الاحتجاجات في أميركا.. أسباب وتداعيات اقتصادية

الاحتجاجات في أميركا.. أسباب وتداعيات اقتصادية

“إنه الاقتصاد يا غبي!”.. عبارة تتكرر مع حلول مواسم الانتخابات في الولايات المتحدة، في إشارة إلى أهمية العامل الاقتصادي في تحديد تفضيلات الناخبين.

وليس بعيدا عن الانتخابات، كان الاقتصاد والأوضاع السيئة التي تعيشها الأقليات حاضرا وبشدة في الاحتجاجات التي تشهدها الكثير من المدن الأميركية على خلفية مقتل المواطن ذي الأصل الأفريقي جورج فلويد على يد شرطي أبيض في ولاية مينيسوتا الأسبوع الماضي.

أوضاع السود تزداد سوءا
قبل أربعة أعوام وفي خضم الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016، عبّر دونالد ترامب -الذي كان حينها مرشح الجمهوريين للرئاسة- بوضوح عن عدم وجود “ما يخسره” الأميركيون من أصول أفريقية بالتصويت له.

وقال ترامب إن “المناطق التي يسكنها السود قذرة وشديدة السوء”، وإن ظروفهم المعيشية لن تعرف إلا التحسن خلال حكمه. وعلى عكس ما يردده ترامب فقد تحسنت ظروف السود الاقتصادية بصفة عامة خلال نصف القرن الأخير، وطبقا لدراسة صدرت من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك، فقد صنف 47% من السود كفقراء عام 1970، في حين تبلغ تلك النسبة حاليا 24% فقط.

ويتم تصنيف الفقر بالمعايير الأميركية لأسرة مكونة من أربعة أشخاص إذا قل دخلهم السنوي عن 25.7 ألف دولار، في حين يقل الرقم إلى نحو 20 ألفا لأسرة مكونة من ثلاثة أشخاص، ولأسرة من شخصين نحو 16.3 ألفا، ويصبح الشخص فقيرا إذا قل دخله السنوي عن 12.79 ألفا.

ولا يعرف كل الأميركيين الفقر بنفس النسب، فبينما يعيش 24% من السود تحت خط الفقر، تبلغ هذه النسبة 12% فقط على المستوى القومي.

ويعيش تحت مستوى خط الفقر 22% من الأطفال الأميركيين، وتنخفض هذه النسبة لتصل إلى 12% بين الأطفال البيض، وترتفع النسبة بين الأطفال السود لتصل إلى 36%.

الاحتجاج ودائرة الفقر المغلقة
لا تتمتع مناطق سكن الأقلية الأميركية السوداء، خاصة في المدن الكبيرة، بنفس مستوى الخدمات المتوافرة في الأحياء ذات الأغلبية البيضاء.

ويرتبط ذلك في أحد أبعاده بنظام يربط بين حجم الضرائب العقارية التي تُحصل من مالكي المنازل في المناطق المختلفة، وبين حجم الإنفاق المحلي على الخدمات الضرورية في هذه المناطق.

وذكر جي ميشيل -وهو رجل أبيض يسكن في شمال غربي العاصمة- للجزيرة نت أن منطقته التي تسمى “تشيفي تشيس” تتمتع “بمستوى ممتاز في المدارس العامة والمستشفيات، ويعود ذلك لأن متوسط سعر المنزل هنا لا يقل عن مليون دولار، لكن الوضع ليس كذلك في شمال شرقي واشنطن، فالمدارس سيئة ولا يوجد حتى مستشفى واحد في منطقة آناكوستيا”.

وتعد منطقة آناكوستيا من أفقر مناطق العاصمة واشنطن، وتنتشر بها الجريمة وترتفع نسبة العاطلين عن العمل، وتنخفض فيها أسعار المنازل لذلك السبب، وهو ما يؤثر عكسيا على الخدمات المتوافرة في المنطقة، إلا أن الكثير من شباب المنطقة الغاضبين يشاركون بكثافة في الاحتجاجات المستمرة في قلب العاصمة واشنطن.

وذكر أحد المحتجين السود من منطقة آناكوستيا للجزيرة نت “أحضر يوميا للتظاهر.. لا أخشى الشرطة، ولا تعجبني طريقة تعاملهم معنا، لكن الأهم أن يتم الالتفات إلى معاناة السود المالية والصحية”.

وتظهر البيانات الحكومية -إلى جانب التفاوتات الاقتصادية- أن نسبة إصابة السود بالأمراض المزمنة ترتفع بشدة، مقارنة بنسبها عند البيض.

وتظهر بيانات مكتب الإحصاء العام أن متوسط ثروة العائلة البيضاء يبلغ عشرة أضعاف ثروة العائلة السوداء، وأن نسبة الأميركيين السود ممن ليس لديهم تأمين صحي تبلغ ضعف النسبة بين الأميركيين البيض.

تداعيات الوباء
تعكس مدينة مينيابوليس -حيث قُتل فلويد- أوضاع السود الأميركيين بصورة مختصرة وواضحة، إذ تبلغ نسبتهم من الإصابات بمرض “كوفيد-19” في المدينة 34%، بينما لا تتخطى نسبتهم من عدد السكان 19%.

كما تزداد نسب السود ممن فقدوا وظائفهم بسبب وباء كورونا، ومنهم جورج فلويد الذي خسر وظيفته كحارس أمن قبل أسابيع بسبب الإغلاقات المترتبة على الوباء.

ولا يكترث الكثير من المحتجين باستمرار غلق المحال التجارية أو المصالح الاقتصادية، إذ تعكس أعمال التخريب والنهب التي رافقت بعض الاحتجاجات بُعدا يشير إلى تنامي رفض الأقليات للمنظومة الاقتصادية في الولايات المتحدة.

وردا على سؤال من الجزيرة نت على تبعات استمرار التظاهر وغلق المحال لتأمينها، ردت إليشيا كومينغ -وهي ناشطة سوداء من واشنطن- بالقول “في بعض الأحيان عليك هدم القديم من أجل بناء شيء جديد أفضل”.

وأضافت كومينغ “إننا نعاني بلا توقف من الأوضاع الاقتصادية السيئة في أحياء السود في جنوب غرب وجنوب شرق وشمال شرق واشنطن.. قارن ذلك بمناطق البيض الأغنياء في شمال غرب العاصمة.. كلنا أميركيون، كلنا ندفع الضرائب، لكننا لا نحصل على نفس الخدمات سواء التعليمية أو الصحية أو حتى الأمنية من جانب الشرطة ذاتها”.

ولا تشهد المناطق الفقيرة في واشنطن مظاهر واسعة من الاحتجاجات، وبررت كومينغ ذلك بالقول “نذهب إلى محيط البيت الأبيض حيث يتركز الإعلام وتتوافر المواصلات المؤدية إلى هناك.. في مناطقنا لا يوجد ما يستحق التظاهر أمامه”.

المصدر : الجزيرة