انتكاسات حزب الله المتوالية على الصعيد الداخلي، ومنها فشله في الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعجزه عن إعادة العلاقات بشكل طبيعي بين بيروت ودمشق تكشف مدى هشاشة وضع الحزب وضعف سيطرته على مفاصل القرار اللبناني.
بيروت- تتجه الأمور بين حزب الله وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى التهدئة بعد أن خسر الحزب الجولة الأولى من المعركة المعلنة للإطاحة بالأخير، في ظل وجود فيتو غربي وانقسام بين فريقه السياسي حول ذلك، لاسيما في ظل الوضع الدقيق الذي يمر به لبنان.
وحسم الموقف الأميركي الأخير الذي أعلنت عنه سفيرة الولايات المتحدة في بيروت دوروثي شيا بشكل واضح لا لبس فيه، بأن لا إمكانية لإزاحة الرجل الذي يعتبر الوحيد الموجود حاليا في موقع السلطة الذي يحظى بثقة المجتمع الدولي.
واختارت السفيرة الأميركية منبر قناة “أو.تي.في” التابعة للتيار الوطني الحر حليف حزب الله لتوجيه جملة من الرسائل، لعل أهمها أنه لا إمكانية لحصول لبنان على استثمارات في حال تمت تنحية سلامة.
وقالت شيا إن “الولايات المتحدة عملت بشكل وثيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن الخطأ شيطنة أي شخص أو مؤسّسة أو جعله كبش فداء للانهيار الذي هو نتيجة عقود من الفساد”.
وفي رسالة لم تخل من تحذيرات أوضحت السفيرة الأميركية أن “تعيينات المصرف المركزي قرار يعود للحكومة اللبنانية، وسلامة يحظى بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي، وإذا لم يكن لدى هذا المجتمع ثقة بقيادة المؤسسات المالية الكبرى في البلاد، فأعتقد أنّه لن يكون هناك أي تدفق للاستثمار أو النقد الذي يحتاج إليه اقتصاد لبنان”.
ودعت السفيرة الأميركية الحكومة اللبنانية إلى تحويل أفكارها الإصلاحية إلى حقيقة واتخاذ خطوات ملموسة في حال أرادت كسب الدعم الدولي.
وخفف حزب الله في الأسابيع الأخيرة من حملته الموجهة ضد سلامة، في ظل إدراكه بأن الرجل يتمتع بحماية دولية لا مجال للاستخفاف بها، خاصة وأن لبنان اليوم في أمس الحاجة للمساعدات لتخفيف الضغط الاقتصادي والمالي الذي يعيشه.
ويواجه لبنان أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة أجبرته في مارس الماضي عن التخلف عن تسديد سندات دولية، وقد بدأت الحكومة اللبنانية قبل أسابيع مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على دعم مادي.
وحاول حزب الله استغلال الأزمة التي انفجرت في أكتوبر الماضي لضرب سلامة من خلال محاولة تحميله المسؤولية عنها، وبدأت هذه الحملة من خلال تحريض الشارع على مصرف لبنان وحاكمه وتسريب وثائق مزورة، ليصعّد في المرحلة الموالية من خلال رئيس الوزراء حسان دياب.
ويقول متابعون إن الاستهداف الممنهج لسلامة لا يخلو من اعتبارات انتقامية، حيث كان حاكم مصرف لبنان أمينا في تنفيذ العقوبات الأميركية ضد الحزب، في ظل خشية من تعرض القطاع المصرفي الذي يشكل عصب اقتصاد لبنان لحصار من الولايات المتحدة.
ويشير المتابعون إلى أن دوافع أخرى كانت تقف خلف حملة حزب الله على رياض سلامة من بينها ضرب النظام المالي للبلاد واستبداله بنظام جديد يكون الحزب الموالي لإيران المتسيد عليه.
ويلفت هؤلاء إلى أن هذه الحملة لم تفرز أي نتيجة بل على العكس تماما ما جعل الحزب منذ فترة يعيد النظر فيها، ويحاول النزول تدريجيا من الشجرة التي صعدها، حيث صرح نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في مايو الماضي بأن “حاكم مصرف لبنان لا يتحمل وحده مسؤولية ما وصلنا إليه”.
حزب الله ورغم ما يصدح به من آراء ومواقف متمردة فإنه في واقع الأمر لا يستطيع تأزيم الوضع أكثر مع الجانب الأميركي
وقال قاسم “وصول الدولار إلى مستويات قياسية يعني أن هناك أخطاء متراكمة وأداء سلبيا من مصرف لبنان أوصلنا إلى هذه النتيجة، ولكن لا يتحمل المسؤولية وحده”.
ويرى محللون أن الموقف الأميركي الذي أعلن على لسان السفيرة شيا من شأنه أن ينهي أي نية لإزاحة رياض سلامة على الأقل على المدى المنظور، مشيرين إلى أن حزب الله ورغم ما يصدح به من أراء ومواقف متمردة بيد أنه في واقع الأمر لا يستطيع تأزيم الوضع أكثر مع الجانب الأميركي، لاسيما وأن أي تحرك في هذا الصدد سينعكس بشدة على وضع لبنان الهش بطبعه، وسيجعل الحزب في مواجهة مع الشارع.
ويلفت المحللون إلى أن تلويح الحزب في كل مرة بالتوجه شرقا ليس إلا محاولة يائسة لتخفيف الضغط الأميركي المرتقب أن يشتد لاسيما مع دخول قانون قيصر الذي يستهدف النظام السوري وحلفاءه حيز التنفيذ.
ويعتقد كثيرون أنه حتى فكرة إعادة الربط بين بيروت ودمشق التي سوق لها الأمين العام للحزب خلال إطلالاته الأخيرة باتت على ضوء “سيزر” غير قابلة للتنفيذ، وأن الحزب كما باقي الحلفاء الممسكين بالسلطة السياسية لن يكون لهم من بد سوى مسايرة الجانب الأميركي والقبول بالشروط الموضوعة للحصول على المساعدة.
العرب