الرد على الأعمال الإسرائيلية الأحادية الجانب بالمثل من خلال ردود فعل متبعثرة وأحادية الجانب من قبل السلطة الفلسطينية. بل يتحتّم على هذه الأخيرة توظيف قدراتها الدبلوماسية بالتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وروسيا للتفاوض مع إسرائيل من أجل التوصل إلى حل الدولتين. مع التمسك بمضامين القانون الدولي التي تقف حائلا دون ضم أراض محتلة.
أظهرت المفاوضات المتكررة في العقود القليلة الماضية – على الرغم من أن معظمها باء بالفشل في نهاية المطاف – الطريق الشاق المفروض على الإسرائيليين والفلسطينيين من أجل العيش بسلام في نهاية المطاف. وعلى الرغم من أن أيًّا من الجانبين لا يبدو مستعدًا في هذه اللحظة لإحياء المسيرة السلمية والبدء بمفاوضات الحل النهائي، إلا انه يجب أن تبقى النافذة مفتوحة أمام هذا السبيل للحفاظ على الأمل بالسلام والتعايش عند الشعبين حيًّا. أما البدائل فهي تنذر بمستقبل لا يبشر بالخير من انعدام الاستقرار والعداء والكراهية والنزاع والحروب. وليس هذا هو الإرث الذي نرغب أن نتركه لأحفادنا.
محمد الدجاني الداودي
معهد واشنطن